مع هذا الكم الهائل من الازمات والعقبات التي تقف في طريق اي تقدم للاقتصاد العراقي ، نلاحظ بأن هناك ما يشبه قوى الشد العكسي، فلا اصلاح يلوح في الافق ولا ضوء في اخر النفق يدل على ان الامور تسير الى الافضل .
العراق كما ذكرنا يعتبر بحد ذاته حالة فريدة، فالسياسة تتداخل مع الاقتصاد بل وتعلو المصالح الشخصية على مصلحة البلاد ولا صوت يعلو فوق صوت الطائفية والحزبية ، واستمرار الفساد الاداري والمالي والسياسي في كافة مفاصل الدولة ، حتى بات اليوم العراق يبحث عن القروض والمساعدات ليتمكن من المضي قدما في عهد الحكومات الفاشلة والتي تفتقد للرؤية.
وقد اعلن المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي مظهر محمد صالح أن البنك الدولي وصندوق النقد يقدران حجم الضائقة المالية التي يمر بها العراق بـ50 بليون دولار بين عامي 2016 و2019. الحصول على القرض الدولي ليس سهلاً، بل يتطلب تنفيذ سلسلة من الإجراءات من بينها إطلاع صندوق النقد الدولي على صافي الصرف الحقيقي للعراق خلال عام 2015» وهو الامر الذي يضع العراق في موقف صعب بسبب عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي وهي اهم شروط المنح من قبل الصندوق والبنك الدوليين .
لقد استطاعت دول العالم النفطية من وضع خطط وبرامج للاستفادة من العوائد المالية وعززت من مداخيلها وصناديقها السيادية ،وتنويع اقتصاداتها ،لكن في العراق الامر مختلف تماما لم يستفد العراق من طفرة اسعار النفط باستثناء عدد قليل من المتنفذين والمسؤولين واختفت حوالي 300مليار دولار من موازناته في عهد الحكومات السابقة، في حين تجرع الشعب العراقي ومازال مرارة الفقر والبطالة والتهميش.
المشكلة في العراق لم تكن في يوم من الايام بسبب انهيار اسعار النفط او الحرب على الارهاب ،لكنها مشكلة ادارية بامتياز ،فالرقابة معدومة والاصلاح عبارة عن شعارات فارغة ، وفي العراق لا صوت يعلو على صوت الفساد ،وهنا نذكر على سبيل المثال لا الحصر ان عام 2014 مر بلا موازنة ومع ذلك لم يحاسب المسؤول عن ذلك وكذلك التدخلات من قبل الحكومة السابقة للتدخل بالية عمل البنك المركزي والاستيلاء على الاحتياطي النقدي ، وكانت النتيجة كما نعلم اقالة مدير البنك المركزي آنذاك بسبب عدم القبول بهذه التجاوزات .
العراق يمر بمرحلة دقيقة جدا لا يكاد يقوى على الاستمرار، وهنا نذكر تقرير لصندوق النقد الدولي الذي اثبت افلاس العراق، نتيجة للجهل الاقتصادي والسياسي اشهار افلاس العراق نتيجة لسوء الادارة المالية وغياب التخطيط الاقتصادي المهني ناهيك عن اقصاء اصحاب الكفاءات والعقول الاقتصادية ،وقد افرزت الحكومات المتعاقبة سيل من التخبط والفساد اوصل العراق اليوم الى حافة الهاوية بشكل مرعب .
ومن الشواهد على ان البلاد تقف اليوم على مفترق طرق خطير ، ما جاء به تحذير المركز العالمي للدراسات التنموية البريطاني ، من افلاس العراق خلال ثلاثة اعوام بسبب عجز الموازنة الذي بات يهدد قطاع النفط العراقي بشكل واضح،
وقد اشار التقرير آنذاك الى ان العمليات العسكرية في الانبار تكلف البلد 7 ملايين دولار يوميا ، لفت الى أن الفساد المالي والإداري في العراق قد أدى إلى ظهور طبقة جديدة من الأغنياء ورجال الأعمال المحسوبين على الحكومة العراقية.
في مقال لنا سابق اكدنا أن العراق بسبب العواصف الاقتصادية والسياسية سيتعرض لضربة كبيرة تشمل جميع مفاصل الدولة سواء على الصعيد الاقتصادي او السياسي وحتى الاجتماعي وهو ما نراه اليوم بالموازاة مع حالة انعدام الاستقرار .
ونشير هنا الى ان صندوق النقد الدولي قد صنف العراق ضمن الدول الهشة بسبب النزاعات الإقليمية. وأدى هذا الأمر إلى تراجع في إجمالي الناتح المحلي وارتفاع نسبة التضخم.
مرة اخرى العراق يقف على منعطف حاد فالاقتصاد منهك جدا والاوضاع تنذر بالمزيد من التراجع بسبب استحواذ قلة على مقدرات البلاد وخيراتها يرافق ذلك غياب الرقابة الرادعة والادارة الرشيدة ،في حين تشهد نسب الفقر والبطالة معدلات مرعبة ،يرافق ذلك ارتفاع الدين العام ،واستمرار الاجراءات التقشفية والضرائب ، وهو ما سيهدد بالمزيد من الاحتقان في الاوساط الشعبية ، وقد يحدث ما لا تحمد عقباه .
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية