تقييم الحكومة التركية الجديدة برئاسة «حزب العدالة والتنمية»

تقييم الحكومة التركية الجديدة برئاسة «حزب العدالة والتنمية»

TurkeyParliamentYildrimRTSFNR1-639x405

بعد استقالة رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو في الخامس من أيار/مايو، قام ممثلو «حزب العدالة والتنمية» الحاكم بانتخاب وزير النقل السابق وأحد أقرب الحلفاء السياسيين للرئيس رجب طيب أردوغان، بن علي يلدرم، رئيساً للحزب ورئيساً للوزراء. وفي 24 أيار/مايو، أعلن يلدرم، بعد الحصول على موافقة أردوغان، عن تشكيل الحكومة التركية الخامسة والستين. وتضم الحكومة الجديدة سبعة وعشرين وزيراً من بينهم رئيس الوزراء وخمسة نواب لرئيس الوزراء، فيما أعيد تعيين اثني عشر وزيراً وأضيف ثمانية نواب جدد. وبذلك تكشف التشكيلة الحكومية عن توجهات هامة ومقلقة في السياسة التركية وفي «حزب العدالة والتنمية»، من ضمنها تقسيم السلطة السياسية وفقاً للمناطق والاستبعاد شبه الكلي للأكراد والنساء.

حكومة غير تمثيلية

في معرض تشكيل حكومته الثامنة على التوالي منذ عام 2002، جمع «حزب العدالة والتنمية» قيادات بدا أنها تمثل تركيا بدرجة أدنى بكثير من سابقاتها. وبشكل عام، لا تعكس الحكومة الجديدة تنوع المناطق الجغرافية في تركيا ولا تركيبتها العرقية والدينية. وعلى وجه التحديد لا تشمل العلويين مع أن هؤلاء المسلمين الليبراليين يشكلون ما بين 10 و20 في المائة من سكان تركيا، ولا يبدو أنها تعكس قاعدة ناخبي «حزب العدالة والتنمية» كما هو مفصَّل أدناه إنما تبدو أشبه بزمرة نتجت عن الصلة الوثيقة لأعضائها بصاحب السلطان المطلق أردوغان وحليفه يلدرم وخلفيتهم المشتركة معهما. في ما يلي عرضٌ لسمات الحكومة ونواقصها:

الهيمنة على شرق البحر الأسود: تتألف تركيا من 81 محافظة، وسبعة مناطق جغرافية هي مرمرة وأيجة والبحر المتوسط والبحر الأسود – الذي ينقسم إلى قسمين: شرقي وغربي – ومنطقة الأناضول الوسطى ومنطقة الأناضول الشرقية ومنطقة جنوب شرق الأناضول. ومع أن هذه المناطق لا تعتبر وحدات سياسية، إلا أنها تستخدم في الغالب في المقارنات التحليلية على الصعيد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.

بيد أن إحدى أبرز خصائص الحكومة الجديدة هي كثرة وزرائها المتحدرين من منطقة شرق البحر الأسود، وهي المنطقة التي يتحدر منها الرئيس أردوغان. وبالفعل فإن عشرة من أصل سبعة وعشرين وزيراً، أي ما يعادل 37 في المائة من الوزراء، هم من هذه المنطقة التي لا تمثل سوى 5 في المائة من سكان تركيا. وطوال فترة حكم أردوغان المتحدر من محافظة ريزة، عمل على بناء شبكة من رجال الأعمال والبيروقراطيين والسياسيين المنتمين إلى تلك المنطقة. ومن أبرز هؤلاء نذكر نائبَي رئيس الوزراء نور الدين كانكلي من محافظة غيرسون ونعمان كورتلمش من أوردو، في حين أن سليمان سويلو، ووزير الطاقة برات البيرق المولود في اسطنبول وصهر أردوغان يتحدران من عائلة طرابزون، أما عائلة وزير الرياضة المولود في ألمانيا عاكف جغطاي قليج فهي من سامسون التي تقع أيضاً في هذه المنطقة. ويقيناً، ليس هناك أي منطقة أخرى ممثلة بالقدر نفسه في مجلس الوزراء.

