استعادت شعوب منطقتنا – بشيء من المرارة – الذكرى المئوية الأولى لاتفاقية سايكس – بيكو التي شاءت أن تمزق المنطقة دولا، لم يكتب لها أن تتحد لاحقاً، وقد باءت تجربة الوحدة الوحيدة بين قُطرين من أقطارها هما مصر وسوريا بفشل ذريع، وطويت إلى الأبد فكرة الوحدة العربية لتتحول إلى شعارات تضامن وتكامل ظلت حبراً على ورق ومادة للاستهلاك الموسمي لا أكثر ولا أقل.
وتضع شعوبنا أياديها على قلوبها، كما يقال، وهي تراقب بتوجس وقلق التحركات المحمومة لوزيريْ خارجية روسيا والولايات المتحدة الأميركية خشية أن يكونا قد توصلا فعلاً إلى اتفاق سري لن يلبث أن يصبح علنياً، يقضي بتقسيم المقسم وإعادة رسم حدود جديدة بين الدول المنهكة، علماً أن مراقبين ومتابعين لم يستبعدوا مثل هذا الاحتمال نظراً لما آلت إليه الأوضاع في معظم الأقطار العربية التي عصفت بها رياح الربيع العربي، ولم تستقر على حال بعد مرور أكثر من خمس سنوات، نشأت خلالها تحالفات وظهرت على السطح مخططات كانت مستترة أو تتبع مبدأ التقية السياسية، كما هو الحال في ما يخص المشروع التوسعي الإيراني، الذي يجد نفسه محظوظا ومرضيا عنه سواء أميركيا أم روسيا، وقد تلقى الضوء الأخضر ليمد أذرعه الخبيثة لا لتكتفي بالمحيط الجغرافي لها، كما هو حاصل في العراق وسوريا ولبنان وصولا إلى اليمن دون أن ننسى البحرين بطبيعة الحال، لكن لتصل إلى مصر وأقطار شمال أفريقيا البعيدة نسبيا عن مرمى نيرانها الطائفية، لكن القريبة جدا من أحلامها ومخططها الجهنمي.
على الأرض تنشط إيران بشكل هستيري في سوريا وبفعالية غير مسبوقة وكأنها تسابق الزمن لترسم حدودا طائفية واضحة بين المناطق، وهي تستعين بميليشيا حزب الله اللبناني وبالآلاف من المرتزقة الذين قامت بجلبهم من أفغانستان على وجه التحديد، وأعدتهم إعداد كراهية وحقد ونشرتهم في مناطق التماس ليدافعوا عن نظام الحكم المرتبط بها بشكل مذهبي لا لبس فيه، والذي لا يكاد يفوت فرصة دون أن يثبت ولاءه المطلق للمشروع الإيراني.
وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة التي منيت بها، خصوصا في الآونة الأخيرة والتي لم تقتصر على بعض المرتزقة بل طالت قادة كبارا، إلا أن ذلك لم يجعلها تتخلى عن مشروعها، ليعلن مؤخرا مستشار مرشدها الأعلى، علي أكبر ولايتي، أن بشار الأسد خط أحمر وأن بلاده ستواصل دعمه حتى النهاية، طبعا طالما أن الأسد يخدم إستراتيجيتها ولا يحيد عنها، وأما في العراق فالحالة لا تختلف كثيرا عما يجري في سوريا، إذ أن الميليشيات التابعة لإيران تقبض على الدولة بكليتها، ولا تسمح لأحد بأن يحيد قيد أنملة عن مخططها أيا تكن صفته أو انتماؤه، ولعل التفجيرات التي شهدتها بعض المناطق الشيعية المستاءة من التدخل الإيراني في الشؤون العراقية، خير دليل على أن إيران لن تتورع عن فعل أي شيء مهما كان إجراميا.
معادلة لبنان والحالة التي يعيشها ليستا بحاجة إلى الكثير من الشرح، فالدولة معطلة كليا وخارج أي سياق، وقرارها خاضع لسيطرة عصابات حزب الله، وهي قادرة على نشر الفوضى وزيادة جرعة العنف متى أرادت في ظل انعدام وجود طرف قوي قادر على لجمها، ولعل الرهان الإيراني قد فقد توازنه في اليمن بشكل غير متوقع وأجبرت على التخلي عن أحلامها هناك، بعد التدخل العربي عسكريا الذي استطاع تقليم مخالب الحوثيين وإعادتهم إلى حجمهم الطبيعي، بل وأجبرهم على القبول بمفاوضات الكويت للوصول إلى حل سلمي رغم مماطلتهم وتمنعهم عن الوصول إلى حل حتى الآن، علما أن طهران تعتبر هذه المفاوضات غير مجدية وهي لا تنفك تهاجمها.
على الأرض يشكل تنظيم داعش كفة الميزان الثانية في معادلة التخريب والتدمير التي تتعرض لها المنطقة، علما أن ميليشيات إيران وقواتها المنتشرة هنا وهناك لم يسبق لها أن اصطدمت بشكل مباشر مع مقاتلي التنظيم، بل إن عملها اقتصر على مهاجمة المناطق السنية تحديدا والتي لم يستطع التنظيم الوصول إليها، والذي وعلى الرغم من كل الضربات الجوية التي تعرض لها، إلا أن الإدارة الأميركية استبعدت مؤخرا أن تكون قادرة على القضاء عليه خلال ولاية الرئيس باراك أوباما والذي سيغادر البيت الأبيض مطلع العام المقبل، وهي السنة التي ستشهد مرور مئة عام على وعد بلفور المشؤوم الذي كان اللبنة الأساسية لإقامة دولة إسرائيل، وقد يكون أوباما قد منح بدوره وعدا لإيران على هامش اتفاقه النووي معها بإقامة دويلة طائفية ما على أنقاض بعض دولنا الممزقة.
ألا تشير السياسة الأميركية طيلة السنوات الماضية إلى أن باراك أوباما يسير على نهج ولاية الفقيه، بل ويضرب بسيفه أيضا؟
ثائر الزعزوع
صحيفة العرب اللندنية