في 17 آذار/ مارس، أعلن «حزب الاتحاد الديمقراطي» عن إنشاء “المجلس التأسيسي للنظام الاتحادي الديمقراطي لروج آفا”، بما في ذلك الإعلان عن قيام نظام ديمقراطي اتحادي في شمال سوريا. وسيساعد تحليل البيان التأسيسي للنظام الفيدرالي الجديد، على تشكيل وبلورة رؤية أفضل تجاه السياسات والأهداف الاستراتيجية لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي»، ودوره في توجيه الخطط السياسية في كردستان سوريا.
في 17 آذار/ مارس، أعلن «حزب الاتحاد الديمقراطي» عن إنشاء “المجلس التأسيسي للنظام الاتحادي الديمقراطي لروج آفا” (“المجلس الديمقراطي الفيدرالي في كردستان سوريا”)، بما في ذلك الإعلان عن قيام نظام ديمقراطي اتحادي في شمال سوريا. وسيساعد تحليل البيان التأسيسي للنظام الفيدرالي الجديد، على تشكيل وبلورة رؤية أفضل تجاه السياسات والأهداف الاستراتيجية لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي»، ودوره في توجيه الخطط السياسية في كردستان سوريا.
ويعرض هذا الإعلان مدخلاً لفهم النشاط الحالي والتطورات المستقبلية للنظام الفيدرالي في شمال سوريا. إن استخدام البيان للمصطلح الجغرافي “شمال سوريا” يوحي بأن هذا الكيان الديمقراطي الجديد يسعى إلى السيطرة على تلك المنطقة بأجمعها من أقصى شرق كانتون عفرين إلى كوباني والجزيرة. كما يشير هذا التعريف الشمولي إلى أن النظام الفيدرالي في كردستان سوريا لا يسعى إلى تمثيل الأكراد في الشمال السوري فحسب، بل أيضاً في بلدة “جرابلس” وغيرها من المناطق التي تشهد صراعاً شديداً في الشمال، حيث تقع تحت سيطرة قوات المعارضة حالياً. كما أتاحت صيغة الإعلان الفرصة لضم محافظة “الرقة” بعد استعادتها من تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش»).
وللوقوف على مدى مصداقية هذا المشروع الديمقراطي الفيدرالي الجديد، ومدى قدرته على لعب دور أساسي في الحياة السياسية، يمكننا الرجوع إلى الأحداث التاريخية بالنقاش والتحليل والتفسير. ومن خلال النظر إلى البيان التأسيسي للمجلس الفيدرالي الجديد، نجد أن النظرية والتاريخ قد لعبا دوراً رئيسياً في تحديد أهداف النظام الجديد وشرعيته، حيث يتم تقديم كل من “سوريا” و”كردستان” ككيانات جغرافية منفصلة، دون وجود أي إشارة إلى “كردستان سوريا”. ويهدف هذا الفصل المقصود بين كلاً من “سوريا” و”كردستان” إلى إظهار كافة الجهود التي تتخذ في سوريا نحو تأسيس نظام فيدرالي على أنها نتيجة للمبادرة الكردية وليس هدية من الحكومة السورية المركزية.
أما بالنسبة للمجتمع الدولي، فيرى البيان أن أولئك الذين مثّلوا المعارضة السورية في محادثات جنيف، يتبنون أيديولوجية ليست ببعيدة عن تلك التي يتبناها تنظيم «الدولة الإسلامية». وهذا بالطبع “ما يجعل من عملية حل المشاكل والقضايا المتعلقة بسوريا أكثر صعوبة”. علاوة على ذلك، فقد ادعى البيان أيضاً، أن تركيا وغيرها من دول المنطقة تدعم الجماعات المتطرفة وتنظمها، مثل: تنظيم «داعش»، و«جبهة النصرة»، و«أحرار الشام»، الذين يقاتلون ضد المصالح الكردية والمواطنين السوريين. كما طالب البيان بضرورة الدفع نحو مجتمع حر يتسم بالعدل ومواجهة ما أسماه “النظام القومي الاستبدادي … والهيمنة الرأسمالية … وعصر الاستهلاك”.
