بعد احداث ايلول 2001 قادت الولايات المتحدة الامريكية تحالفا دوليا لشن هجوم عسكري شامل على الاراضي الافغانية مستهدفة حركة طالبان, وبعد معارك ضارية استخدم فيها التحالف الطائرات بشكل فعال بالاضافة الى اصناف متعددة من الاسلحة,تمكن من طرد مقاتلي طالبان والسيطرة على الاراضي الافغانية حيث استحكم فيها نحو 150الف جندي امريكي ، وتم تنصيب البشتوني حامد كرازي حاكما لأفغانستان للفترة من 2001 ولغاية منتصف عام 2014.
وجاء اعلان الرئيس الامريكي باراك اوباما يوم 23 كانون الاول 2014 بانسحاب الجيش الامريكي من افغانستان نتيجة حتمية وواقعية لما صرح به في اثناء الانتخابات الامريكية بسحب جنوده من افغانستان و العراق وسعيه لعدم خوض اي حرب خارج الولايات المتحدة الامريكية .
وبعد ان تحقق انسحاب الجيش الامريكي من العراق نهاية عام 2011 ياتي الان الاعلان الواضح و الصريح لانسحاب قطعات الجيش الامريكي من افغانستان .
ولو نظرنا بصورة جدية وواقعية لأهداف الادارة الامريكية ومصالحها الاقليمية و الدولية في العالم وتحديدا في المنطقة الممتدة بين العراق و افغانستان لتبين لنا حقيقة تشابك المصالح الامريكية وترابطها ولو عقدنا مقارنة واقعية بين الانسحاب الامريكي من العراق وافغانستان لتوصلنا للحقائق الاتية:
- ان المسؤولين الامريكان اسسوا نظاما سياسيا تابعا لهم في افغانستان و العراق وتم توقيع اتفاقيات امنية تخولهم التحكم بالأوضاع السياسية و العسكرية والامنية في البلدين (العراق و افغانستان.
- انتقال الملف الامني من القوات الامريكية الى القوات العراقية و الافغانية, سبب ارباكا واضحا في كيفية التعامل مع الاحداث الامنية الجارية في البلدين نتيجة ضعف المؤسسات الامنية فيهما وانعدام فاعليتهما.
- صرح الجنرال الامريكي جون الن الذي كان مسؤول عن القوات الامريكية في افغانستان والمسؤول الحالي عن الحرب التي يشنها التحالف الدولي ضد داعش في العراق:” بان عدونا الاول في افغانستان ليس طالبان وانما الفساد”، وهذا ما اكده الامريكان في العراق:” بان العدو الاساسي هو الفساد وليس داعش”.
- وضعت الادارة الامريكية ملف المصالحة الوطنية في البلدين على طاولة المفاوضات بين الكتل السياسية فيهما، ودعت الحكومتين الى فتح قنوات التواصل و الحوار مع جميع الفئات و الاحزاب السياسية للوصول الى عملية الاصلاح السياسي وانهاء حالة الصراع بينها.
- اكدت المؤسسات العسكرية الامريكية عدم جاهزية الجيش الافغاني وضعفه في حالة اكتمال الانسحاب الامريكي وعدم قدرته على مواجهة مقاتلي طالبان وهذا ما يحدث الان في العراق حيث انهيار قطعات الجيش العراقي وانهزامها وعدم تمكنها من الصمود والقتال امام تقدم وزحف مقاتلي داعش.
- ضعف جاهزية الجيش الافغاني من الاسلحة والمعدات المتقدمة والاستراتيجية التي يستطيع بها حماية الحدود الافغانية وترسيخ الامن في الداخل وهذا ما تعانيه المؤسسة العسكرية العراقية من عجز في توريد الاسلحة والمعدات الثقيلة لها وتركها تقاتل بأسلحة تقليدية.
