يمكن أن يعزى فشل نمو الطلب العالمي على الغاز في السنوات الأخيرة واستمرار نمو الطلب على الفحم، ناهيك عن مصادر الطاقة المتجددة، في جزء كبير منه إلى عامل واحد وهو تسعيرة الغاز. وبشكل أكثر تحديدا، السبب هو تردد صناعة الغاز، حتى وقت قريب، في قبول بدائل لتسعير العقود الآنية والمستقبلية للغاز بشكل مستقل عن النفط، على الرغم من أن كِلا الوقودين يستخدمان لأغراض مختلفة بدرجة كبيرة. هذه الاستراتيجية في تسعيرة الغاز الطبيعي، تصب إلى حد كبير في مصلحة المنتجين، ولكن على حساب انخفاض الاستهلاك في أوروبا وركود الطلب في آسيا.
وفي الوقت نفسه، في الولايات المتحدة، حيث الغاز يتنافس منذ سنوات وجها لوجه مع الفحم في قطاع توليد الطاقة، قد تقلصت أسعار الغاز إلى ما دون دولارين لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وارتفع الطلب، في حين أن صناعة الفحم بدأت تتهاوى حتى قبل أن تتاح للحكومة الفرصة لتطوير بشكل كامل، ناهيك عن التنفيذ، لوائح تهدف إلى زوال الفحم لغرض خفض انبعاثات الكربون.
التغيير من دون شك قادم لقطاعات الغاز وتوليد الطاقة في جميع أنحاء العالم: باعة الغاز في آسيا قد بدأوا بالفعل التخلي عن تكافؤ المحتوى الحراري مع أسعار النفط الخام وبذلك حصل المشترون على تخفيضات من هذه العملية وصلت إلى 20 في المائة أو أكثر ويسعون إلى الحصول على خصم فوق 30 في المائة. الأهم من ذلك هو أن بعض الباعة وافق على ربط تسعيرة الغاز جزئيا مع أسعار الغاز الأمريكي في مركز البيع «هنري» أو مع أسعار الغاز في بورصة الغاز البريطانية المعروفة بـ NBP، بدلا من ربطه حصريا بأسعار النفط. هناك أيضا محاولات جارية للحصول على عقود للغاز مرتبطة بما يعرف بـ “كوكتيل” الغاز الطبيعي المسال الياباني، الذي يعتبر المؤشر الرسمي للتكاليف الفعلية لاستيراد الغاز الطبيعي المسال لليابان ولمنطقة آسيا.
تشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن استهلاك الغاز في أوروبا نما بنحو 4 في المائة في العام الماضي، وإن كان ذلك مع بعض المساعدة من قبل الطقس، وقد عزز الطلب في هذا العام حتى الآن من خلال تسريع رفع المبيعات من قبل كل من روسيا والنرويج. حيث إن صادرات شركة غازبروم الروسية إلى أوروبا ارتفعت بنسبة 28 في المائة على أساس سنوي في الربع الأول من هذا العام على خلفية المنافسة غير المعلنة التي اعتمدتها الشركة مع الغاز الطبيعي المسال الأمريكي حتى قبل وصول الشحنة الأولى منه إلى الشواطئ الأوروبية.
استراتيجية شركة غازبروم التي تعتمد على زيادة كمية الغاز على حساب السعر هي بالضبط ما هو مطلوب إذا ما أريد للغاز الخروج من حالة الجمود التي نتجت عن فشل بائعي الغاز في المنافسة بصورة فاعلة مع الفحم في السنوات الأخيرة للحصول على حصة في أسواق توليد الطاقة المتبقية للوقود الأحفوري في أعقاب النجاحات الهائلة التي حققتها الطاقة المتجددة في أوروبا. هذا النمط يتكرر الآن في الولايات المتحدة ـــ حيث يتغلب الغاز على الفحم – وعلى نحو متزايد في آسيا. حيث كان الفحم هناك بصورة عامة هو الفائز، ولكن هذا الوضع بدأ بالتغير.
لكن، قبل الاحتفال بنجاحات الغاز في الولايات المتحدة وآسيا، يجب على المدافعين عن قوة نمو الطلب على الغاز أن يلقوا نظرة فاحصة على ما يحدث في تقنيات الطاقة المتجددة والتخلي عن فكرة أن النمو المرتفع في قدرات الطاقة الشمسية الكهروضوئية، على سبيل المثال، لا يهم لأن الأساس هو منخفض.
حيث إن مصادر الطاقة المتجددة لديها أشياء كثيرة تصب في مصلحتها، بما في ذلك الدعم القوي من قبل الحكومات ودعاة البيئة، وبشكل متزايد من المستثمرين. حتى مع بعض الإخفاقات البارزة في استراتيجيات المؤسسات التي طالت المساهمين في شركات الطاقة الشمسية الكبيرة، لا يزال المال مستمرا في التدفق إلى هذا القطاع في أشكال رأسمال استثماري، ديون تقليدية واكتتاب بأسهم جديدة.
لكن، العامل الذي على ما يبدو يتفوق على باقي العوامل باستمرار هو التكاليف. لقد انخفضت أسعار الألواح الشمسية في المتوسط إلى 50 سنتا لكل واط من أكثر من ثلاثة دولارات في عام 2008، وأسعارها مستمرة في الانخفاض. في هذا الجانب، ذكرت وكالة بلومبرج في الشهر الماضي أن شركة الألواح الشمسية الأمريكيةFirst Solar ذات التقنية العالية تصنع الآن ألواحا شمسية بكلف لا تتجاوز 40 سنتا لكل واط، وهو أقل بنحو 15 في المائة من التكاليف التي أعلنت عنها الشركات الصينية الرائدة في هذه الصناعة. إضافة إلى ذلك، تناقلت بعض الصحف الهندية أخيرا تصريحات عن وزير الدولة الهندي لشؤون الطاقة تشير إلى أن محطات الطاقة الشمسية الجديدة في الهند ستنتج طاقة أرخص من محطات الوقود الأحفوري الجديدة بما في ذلك تلك العاملة بالفحم. هذه التصريحات ليست رسالة إيجابية للوقود الأحفوري، وخصوصا أنها قادمة من دولة من المفترض أنها ستحل محل الصين باعتبارها محرك النمو العالمي لهذا النوع من الوقود.
بالنسبة للغاز الطبيعي، السؤال الكبير هو ما إذا كانت البطاريات أو أي تقنيات أخرى لتخزين الطاقة الكهربائية ستستفيد في النهاية من كفاءة وديناميكية التكاليف نفسها التي حققتها الطاقة الشمسية الكهروضوئية. الأدلة في هذا الجانب حتى الآن ضئيلة، لكن بعض صناع السيارات من تسلا Tesla إلى جنرال موتورز يركز الآن على تقنيات البطاريات للسيارات الكهربائية، هذا يمكن أن يساهم في بدء تحقيق الاختراقات التقنية المطلوبة.
الكثير من هذا لا يزال مجرد تكهنات، لكن ما لا جدال فيه هو أن المنافسة بين الغاز وتقنيات الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لن يكون سهلا، مع أو من دون دعم حكومي واضح لهذه التقنيات. لذلك على منتجي الغاز اعتماد تسعيرة مرنة وتنافسية للغاز إذا ما أرادوا له أن يبقى في السباق نحو مستقبل جديد للطاقة.
* نقلا عن صحيفة ” الاقتصادية “