دخل اليمن منعطفا خطيرا، من سياسة التفجيرات والاغتيالات، التي تهدد المواطن والمؤسسات اليمنية، من قبل ميليشيات متناحرة، سواء من قبل ميليشيات أنصار الله” الحوثيين” أو ميليشيات التجمع اليمني للإصلاح “إخوان اليمن”، أو تنظيم القاعدة الإرهابي، بالإضافة إلى الميليشيات الشيوعية، والقبائل المسلحة، كلها تهدد اليمن ومستقبله، مع كشف عن صفقة بين الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وزعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، كلها مؤشرات تؤدي لانزلاق اليمن إلى ساحة عدم الاستقرار.
تفجير كلية الشرطة واغتيال قيادي بالمؤتمر الشعبي
استيقظ اليمنيون على تفجير بالعاصمة صنعاء أدى إلى مقتل وإصابة أكثر من 100 شخص، في انفجار سيارة ملغومة استهدف الطلاب المتقدمين لكلية الشرطة، في الساعات الأولى من صباح الأربعاء.
وذكر مصدر مسئول في وزارة الداخلية، أن 31 شخصاً قتلوا وأصيب نحو 68 في التفجير، منوهاً أن تلك الإحصائية ليست نهائية.
وكان أمين العاصمة عبدالقادر هلال، قال في تصريحات له، صباح الأربعاء: إن عشرين شخصاً استشهدوا وأصيب أكثر من ثلاثة وعشرين شخصاً آخرين في عملية إرهابية بتفجير سيارة مفخخة بالقرب من بوابة كلية الشرطة بصنعاء فجر لأربعاءالمصادف 7/1/2015..
وأشار إلى أن التفجير الإرهابي استهدف الطلاب المتقدمين للتسجيل بكلية الشرطة لدى تجمعهم صباح اليوم في باب الكلية.
الأوضاع في اليمن لم تقف عند تفجيرات محيط كلية الشرطة، بل اغتال مسلحون مجهولون، القيادي وعضو اللجنة الدائمة لحزب المؤتمر الشعبي العام في اليمن، الشيخ محمد عبد القادر الهدار، في كمين مسلح استهدفه في مديرية الزاهر بالبيضاء، وسط البلاد، أدى إلى مقتله و2 من أولاده، وكذا 4 من مرافقيه.
وكان من ضمن ضحايا الانفجار “محمد عبد القادر الهدار – هدار محمد عبد القادر الهدار- عبد العزيز محمد عبد القادر الهدار- عبد القادر هدار الحميقاني – حمد الوهبي- علي صالح علي الزلاف – عبد العزيز صالح على الزلاف”.
اغتيالات قادة عسكريين وأمنيين
كان الأول من يونيو العام الماضي، حافلا بعمليات اغتيال، وقعت اثنتان منها بمحافظة حضرموت، حيث اغتيل العميد يحيى العميسي قائد الشرطة الجوية في مدينة سيئون بإطلاق نار من مسلحين يقودون دراجة نارية أثناء خروجه من مقر عمله.
كما اغتيل مدير البحث الجنائي بسيئون العقيد عبد الرحمن باشكيل أثناء قيامه بالتحقيق في واقعة اغتيال العميد العميسي، أما العميد عبد الكريم العديني مدير أمن محافظة ذمار جنوب العاصمة صنعاء الذي تعرض لإطلاق نار كثيف بوسط المدينة فقد نجا من الاغتيال.
كما تم اغتيال العقي المتقاعد في جهاز الأمن السياسي”المخابرات” عبده خميس عبد المولى، بجوار منزله في الحال في مدينة الشحر بمحافظة حضرموت.
وبحسب إحصاءات حكومية فإن ضباط المخابرات والجيش والأمن الذين اغتيلوا منذ عام 2011، تجاوز عددهم 80 عسكريا، بينهم ضباط كبار بوزارتي الدفاع والداخلية وجهاز الأمن السياسي (المخابرات).
ويبدو لافتا في أمر هذا التجاهل، الذي كانت السلطة تبديه تجاه عمليات الاغتيالات، التي تستهدف أفرادها، أنه انتقل إلى جهة المواطنين على هيئة لا مبالاة وتقمصهم لدور المشاهد العادي لأخبار تلك الاغتيالات، كأنها تحدث في بلاد غير اليمن.