- سعت الادارة الامريكية الى ابقاء اكثر من 13 الف جندي امريكي في افغانستان في 9 قواعد امريكية عسكرية تكون مهمتها تدريب الجيش الافغاني و المؤسسات الامنية وتقديم الخبرات والمنشورات, وحصل هذا في العراق بعد احداث الموصل في 9 حزيران/2014 و سيطرة مقاتلي داعش على مساحات كبيرة من العراق شملت محافظات نينوى و الانبار وصلاح الدين, وهذا ما عجل بإرسال اكثر من 4000 جندي امريكي على انهم خبراء و مستشارين وبهذا تعود الادارة الامريكية الى العراق مرة اخرى بحجة محاربة الارهاب الدولي.
- فتح الباب امام المساعي الدبلوماسية وتقديم الدعم للحكومة الافغانية الجديدة برئاسة محمد اشرف الرئيس الجديد المنتخب والطلب من حلفاء واصدقاء الولايات المتحدة دعم الحكومة الافغانية الجديدة بعد الانسحاب الامريكي وتمثل بالزيارة التي قام بها الرئيس الافغاني الجديد الى السعودية و باكستان, وحصل الشيء ذاته بالدعم الدولي و الاقليمي و العربي لحكومة العبادي في العراق ومن قبلها وبشكل اقل حكومة المالكي.
- ان الادارة الامريكية حولت افغانستان الى شركة مساهمة ونظام سياسي هش يمتاز بالفساد السياسي و المالي، كما انها استنزفت ثروات العراق النفطية وغيرها من المارد الاقتصادية وتحكمت باقتصاده وارست دعائم نظام سياسي واقتصادي فاسد ما اهدر اكثر من 500 مليار دولار طيلة السنوات العشرة التي اعقبت الاحتلال الامريكي للعراق.
- اوجد المسؤولون الامريكان انقساما عرقيا ومذهبيا في افغانستان تمثل في الصراع بين (الطاجيك والاوزبك والهزارة والبشتون)؛ لإضعاف النسيج الاجتماعي للأفغانيين وتعزيز حالة الصراع بينهم واستمرار القتال بين جميع فصائل الشعب الافغاني, كما ساعدوا على تعزيز الانقسام الطائفي و العرقي والمذهب في العراق الذي راح ضحيته اكثر من 3 ملايين عراقي.
- زرعت الإدارة الامريكية بذور الصراع السياسي على السلطة وتصفية المعارضين للحكومة الافغانية كما حصل في مقتل برهان الدين رباني زعيم الجبهة الاسلامية بهجوم شنه انتحاري داخل منزله بالعاصمة كابول ومقتل قيادات اخرى, ونرى ذات المشهد في العراق باستمرار تصفية المعارضين للحكومة العراقية واعتقال الالوف منهم وزجهم في السجون والمعتقلات.
- تعاني الميزانية المالية و المصرفية في افغانستان حاليا نقصا حادا في الاموال و الموارد بسب الفساد الموجود في المؤسسات العسكرية و السياسية و الادارية و المصرفية ، كما هو الحال في العراق الذي يعاني عجزا وتضخما ماليا يقدر بـ 23% من ميزانيته المالية لهذا العام بسب الفساد الذي تعانيه جميع مؤسساته الحكومية.
- نتيجة الاحتلال الامريكي لأفغانستان فانها تحتل المرتبة الرابعة عالميا في الفساد لعام 2014 حسب تقرير منظمة الشفافية العالمية في حين احتل العراق المرتبة الثانية و ان المواطن في البلدين يدفع 20% من دخله الشهري رشاوى لاتمام معاملته في المؤسسات الحكومية.
من هنا نرى ان التجربة الديمقراطية التي ادعت الولايات المتحدة الامريكية انها جاءت بها للعراق وافغانستان اوجدت نظامين سياسيين فاسدين وادارتين فاشلتين واقتصادين هشين وحربين طائفيتين ذهب ضحيتهما الملايين من البشر، وفي الوقت ذاته فشلت الادارة الامريكية في القضاء على الارهاب في البلدين.
والسؤال هنا :”هل سنرى واقعا جديدا على الارض يتمثل بإنهاء الصراع الداخلي بين مكونات الشعبين الافغاني والعراقي، ام سنرى اضمحلال البلدين وتقسيمهما، وانهاء مفهوم الدولة المدنية فيهما؟
مركز الروابط للبحوث و الدراسات الاستراتيجية