نقمة النفط على إيران

نقمة النفط على إيران

632379553

ظهر أوّل بئر للنفط بمدينة مسجد سليمان الأحوازية في أبريل 1908، معلناً بداية عهد النفط في الشرق الأوسط، ليساهم في تغيير الموازنات العسكريّة في الحرب العالميّة الأولى لصالح بريطانيا المهيمنة على الخليج العربي آنذاك، حتى انتهت تلك الحرب وكانت الأحواز أقوى دول المنطقة وفقاً للمؤرخين.

باحتلالها الأحواز العربية، استولت الدولة الفارسية على ثرواتها الهائلة من النفط والغاز لتصبح من أقوى دول المنطقة، إذ عاد عليها نفط الأحواز وغازها الهائل بالخير فعزّزت كيانها، وبنفط الأحواز قارعت إيران العرب، وتحالفت علناً مع بريطانيا، ثم أميركا، فالكيان الصهيوني في عهد الأسرة البهلويّة، وحتى في عهد “الخميني” سرّاً.

في عام 1977، جاء الاعتراف المؤلم لوزير بلاط “محمد رضا بهلوي” بإعلانه الهزيمة أمام السعوديّة، وقال “الرياض تمكنت من الانتصار على إيران بحركة واحدة وهي “كش مات”، وللخروج من الأزمة الاقتصادية علينا تقليص مصاريفنا إلى أدنى المستويات”.

وكانت السعوديّة آنذاك قد وقفت في وجه إيران فأفشلت مخططها لرفع سعر النفط بنسبة 15 بالمئة، ورفعت الرياض صادراتها عام 1977 من ثمانية ملايين برميل يوميا إلى أحد عشر مليونا و800 ألف برميل يوميا، الأمر الذي شلّ اقتصاد الشاه فتوقف مشروعه النووي، وتخلّت عنه الطبقة الوسطى لتتحوّل إلى جموع غفيرة من المحتجين عام 1979، ويسقوط حكم الشاه. لم تتعظ إيران من درس الماضي، فنظام ما بعد الثورة لا يختلف عن نظام الشاه في أطماعه التوسعيّة وتهديد العرب، فواصل بناء المفاعل النووي ومدّ أذرعه في العراق وسوريا واليمن ولبنان وفلسطين، وهدد أمن دول الخليج العربي بدعمه خلاياه الطائفية، مستخدماً بذلك عائدات النفط والغاز الأحوازي لتمويل أذرعه خارج الحدود، فبات الخطر الفارسي يهدد الأمن القومي العربي برمته، وإثر ذلك جاء القرار السعودي مرة أخرى باستخدام سلاح النفط لتأديب الدولة الفارسيّة.

ورغم محاولات طهران المكابرة أمام الأزمة الاقتصادية التي تعيشها، إلا أن الضغوط أخرجت بعض المسؤولين من صمتهم، على غرار إعلان وزير العدل الإيراني مصطفى بور محمّدي بأن نظام طهران يمر بأزمة اقتصادية حادة وقوله أن صادرات طهران من النفط انخفضت إلى أقل من مليون برميل يوميا.

وبعد مرور ستة أشهر من خفض أسعار النفط، بدأ النفوذ الإيراني في الدول العربية يتأثر شيئا فشيئا، إذ أكّد ثوار القلمون بسوريا أن عناصر حزب الله اللبناني الممول من قبل إيران، بدأت مغادرة ساحات القتال إلى جانب بشار الأسد بسبب خفض الأجور، ولاشك أن هذا المثال ينطبق على الحوثيين في اليمن، وعلى الميليشيات الإيرانية في العراق وخلايا إيران في البحرين ودول الخليج.

وإذا كانت القاعدة العسكريّة تنص على أنه لا جدوى للقوات البرية دون غطاء جوي، فالقاعدة التوسعية للدول تفيد بعدم جدوى الأذرع خارج الحدود دون غطاء سياسي ودبلوماسي، وهذا ما ينطبق على طهران التي عجزت آلتها الدبلوماسية عن تحقيق تقدم يذكر لرفع أسعار النفط حتى الآن، بل يتواصل الكابوس الإيراني للخفض المستمر للأسعار حتى أصبحت إيران تصدّر النفط بقيمة 57 دولارا للبرميل الواحد.

لا ريب أن كل هذا يأتي على حساب الخدمات الاجتماعية والمعيشية، ما يجعل منه قنبلة موقوتة مؤهلة للانفجار، وليكون مصير النظام في إيران، هو ذات مصير نظام بهلوي، وبذلك يكون نفط الأحواز المحتلة قد تحول من نعمة إلى نقمة على الدولة الفارسية.

 عباس الكعبي
مركز المزماة للدراسات والبحوث
http://www.almezmaah.com/ar/opinions-view-2387.html