الجيش الصيني هو عامل حيوي في استقرار النظام. وأمين عام الحزب الشيوعي الصيني هو رأس اللجنة العسكرية المركزية. وحين بلوغهم السلطة، درج القادة الصينيون على إعادة تنظيم الجيش من أجل ضمان ولائه من طريق التعيينات والترقيات، أو الإقالة في إطار مكافحة الفساد. ومنذ بدء سياسة الإصلاحات في نهاية السبعينات، برزت إرادة تعزيز الموازنة العسكرية وتحديث الجيش، وهو يؤدي دوراً راجحاً في حفظ الاستقرار الداخلي من طريق شرطة الشعب المسلحة. وشي جينبينغ في السلطة منذ 2012، ويقدم، في خطابه السياسي، صفته قائد القوات المسلحة على غيرها من ألقابه. وهو منح نفسه لقب «القائد الأعلى». وهذه الخطوة تغلب الطابع الشخصي على الحكم. وهو يتولى إدارة شؤون العمليات اليومية.
ويرمي شي جينبينغ من وراء إعادة تنظيم الجيش الى السيطرة السياسية، والى إنشاء مؤسسات تعين جيش التحرير الشعبي على مواصلة التحديث. وبعض أوجه هذه المؤسسة الضخمة والعملاقة ساهم في الفساد وبروز إقطاعات في صفوفه تعوق التحديث. والإصلاح يرمي الى تذليل العوائق هذه.
وأخذ الرئيس الصيني على سلفه، هو جينتاو، قلة المبادرة. وعلى خلافه، بادر شي جينبينغ، الى تشييد جزر صناعية كبيرة، وأرسل منصة نفطية الى جوار فيتنام… وعملية تحديث الجيش الشعبي الصيني مضت قدماً. وتوسعت رقعة عملياته الجغرافية الى الدفاع عن مصالح الصين في الخارج ولم تعد تقتصر على الدفاع عن المصالح السيادية في المناطق الحدودية المتنازعة. وتتربع الصين في المرتبة الثانية من سلم أكبر الموازنات العسكرية الدولية. وفي 1995-1996، في أزمة مضيق تايوان، إثر مناورات صاروخية صينية، كانت موازنة تايوان العسكرية تفوق موازنة الصينيين. واليوم، بعد نحو 20 عاماً، تعاظم التباين بين الموازنتين، وصارت الموازنة الصينية 15 ضعف الموازنة التايوانية. وصارت بكين قوة عسكرية راجحة في المنطقة. وشي جينبينغ، على خلاف أسلافه، يميل الى توسل القوة العسكرية في السياسة الخارجية من دون شن عمليات حربية.
وفي شباط (فبراير) المنصرم، أعلنت الصين بدء عملية تشييد قاعدة عسكرية في جيبوتي. وهذا منعطف استراتيجي. ومسوغ هذه القاعدة مشروع مثل مكافحة القرصنة ودعم عمليات حفظ السلام في أفريقيا. وترى الصين أن حماية مصالحها الاقتصادية في المنطقة تقضي بتشييد هذه القاعدة. وفي وقت ترفع بكين لواء عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، يبدو أن الخطاب الرسمي الصيني يتغير. والبحرية الصينية ناشطة في خليج عدن وفي عمليات ما وراء بحر الصين الجنوبي. والإنتاج الصيني البحري وازن أكثر مما هو عليه إنتاجها المقاتلات الجوية. فهي لم تحز بَعد على أكمل وجه تكنولوجيا صناعة مثل هذه المقاتلات. ولكن عدد الجنرالات المقلدين ثلاث نجمات في جيش التحرير الشعبي في القوات البحرية لا يزيد عن ثلاثة، شأن عددهم في القوات الجوية المسلحة. ويرتفع عددهم في الجيش البري الى أكثر من عشرين.
وثمة جوانب من عملية تحديث جيش التحرير الصيني ترمي الى جبه الاستراتيجية الأميركية في آسيا. فالترسانة النووية هي ركن عملية التحديث هذه. وجعبة الصين خاوية من ردع يعتد به تحت سطح الماء، وهي تشعر أنها ضعيفة في مواجهة المبادرات الأميركية الدفاعية لنشر دروع صاروخية وعمليات المراقبة في بحر الصين الجنوبي. وتبذل الصين موارد كبيرة لتمويل أدوات الحرب غير المتكافئة. ففي أزمة مضيق تايوان في 1995-1996، نظمت حاملتا طائرات أميركية دوريات في المنطقة، في وقت كانت الصين عاجزة عن رد رادع. ومذّاك، تغير الجو السياسي، وتحسنت العلاقات مع تايوان. وذكرى هذه الأزمة لم تطوَ، وجروحها لم تندمل، وهي وراء خيارات عسكرية صينية كثيرة.
وتعاظمت القوات العسكرية الصينية وقوات حرس السواحل. وعلى خلاف حالها في الماضي القريب، حازت وسائل الدفاع عن مصالحها. فهي صارت قادرة على الرد على صيد الفيليبيين والفيتناميين في مياهها. وتدور رحى نزاع استراتيجي مع الولايات المتحدة مداره الردع النووي، ولو كان كلام بكين عن المسألة شحيحاً. فالصين تملك قاعدة غواصات نووية تحمل رؤوساً ذرية في هاينان، جنوب البلاد، في بحر الصين الجنوبي. وترى بكين أن المناورات الأميركية في هذه المياه تحول دون ردع نووي صيني. وهذا البُعد من المشكلة قلما يسلط الضوء عليه، على رغم أنه وازن.
وثمة مقاومة إقليمية للزخم الصيني في بحر الصين الجنوبي. وتطور فيتنام والفيليبين قدراتهما العسكرية من طريق البحث عن حلفاء أو توطيد العلاقات مع أميركا لموازنة النفوذ الصيني. ويسود منطق سباق تسلح خطير، على رغم أن نسبة زيادة الموازنة الدفاعية الصينية أعلى من مجموع النفقات العسكرية الفيتنامية والفيليبينية. ورفع الحظر عن بيع السلاح الى فيتنام هو خطوة رمزية سياسية قوية، ولكن أثرها يكاد لا يذكر قياساً الى بيع روسيا فيتنام غواصة تقليدية من طراز «كيلو»، وهذه الغواصة عامل رادع عملاني.
وتنتهج الشركات الأوروبية سياسة طموحة في البحث عن أسواق تصريف سلعها الحربية في بحر جنوب الصين. وثمة قيود ضخمة على نقل السلاح الى الصين. ويلتزم الاتحاد الأوروبي القانون الدولي في البحر هذا، ويدعو الى حل النزاعات من طريق المفاوضات. وهو انتقل من الدعوة الى الحوار والسلام في المنطقة الى تأييد التحكيم الدولي في الخلافات الحدودية. ويتوقع أن يؤيد الأوروبيون الحكم الدولي، على رغم أن الصين تعارض هذا التحكيم. وقد يقوض الموقف هذا العلاقات الصينية – الأوروبية.
وأجمعت بكين وواشنطن على تجنب الحوادث في بحر الصين الجنوبي وفي الأجواء الصينية. ولكن المفاوضات الصينية مع اليابان تتعثر في ترسيم المنطقة الجغرافية التي على الطرفين التزام حدودها لتجنب التصعيد. وقد يبرم اتفاق تنظيم المرور في بحر الصين الجنوبي بين الصين ودول آسيان (منظمة أمم جنوب شرق آسيا)، إذا لم تحل دونه عسكرة النزاع أو التحكيم الدولي الذي لجأت إليه الفيليبين.