للوهلة الأولى، قد يُعزى هذا العدد الكبير من الممثلين عن منطقة شرق البحر الأسود إلى القوة الانتخابية لـ «حزب العدالة والتنمية» في هذه المنطقة. ففي الانتخابات الأخيرة التي أجريت في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، فاز «حزب العدالة والتنمية» بنسبة 65 في المائة من الأصوات هناك مسجّلاً تفوقاً كبيراً على نسبة ناخبيه الوطنية التي بلغت 49،5 في المائة. غير أن منطقة الأناضول الوسطى، حيث سجّل «حزب العدالة والتنمية» أيضاً نتيجة جيدة واستحوذ على 61 في المائة من الأصوات، لا تلقى التمثيل نفسه في الحكومة. ومع أن هذه المنطقة الأخيرة تضم 16 في المائة من سكان تركيا، لم يُعيّن منها سوى وزيران (ما يعادل 7 في المائة) في الحكومة الجديدة.

ويمكن رؤية هذا الخلل في مناطق أخرى أيضاً حيث يتفاوت مستوى تأييد «حزب العدالة والتنمية»، ما يوحي بأن النزعة الإقليمية في شرق البحر الأسود المرتبطة بجذور أردوغان هي التي تقف وراء الحكومة الجديدة وليس شعبية الحزب. هذا وتنطبق مستويات مماثلة من التفاوت في منطقة البحر الأبيض المتوسط حيث يتنافس كل من «حزب الشعب الجمهوري» و «حزب الحركة القومية» و «حزب الشعوب الديمقراطي» ضد هيمنة «حزب العدالة والتنمية»؛ وكذلك في منطقة إيجة حيث يتعادل تقريباً «حزب الشعب الجمهوري» و «حزب العدالة والتنمية»؛ وفي منطقة مرمرة التي تشمل اسطنبول والتي يهيمن عليها «حزب العدالة والتنمية». وعلى الرغم من أن هذه المناطق الثلاثة تضم أكثر من 55 في المائة من سكان تركيا، إلا أن التمثيل الذي حصلت عليه في الحكومة يساوي تمثيل منطقة شرق البحر الأسود – أي عشرة وزراء فقط أو 37 في المائة. أما المنطقة التي تدنّى تمثيلها بشكل خاص فهي إيجة ذات الميول العلمانية والتي تضم 13 في المائة من سكان تركيا، إذ لم تحِظ سوى بوزيرين، علماً بأنه لم يكن لها عدد أكبر من ذلك في أي حكومة من حكومات «حزب العدالة والتنمية» منذ عام 2002.

وفي المقابل، فإن منطقة الأناضول الشرقية التي تشكل 8 في المائة من سكان البلاد، تُعتبر المنطقة الأخرى الوحيدة التي عانت من التمثيل غير المتناسب في الحكومة الجديدة. فأربعةٌ من أعضاء الحكومة، أي 15 في المائة منها، يتحدرون من هذه المنطقة، التي تضم أرزنجان، مسقط رأس رئيس الوزراء يلدرم.

استبعاد الأكراد: لم تشمل الحكومة الجديدة في صفوفها سوى وزيرين معروفين من القومية الكردية – وهو أدنى عدد عرفته الحكومات الأخيرة – من بينهما نائب رئيس الوزراء محمد سمسك المتحدر من منطقة جنوب شرق الأناضول ذات الأكثرية الكردية. فالحكومات السابقة الخاضعة لـ «حزب العدالة والتنمية»، على غرار الحكومة الواحدة والستين التي تم تشكيلها عام 2011، شملت على ما يقرب من ستة أعضاء أكراد، بنسبة 23 في المائة من الحكومة. لذلك، فإن هذا العدد المتدني في الحكومة الجديدة يُظهر التحول في سياسة حكومة «حزب العدالة والتنمية» بشأن القضية الكردية، بما في ذلك تشدد أردوغان في تبنّي النزعة القومية التركية لتوسيع قاعدة ناخبيه (انظر المرصد السياسي 2620، “مسار أردوغان القومي نحو نظام رئاسي كامل”).