وقد تكتمل صورة المشهد العبثي تماماً عبر معرفة الطريقة التي تجري بها عمليات الاغتيالات تلك، حيث يمكن القول إنها تأتي بذات الطريقة والسيناريو والأدوات، كأنه مشهد تمثيلي يحدث على نحو متطابق في كل عملية: تخرج الشخصية المطلوبة من منزلها أو من مقر عملها لتكون بانتظارها دراجة نارية عليها راكبان، تُطلَق النار من كاتم صوت في الغالب، والفرار يكون على الفور لتبقى الضحية وحدها ميتة على الأرض.
عمليات كهذه بقيت تتكرر طوال عامين، وبذات الطريقة، وإن حصل اختلاف طفيف في طريقة الاغتيال، فإنه يكون عن طريق زرع السيّارات المستهدف أصحابها، وهم في الغالب، في هذه النوعية، من ضباط الأمن السياسي بعبوات متفجرّة يحدث مفعولها بمجرد تشغيل محرك السيّارة.
الأمن على طريق المحاصصة
ويأتي الوضع الأمني المتردي الذي تشهده اليمن، في ظل حالة المحاصصة التي ضربت الأجهزة الأمنية خلال المرحلة الماضية والتعيينات التي أجراها الرئيس هادي، وعلى رأس أهم جهاز أمني في الدولة عين الرئيس اليمني، شخص محسوب على الحوثيين وشخص آخر محسوب على التجمع اليمني لإصلاح “الإخوان” ليكون عمل الجهاز بعيدا عن الوطنية، بل جزءا من المحاصصة التي ضربت اليمن بشكل غير مباشر، وسط تكهنات بمزيد من تردي الوضع الأمني بارتفاع الضحايا مع غياب الفاعل الحقيقي وتقييد الجريمة ضد مجهول.
فقد أصدر الرئيس اليمني، قرارًا اليوم، بتعيين وكيلين لجهاز الأمن السياسي “المخابرات”، وهما اللواء عبدالقادر قاسم أحمد الشامي، وكيلا لجهاز قطاع الأمن الداخلي، واللواء محـمد علي محسن، وكيلا لجهاز قطاع الأمن الخارجي.
واللواء عبد القادر قاسم الشامي، هو محسوب على جماعة أنصار الله الحوثيين، وتعيينه يأتي في الصفقة بين عبد الملك الحوثي والرئيس هادي، بتمكين الحوثيين من مؤسسات الدولة.
والتعينات تشير إلى أن الدولة انتقلت من مرحلة محاربة التنظيمات والميليشيات، إلى مرحلة التعايش معها بل وتعاون في ظل قيادة سياسية مترهلة مع مساعي السيطرة على الجيش من قبل الإخوان والحوثيين في ظل استخدام محاربة تنظيم القاعدة كذريعة قوية للسيطرة على اليمن بشكل عام.
فاتورة الدم
اعتبر مركز أبعاد للدراسات والبحوث اليمني، عام 2014 بأنه عام الحصاد المر لفشل الانتقال السياسي للسلطة، وسقوط الخيارات السلمية تحت أقدام الميليشيات والجماعات المسلحة، معتبرًا إياه العام “الأكثر سوءًا في تاريخ اليمنيين وصراعاتهم وعام نزيف الدم اليمني، وعام سقوط الدولة وسيطرة العنف والسلاح”.
وقال المركز، وهو مؤسسة بحثية غير حكومية، في تقرير له السبت، إنه سجل في العام الماضي مقتل أكثر من 7 آلاف يمني لقوا مصرعهم هذا العام “أي حوالي ثلاثة أضعاف قتلى عام 2011م”، حين خرج الشباب في ثورة سلمية ضد نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
وأكد أن المؤسسة العسكرية خسرت وحدها هذا العام أكثر من ألف قتيل من أبنائها، وأن حوالي 600 منهم قتلوا على يد الحوثيين أثناء مهاجمتهم للمعسكرات وإسقاط المحافظات، فيما قتل حوالي 400 على يد القاعدة وجماعات مسلحة غالبيتهم في عمليات اغتيال وتفجيرات وهجمات مباغتة للمعسكرات والنقاط العسكرية.
