كانت سيطرة أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الوجيزة على مبنى البرلمان العراقي بداية الأسبوع غنية بالرمزية. يوم السبت، اخترق المتظاهرون المنطقة الخضراء الحصينة المحروسة بعناية، وأسقطوا الجدران الإسمنتية التي حمت منذ فترة طويلة نخبة البلاد الحاكمة من الناس الذين يفترض أنها تخدمهم. وقام المتظاهرون بنهب مكاتب أعضاء البرلمان، ولوحوا بالأعلام العراقية بينما يطالبون باستبدال شبكات المحسوبية السياسية في البلد بإدارة جديدة من التكنوقراط. ويوم الأحد، تراجع المحتجون استجابة لدعوة الصدر.
من المستحيل التنبؤ الآن بما يمكن أن يفضي إليه هذا العرض المذهل للقوة، بالنظر إلى تقلبات السياسة العراقية. لكنه أوضح أن السيد الصدر –زعيم الميليشيا السابق الذي أعاد تشكيل نفسه ليصبح محارباً لمكافحة الفساد- ما يزال قوة يجب أن يُحسب لها حساب.
اعتماداً على تحركاته التالية، يستطيع السيد الصدر إما أن يعمق استقطاب البلد السياسي، أو أن يعزز جهود رئيس الوزراء حيدر العبادي الوليدة لتشكيل حكومة عاملة. والاحتمال الثاني -الذي ينبغي الاعتراف بأنه ضعيف للغاية- هو الوحيد الذي يمكن أن يعطي للعراق فرصة خوض القتال من أجل استعادة الأراضي التي يسيطر عليها “داعش”، ومواجهة الأزمة الاقتصادية التي نجمت عن انخفاض أسعار النفط.
من الصعب رؤية السيد الصدر وهو يعود إلى واجهة السياسة العراقية كتهديد. وكان السيد الصدر قد اعتمد خلال جزء كبير من فترة الاحتلال الأميركي للعراق على العنف لتحقيق أهدافه. وقامت ميليشياه، جيش المهدي، بإطلاق الصواريخ على المنطقة الخضراء لزعزعة استقرار الحكومة المدعومة أميركيا، وقتلت العشرات من الجنود الأميركيين. ولعب مقاتلوها دوراً بارزاً في الحرب الأهلية الوحشية التي استعرت في العامين 2005 و2006. وكان السيد الصدر تخريبياً بنفس المقدار في الساحة السياسية. فقد لعبت كتلته في البرلمان دور صانع الملوك في الصراعات على السلطة –على الأخص من خلال دعم مساعي نوري كمال المالكي إلى البقاء رئيساً للوزراء في العام 2010. وكانت الوزارات التي أدارها حلفاؤه تجسيداً كاملاً للمحسوبية التي يندد بها الآن.
في العام 2014، أعلن السيد الصدر أنه سوف ينسحب من السياسة، وقدم نفسه منذ ذلك الحين كزعيم ديني يدافع عن الفقراء، بغض النظر عن الطائفة التي ينتمون إليها. وقبل عام من الآن، قال أنه يؤيد خطة العبادي لإعادة تكوين نظام الحكم القائم على الحصص العرقية في بغداد، عن طريق تعيين وزراء أكفياء، وخفض الرواتب المتضخمة، ومكافحة الفساد.
ثمة حاجة ماسة إلى إجراء هذه التغييرات. فالعراق يقوم بخفض احتياطياته الأجنبية لتعويض عجز في الميزانية يعادل 3 مليارات دولار أميركي شهرياً. وهناك مدينتان رئيسيتان في البلاد، الفلوجة في الغرب، والموصل في الشمال، ما تزالان خاضعتين لسيطرة مسلحي “الدولة الإسلامية”. وفي الأسبوع الماضي، تمكن السيد العبادي، الذي يقود الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة، من تأمين مصادقة البرلمان على خمسة وزراء جدد، على الرغم من احتجاجات عدد من السياسيين الذين يخشون فقدان نفوذهم إذا تم تغيير الوضع الراهن. وكان رفض عقد جلسات استماع جديدة لمرشحين آخرين لمناصب حكومية في الاسبوع الماضي هو الذي دفع احتجاجات المنطقة الخضراء.
بينما كان يوجه أتباعه إلى مغادرة المنطقة الخضراء يوم الأحد، طلب السيد الصدر منهم الامتناع عن ممارسة العنف وترديد الشعارات القومية. وفي بيانه الذي أصدره، حذر من أن أتباعه سيدعون إلى إجراء انتخابات جديدة إذا استمر النواب في الوقوف في طريق الإصلاح السياسي. ومن المشجع أن التيار الصدري قد امتنع حتى الآن إلى حد كبير عن العنف وأن مسيراته ليست طائفية. وإذا كان السيد الصدر سيتمسك بهذه الطريقة، فإن احتجاجات الشوارع قد تعطي السيد العبادي الغطاء السياسي اللازم لإجبار البرلمان على إجراء الاصلاحات التي تحتاجها الحكومة.
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
صحيفة الغد