هيمنة المدرسة الدينية: ثمة حقيقة معبّرة أخرى عن الحكومة الجديدة تخص الخلفية العلمية. فقد تلقّى عشرة وزراء وأردوغان نفسه تعليمهم في مدارس “إمام خطيب”، وهي مؤسسات دينية ضيقة الأفق أسستها الدولة التركية عام 1951 وتم تصميمها في البداية لتدريب الأئمة الذين تشغلّهم الحكومة، ولكنها تحولت لاحقاً في ظل الحكومات المحافظة على غرار حكومات «حزب العدالة والتنمية» إلى مدارس ذات توجه ديني ممولة من قبل الدولة، وذلك كبدائل عن المدارس الرسمية العلمانية التقليدية. وتاريخياً، تعلّم في مدارس “إمام خطيب” أقل من خمسة في المائة من طلاب تركيا، لكن هذه النسبة قفزت إلى أكثر من 10 في المئة في ظل حكم «حزب العدالة والتنمية». وتعكس نسبة التمثيل العالية لخرّيجي “إمام خطيب” في حكومة يلدرم، السوابق السياسية للحكومة في المزج بين الدين والحكومة والتعليم. ويمكن القول أيضاً إن نظام “إمام خطيب” في تركيا نجح إلى حدٍّ كبير فيما يتعلق بمصلحته، حيث أنشأ الكوادر التي حطّمت النظام السياسي العلماني في البلاد.

غياب المرأة: ثمة مرأة واحدة في الحكومة التركية المؤلفة من 27 مقعداً، وهذا عدد مقلق بالنسبة لدولة تطمح لأن تكون ديمقراطية ليبرالية. لكن هذه الظاهرة للأسف ليست جديدة في ظل حكم «حزب العدالة والتنمية»، إذ أنّ أياً من حكومات هذا الحزب الثمانية منذ عام 2002 لم تتضمّن أكثر من امرأتين.

البحرية التجارية: من المثير للاهتمام أن الحكومة الجديدة تضم ثلاثة وزراء يحملون شهادات من “مدرسة العلوم البحرية” في “جامعة اسطنبول التقنية”، من بينهم رئيس الوزراء يلدرم، والآخران هما وزير النقل الجديد أحمد أرسلان ووزير التربية عصمت يلماز. وقد عمل أرسلان ويلماز معاً في وزارة النقل تحت يلدرم قبل الوصول إلى مركزيهما الحاليين، ما يدل على وجود زمرة صغيرة ليلدرم داخل الحكومة الجديدة، التي هي بحد ذاتها زمرة لأردوغان.

الخلاصة

إنّ حكومة «حزب العدالة والتنمية» الجديدة هي ذو نزعة إقليمية – إذ يهيمن عليها أعضاء من منطقة شرق البحر الأسود – كما أنها تقوم بالدرجة الكبرى على مجموعة صغيرة من خرّيجي المدارس الدينية في تركيا، وتكاد تستبعد الأكراد ولا تزال تعاني من هيمنة الذكور. وتشير هذه الاتجاهات إلى إقصاء فئات كبيرة من السكان الأتراك عن السلطة السياسية في ظل الحكومة الخامسة والستين، والأقوى حتى اليوم في النظام الديمقراطي.

بعد أن نشأ «حزب العدالة والتنمية» في عام 2002 كتحالف واسع لليمين والوسط السياسي يمثّل مختلف الفئات، بات يعمل اليوم على ترسيخ نفوذه على الدولة التركية من خلال الرئيس أردوغان فيما يتحول الحزب نفسه إلى مؤسسة لا تمثل التنوع السياسي في تركيا. ويوحي هذا المسار المعاكس بنشوء نظام في تركيا ينفرد فيه حزب حاكم واحد ويصرّ فيه حزب متسلط على فرض سيطرته الضيقة والمطلقة على كافة الموارد السياسية. يجدر بواشنطن أن تراقب هذه التطورات التي لها تداعيات على الاستقرار السياسي في تركيا.

 سونر جاغايتاي وجيم يولبولان

معهد واشنطن