يرى المسؤولون الأمريكيّون في روحاني وفريقه، وخاصّةً وزير الخارجيّة محمد جواد ظريف، نظراء إيرانيّين أثبتوا أنّهم مستعدّون للانخراط في تعاملات مع واشنطن عندما يصبّ ذلك ضمن مصالح إيران، على عكس خصومهم المحلّيّين الّذين يعتبرون أنّ معاداة الولايات المتّحدة كثيراً ما تفوق الاعتبارات الأكثر عمليّة. ولم يؤدّ ذلك إلى اعتماد “خطة العمل الشاملة المشتركة” وإطلاق سراح ما أمكن من مختلف الأسرى الأمريكيّين فحسب، بل قاد المسؤولين الأمريكيّين أيضاً إلى التّفكير مليّاً باحتمالات الانخراط الأوسع مع إيران.
غير أنّه ليست هناك أدلّة كافية تثبت أنّ هذا التّعامل “يغيّر” إيران أو سياساتها، أو أنّ على واشنطن أن تعتبره بالتّالي غاية تعمل على تحقيقها. ولا يستطيع المسؤولون الأمريكيّون حصر التّعامل مع إيران بتداولات بحتة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ موافقة المسؤولين الإيرانيّين على الانخراط دبلوماسياً هو لتعزيز مصالحهم الخاصّة، الّتي تكاد تكون مختلفة عن مصالح الولايات المتّحدة وحلفائها في المنطقة إن لم تتعارض معها بشكل صارخ. ونظراً إلى التّحدّي الاستراتيجي الّذي تضعه إيران أمام مصالح الولايات المتّحدة في الشّرق الأوسط – في دعمها للإرهاب والجهات التّخريبيّة من غير الدّول، وتهديد حرّيّة التّجارة والملاحة في الممرّات المائيّة الإقليميّة، والسّعي إلى تحقيق قدرة صنع الأسلحة النّوويّة، والمساعي الأخرى المزعزعة للاستقرار – لا يمكن أن تقتصر المقاربة الأمريكيّة للدّبلوماسيّة مع إيران على مجموعة من الالتزامات التّداوليّة، بل يجب أن تُدمَج في استراتيجيّة أوسع لمواجهة التّحدّيات الّتي تطرحها إيران والنهوض بخطة إقليمية تحقّق الاستقرار.
وبالفعل، يكمن التّناقض في التّعامل الأمريكي مع إيران في إمكانيّة أن يؤدي نهج روحاني، إذا ما نجح، إلى بروز إيران في النهاية كدولة أكثر قوّة ولكن دون تغيير في استراتيجيّتها الإقليميّة، بالطّريقة نفسها الّتي أدّى فيها انفتاح الولايات المتّحدة على بكّين، بكل ما حقق من مصالح، إلى المساعدة في تسهيل تحويل الصّين إلى منافس قوي للغاية. وفي حين تم تبرير شراكة الولايات المتّحدة مع الصّين بالحاجة الملحّة لمواجهة الاتّحاد السّوفياتي، إلّا أنّ الأساس الاستراتيجي المنطقي لتعزيز إيران هو أقل وضوحاً بكثير. ويعتبر بعضهم أنّ القيام بذلك يقدّم نوعاً من التّوازن وأنّ تعزيز ثقة إيران بنفسها قد يؤدّي في النهاية إلى جعل المنطقة أكثر استقراراً؛ ومع ذلك، تتطلّب مثل هذه النتيجة تخلّي إيران عن مقاربة الأمن الإقليمي الّتي لا تنبعث من عوامل خارجيّة فحسب، بل من أخرى داخليّة أيضاً، مثل تفوّق المؤسّسات “الثّوريّة” غير النّظاميّة كقوّات «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» على المؤسّسات العسكريّة التّقليديّة. ويرى بعضهم الآخر أنّ الخطر الأكبر هو الجهاد السّنّي، الّذي تجسّده جماعات أمثال تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش»)، الأمر الذي يستلزم التّعاون مع إيران ضدّ عدوٍّ مشترك. لكنّ هذه الفكرة تهمِل الدّور الّذي لعبته أنشطة إيران الإقليميّة – والإطاحة بأكبر خصم إقليمي لإيران – في المساهمة في احتدام الطائفية الّتي تغذّي تنظيم «الدولة الإسلامية».
وعلى العموم، يبدو وكأنّ إيران آخذة في التغيّر، لكنّ الاتّفاق النّووي هو نتاج ذلك التغيّر أكثر من كونه سبباً له. ولا يبدو أيضاً أنّ التّغيّر في إيران سيسلك بوضوح طريقاً “جيّدة” أو “سيّئة” بالنّسبة إلى المصالح الأمريكيّة. وفي حين ينبغي على المسؤولين الأمريكيين والغربيّين الآخرين أن يولوا اهتماماً وثيقاً لديناميّات إيران الدّاخليّة وأن يبقوا صادقين في دعمهم المستمرّ لحقوق الإنسان والحرّيّات المدنيّة، يجب أن يحذروا من قدرتهم على تجسيد الديناميات الداخلية للبلاد، ويركّزوا بدلاً من ذلك على التّأثير في سياساتها الإقليميّة والخارجيّة من خلال مزيج من الحوافز والمثبطات، وذلك باستخدام مجموعة من الأدوات بدءً من الضّغط ووصولاً إلى الانخراط في خدمة استراتيجيّة إقليميّة أكثر شموليّة.
مايكل سينغ
معهد واشنطن