في وقت سابق من هذا الشهر، أطلق “داعش” حملة إعلامية ضخمة لدعم التمرد في سيناء. ونشر مسؤولون في التنظيم من 14 مما يسمى المحافظات في العراق وليبيا وسورية، أشرطة فيديو لتعزيز المجموعة التابعة المصرية المسمَّاة محافظة سيناء. وتحتوي أشرطة الفيديو على موضوعات “داعش” النموذجية، مثل تكرار الإدانات للحكومات العربية والغربية المرتدة، وتمجيد الهجمات الناجحة التي تشنها المجموعة، والثناء على الإخوة الشهداء. لكن ما يميز هذه الفيديوهات مع ذلك، هو العدد الهائل الذي صدر منها في وقت واحد، فضلاً عن تركيزها على سيناء التي كانت قد احتلت في السابق جانباً صغيراً نسبياً من دعاية “داعش”.
هذا الصخب الإعلامي يمكن أن يؤشر على نقطة تحول في استراتيجية التنظيم. وقد فقدت المجموعة بعض الأراضي في العراق وسورية، وقد تكون أشرطة الفيديو الجديدة مؤشراً على إعادة تكوين لتوجهات المجموعة في اتجاه شمال أفريقيا. وربما يكون “داعش” أيضاً بصدد محاولة رفع المعنويات وتجنيد أعضاء جدد. وأخيراً، يمكن أن تؤشر هذه الإصدارات باهتمام “داعش” المتزايد بإسرائيل، وربما تشير إلى أن ذلك البلد يمكن أن يكون الهدف التالي للخلافة.
جاءت حملة سيناء بنطاق لم يسبق له مثيل تقريباً، والذي لا تنافسه إلا حملة إعلامية أُطلقت في وقت سابق ضد النظام الملكي في السعودية –والمملكة هدف طبيعي للمجموعة بالنظر إلى أهميتها باعتبارها مهد الإسلام وموقع من اثنين من أكثر أماكنه قداسة. وقد شجبت تلك السلسلة، التي أنطلقت في كانون الثاني (ديسمبر) 2015، الأسرة الحاكمة السعودية بسبب العمل مع الدول “الصليبية” مثل الولايات المتحدة، ودعت السعوديين للانضمام إلى فرع “داعش” في المملكة. وبالمثل، تتهم مقاطع الفيديو الجديدة الحكومة المصرية بالطغيان، وتدين علاقات القاهرة مع السعودية والولايات المتحدة.
كما توجه مقاطع الفيديو انتقاداتها أيضاً إلى الرئيس الإخواني السابق محمد مرسي بسبب تحالفاته مع الحكومات العلمانية، مثل تركيا، وتوبخ جماعة الإخوان المسلمين على حكم مصر وفق قانون “وضعي” وليس وفق القانون الإسلامي.
وتحذر السلسلة الجديدة المصريين أيضاً ضد اعتناق “دين جديد” هو الديمقراطية، وتحثهم على الاستيقاظ وإدراك أن الخلاص يأتي مع حكم الشريعة، وتعلي من شأن موقع سيناء باعتبارها “أرض النبي موسى”، وتشجب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وتصفه بأنه فرعون جديد، وتلعنه بسبب “حماية اليهود”.
بالإضافة إلى انتقاد الحكومة المصرية، تصف هذه المقاطع سيناء بأنها “بوابة فلسطين”، والتي سينطلق “داعش” منها لـ”تحرير” القدس ومسجدها الأقصى الشهير. وتظهر أشرطة الفيديو اليهود باعتبارهم الضحايا القادمون الذين سيتعامل “داعش” معهم بعد أن يفرغ من التعامل مع “المرتدين” المصريين. ويحذر أحد المقاتلين من أن الإسرائيليين سيلقون قريباً نفس المصير الذي سيلاقيه المصريون الذين يفترض أنهم متعاونون معهم، ويقول أن السكاكين التي ستستخدم لجز رقاب جواسيسهم سوف تذبح جنودهم غداً.
من منظور “داعش”، يبدو استهداف الجمهور المصري بالدعاية منطقياً في هذه الآونة. أولاً، ربما تستشعر المنظمة أن المصريين أصبحوا ناضجين للتجنيد، بعد أن أدت الإخفاقات الاقتصادية للحكومة وقمع المعارضة إلى تآكل شعبية السيسي. وبالإضافة إلى ذلك، أصبحت جماعة الإخوان المسلمين –التي كانت ذات مرة قوة سياسية هائلة- ماركة ملطخة. وقد تمكن الحزب السياسي للجماعة من تولي السلطة لمدة عام واحد فقط. ومنذ ذلك الحين قام النظام الحالي بسجن الآلاف من أعضائها. ويستطيع “داعش” الاستفادة من هذا الفراغ من خلال تشجيع ما يسميه “محافظة سيناء”، بعرضها على أنها العربة الأكثر فعالية لتمكين المصريين من تقويض نظام السيسي.
كما قد يكون تركيز أشرطة الفيديو على سيناء أيضاً بهدف تمهيد الطريق أمام شن هجوم كبير واسع النطاق. وفي الواقع، بعد يوم واحد فقط من إطلاق آخر فيديو، ادعى “داعش” المسؤولية عن حادث إطلاق نار وقع على مشارف القاهرة. وأسفر ذلك الهجوم عن مقتل ثمانية من رجال الشرطة بملابس مدنية، وكان أعنف حادث إرهابي يقع في العاصمة المصرية منذ العام 2013. كما قد يكون هجوم كبير ضد إسرائيل أيضاً قيد الإعداد، حيث يقال إن الجيش الإسرائيلي يستعد لمواجهة هجوم كبير متوقع من سيناء، والذي ربما يشمل حتى استخدام الدبابات أو المدفعية.
من ناحية أخرى، قد يكون التركيز على سيناء محاولة لصرف الأنظار عن إخفاقات “داعش” الأخيرة في العراق وسورية. فحتى بينما مني “داعش” بسلسلة من الخسارات في الأراضي في هذين البلدين هذا العام، ظلت محافظة سيناء فعالة نسبياً. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، كلف التنظيم مصر ثمناً باهظاً في الأرواح والموارد، فقتل المئات من الجنود ورجال الشرطة والمدنيين في هجمات بالرصاص والصواريخ وقذائف الهاون والعبوات المتفجرة. كما تمكن فرع سيناء من النجاة أيضاً أمام عمليات مكافحة الإرهاب الكثيفة التي نفذتها الدولة. وفي تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2015، سجلت محافظة سيناء أكثر منجزاتها دراماتيكية عندما أسقطت طائرة ركاب روسية. وتشكل محافظة سيناء نقطة مضيئة نسبياً مقارنة بما يتحمله “داعش” من الهزائم المحبطة، ويمكن أن تكون الحملة الإعلامية الأخيرة محاولة لرفع المعنويات خلال هذه الفترة من عدم اليقين.
وأخيراً، قد يكون تركيز “داعش” الجديد على سيناء جزءًا من إعادة توجيه أوسع إطاراً للمجموعة في اتجاه شمال أفريقيا. وكانت المجموعة قد أطلقت في كانون الثاني (يناير) حملة أشرطة فيديو (ولو أنها كانت أصغر من سلسلة سيناء)، والتي قصدت التحشيد ضد القادة “التابعين للغرب” في الجزائر وليبيا والمغرب وتونس. ووفقاً لمسؤولين أميركيين، فإن وجود المجموعة في ليبيا “سرطاني”، ويشكل تهديداً للأمن الإقليمي أكثر من أي من فروعها الأخرى. بل وأشار مسؤولون إلى أنه في حين يحقق التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة مكاسب ضد “داعش” في سورية والعراق، فإن المنظمة قد تتحول إلى ليبيا كقاعدة تراجعية. وفي الأثناء، تشكل تونس المصدر الرئيسي لمقاتلي “داعش” الأجانب، كما كانت هي نفسها موقعاً لهجمات مدمرة نفذتها المجموعة.
أياً كان الدافع وراءها، فإن سلسلة “داعش” الدعائية الأخيرة المكونة من 14 جزءا تؤكد نظرة المنظمة إلى سيناء باعتبارها ساحة معركة حاسمة لما يسمى “الخلافة”. وسوف يظهر الزمن ما إذا كان “داعش” سيترجم هذا الاعتقاد إلى هجوم كبير آخر، ويصعِّد اعتداءاته ضد القوات المصرية أو الإسرائيلية، أو حتى ضد قوات حفظ السلام الدولية المتواجدة في شبه جزيرة سيناء. لكن الصخب الإعلامي الأحدث للمجموعة يوجه رسالة واضحة إلى مصر وإسرائيل، فضلاً عن حليفهما المشترك في واشنطن، والتي تجعلهم جميعاً نهباً لحالة من الترقب.
ترجمة : علاء الدين أبو زينة
صحيفة الغد الأردنية