وعن الضحايا المدنيين، أشار إلى مقتل حوالي ألف ومائتين شخص هذا العام غالبيتهم في أعمال جماعات العنف المسلحة منذ اختتام مؤتمر الحوار الوطني في 25 يناير من العام الماضي.
هادي ولعبة المليشيات
وصل النظام الانتقالي في اليمن برئاسة الرئيس عبدربه منصور هادي، إلى طريق مسدود، وفقد السيطرة على الواقع بشكل ملفت، في وقت ضاعف إرسال الإيحاءات، من مخططات للإطاحة به، بدافع إثارة مخاوف حكومات دول الإقليم، لا سيما المجاورة لليمن.
وتناولت صحيفة سعودية، نقلاً عن مصادر يمنية في صنعاء، ما قالت إنها مفاوضات جرت بوساطة إيرانية- عمانية، مع الرئيس الجنوبي السابق علي ناصر محمد، للعودة إلى اليمن، وترؤس ما سمّته، “مجلساً للإنقاذ الوطني”، يضم شخصيات شمالية وجنوبية، بعد إقصاء الرئيس اليمني الحالي عبدربه منصور هادي عن السلطة.
وتكشف هذه المزاعم، جزءاً من اعتماد نظام هادي، على التسريبات الإعلامية، لإثارة مخاوف حكومات الخليج العربي، وبالذات السعودية، المتوجسة من تمدد جماعة الحوثي، جنوب حدودها الجغرافية مع اليمن.
ويركز النظام الانتقالي في هذا الملف، على اختزال الاحتقان الشعبي المحتد في الشارع المحلي، جراء سياساته المرتبكة وفشله في إدارة المرحلة، في ظل وجود جماعة الحوثيين، مستغلاً تنافر مشروع الجهة الإقليمية التي تتهم بدعم الحوثية (إيران) مع المشروع السعودي في المنطقة.
وفي السياق، تؤكد مصادر سياسية، أن توجهات النظام اليمني، حالياً، تسير في اتجاه مضاعفة اللعب على ورقة القلق السعودي من توسُّع نفوذ الحركة الحوثية، بالتوازي مع مواصلة تقديم التسهيلات لسيطرتهم على مقاليد الأمور، على أن يتم توظيف ذلك في سياق مساعي الرئيس لحث السعودية على التمسك به في رئاسة الدولة.
وبحسب المصادر، فإن فريق هادي يشتغل في الأثناء، على تضخيم النفوذ الحوثي، إلى جانب بعث إيحاءات للجهات الخارجية المؤثرة في الداخل اليمني، بأن الدفع باتجاه انتخابات عامة ينتج عنها مؤسسات دستورية، سيفضي إلى استبدال النظام الحالي بآخر مرتبط بالحوثيين، وصولاً إلى إقناعهم بدعم بقاء هادي بكل عجزه.
وتلجأ السلطة الحالية، إلى ترديد الاتهامات لتغطية كل سقطة يقع فيها الرئيس ومعاونوه، عبر تحريك ماكينات الإعلام الموالية، لإشاعة تهويمات لا وجود لها في الواقع، كما حصل أخيراً بتناول معلومات بوجود مخطط وشيك للانقلاب على هادي، وباشتراك عسكريين بدلوا ولاءهم للحوثيين ويتعاونون مع ضباط محسوبين على الرئيس السابق.
فشل الرئيس اليمني
نشرت مجلة “فورين بوليسي”، تقريراً مطولاً، كشفت من خلاله، أن العام الماضي كان سيئاً بالنسبة للسلام والأمن الدوليين، مشيرة إلى أن اليمن وليبيا جنحت نحو الحرب الأهلية، بينما الدولة الإسلامية “داعش”، سيطرت على أجزاء واسعة في العراق والشام.
وتحت عنوان: “من اليمن إلى أفغانستان.. 10 حروب وكوارث ستواجه العالم في العام 2015″، تحدثت المجلة بشكل مفصل كل على حدة عما سيواجهه العالم.
وقالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية: إن عدم مصداقية نظام الرئيس عبدربه منصور هادي سبب التدهور الاقتصادي والأمني الكبير في اليمن. مؤكدة أن “عدم نزاهة ومصداقية الرئيس هادي، سبب صدوعاً وخروقاً وحروباً بين الفصائل المتصارعة في اليمن”.
وأوضحت المجلة الأمريكية الشهيرة، أن السعوديون ضخوا مليارات الدولارات لدعم الموازنة العامة للدولة، ولكن الرياض أوقفت وثبطت المعونات والمنح، وقاموا بسحب الدعم المالي؛ مما قد يؤدي بالدولة اليمنية إلى الانهيار الكامل.
وأكد مركز أبعاد للدراسات والبحوث اليمني، فشل الرئيس هادي في قيادة الانتقال السلمي رغم التضامن والدعم غير المحدود الذي قدمه له الشعب اليمني والمجتمع الإقليمي والدولي، وأن ذلك يعود إلى ضعف شخصية الرئيس وتردده في اتخاذ القرارات، وعدم امتلاكه لرؤية وطنية أو خبرة اجتماعية خاصة بما يتعلق بالمجتمع القبلي الذي تعمد تهميشه مع بدايات حكمه وعدم تمثيله في مؤتمر الحوار الوطني، وانشغاله بصراعات واستقطابات مع الرئيس السابق داخل منظومة الحزب والدولة خلقت بيئة حاضنة لتحالفات سياسية واجتماعية وضعت يدها مع يد الجماعات المسلحة لإسقاط ما تبقى من رمزية الدولة.
وقال تقرير أبعاد: “من أهم الأسباب التي سرعت بسيطرة الميليشيات المسلحة على الدولة هو الفشل الاقتصادي في تحقيق أدنى متطلبات الحياة للمواطنين اليمنيين، وتراجع خدمات الكهرباء والماء والصحة والتعليم، وضعف المنظومة الأمنية والعسكرية أمام توسع الصراعات وانتشار الفوضى”.
وتطرق التقرير لخارطة العنف المسلح، وقال: “تتبلور أحداث العنف في إطار أربع مجموعات مسلحة أهمها حركة أنصار الله (الحوثيون)، وقد أصبحت تسيطر على مفاصل الدولة وتمتلك أعتى وأقوى أنواع الأسلحة متفوقة على الدولة، وبيدها القدرة على السيطرة أكثر بعد تغلغلها في الدولة ومؤسساتها المخابراتية والأمنية والعسكرية والمدنية وابتلاعها تدريجيا من الداخل”.
الخلاصة
تبدو الحالة اليمنية مقلقة مع دخول البلاد مرحلة جديدة من الاستهداف عبر عمليات انتحارية واغتيالات لسياسيين في ظل صمت من قبل القيادة السياسية للبلاد، وهو ما يشير إلى تصاعد هذه الظاهرة خلال المرحلة المقبلة قد تؤدي إلى سقوط الرئيس الانتقالي أو سقوط اليمن كدول؛ مما يؤدي إلى الانقسام.
مستقبل اليمن غامض ويكل يوم يزداد غموضا في ظل سياسية الرئيس الحالي والذي يسعي إلى عقد مزيد من الصفقات السياسية للبقاء على كرسي البلاد، دون أن يقوم بأي إصلاحات حقيقة، سوى تقسيم المناصب والمراكز القيادية بما تقضيه هذه الصفقات وهو ما يهدد الوضع الأمني في البلاد.
يتوقع محللون يمنيون، أن تشهد البلاد موجة جديدة من العنف بين تنظيم القاعدة وجماعة الحوثيين والإخوان، مرجحين اتساع خارطة المواجهات المسلحة، وتمددها إلى مناطق مختلفة باليمن.
ويستند هؤلاء، إلى أن عمليات القتل عبر التفجيرات الانتحارية، التي تقع بالبلاد، من وقت لآخر، مما يؤدي لرد الفعل بين الأطراف المختلفة.. فهل سقطت الدولة الأمنية اليمنية في مستنقع حرب الميليشيات؟
بوابة الحركات الاسلامية
http://www.islamist-movements.com/25522