وعلى صعيد آخر أشار البيان إلى الكيفية التي تم بموجبها تقسيم المنطقة من قبل القوى التي انتصرت في الحرب العالمية الأولى، مع انتقاده لما يسمى بـ “الاستعمار الجديد”، الذي يشير إلى الدول القومية التي أنشئت لاسترضاء القوميين العرب وذلك على حساب الأقليات الدينية والعرقية التي تم قمعها نتيجة ترسيم الحدود التي لم تراعي القضايا الدينية والعرقية المتفشية في المنطقة.
وعلى الرغم من التوجه الماركسي العميق الذي احتواه البيان، إلا أنه حاول تجنب إظهار الأيديولوجيات اليسارية، وذلك من خلال تبنيه لمبادئ الثقافة الدينية للمجتمع، مع دحض الإدعاءات التركية والإسلامية التي تروّج بأن نظام «حزب الاتحاد الديمقراطي» مناهضاً للدين. وأظهر الإعلان أيضاً، اهتماماً كبيراً بالثقافة الدينية الإبراهيمية التي تختلف اختلافاً تاماً عن الوثنية. كما أشار إلى أن الجهود التي بذلها الأنبياء، هي التي أدت إلى تطور ونمو القيم المعنوية والأخلاقية في المنطقة.
كما تناول البيان مساءلة هوية البعثيين في العراق وسوريا، والتي أدت إلى تشويه القيم الدينية والماركسية وكان لها الكثير من الآثار السلبية على الدولتين منذ عام 1963. ومن ثم، فإن الابتعاد عن هذا الحزب إن دل على شيء، فإنما يدل على أن العلاقة بين شمال سوريا والنظام البعثي السوري لم تعد كسابق عهدها، وتلك إشارة قوية إلى أن حزب البعث السوري لن يكون قادراً على العودة إلى سياسته السابقة المرتكزة على عدم الاعتراف بالأعراق الأخرى، وعلى الاعتقاد بأن الأكراد لا يستحقون حقوق المواطنة في سوريا.
وعلى أساس هذه الأيديولوجية، يرى البيان أن قيام نظام ديمقراطي فيدرالي في سوريا سيساهم بشكل كبير في تخطي الأزمة التي يمر بها الشرق الأوسط، ومنع المزيد من الانقسامات في المنطقة، كما أشار نص الإعلان إلى أن عصر الدولة القومية قد انتهى، وعوضاً عن ذلك، دعا إلى قيام نظام ديمقراطي لا مركزي داخل مجتمع سوري يؤمن بالديمقراطية. ووفقاً لهذا النموذج، يجب على الدولة السورية وأنظمتها الاجتماعية، أن تلتزم بإعادة بناء وتجديد القواعد السياسية، والقانونية، والدفاعية، والأيديولوجية، والاقتصادية في البلاد، وذلك وفقاً للقيم الديمقراطية، بدلاً من القيم الطائفية.
ونتيجة لذلك، يدعو الإعلان أيضاً، إلى اعتماد “معاهدة ديمقراطية اجتماعية” بين جميع الشعوب والفئات التي تقطن “شمال سوريا”. وعلى نقيض فكرة التقسيم التي يتم الترويج لها حالياً، تُطرح هنا ديمقراطية فيدرالية، على أنها الخيار الوحيد الناجح لسوريا، والذي من شأنه أن يساعد في تحقيق الاكتفاء الذاتي بين المكونات السورية المتعددة من العرب والأكراد، والآشوريين، والتركمان، والشركس، والمسلمين، والمسيحيين، والدروز، والعلويين، واليزيديين، وأعداد كبيرة من الجماعات العرقية والدينية الأخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن قيام نظام ديمقراطي فيدرالي في كردستان السورية، يهدف أساساً إلى إعداد نظام اتحادي قائم على “تسوية إدارية اجتماعية – سياسية جديدة”. إلا أن هذا يعنى في الواقع، أن الحكومة الجديدة ستولي اهتماماً قليلاً ببعض القضايا، مثل: الروابط التاريخية، والتنوع، والحدود الجغرافية. وهذا بالطبع لا يتفق مع النظام الفيدرالي. كما يتناقض هذا النظام الجديد أيضاً، مع النموذج الكردستاني العراقي الذي يستند إلى الجغرافيا والتاريخ، بدلاً من الحدود الإدارية البحتة.
بناءً على الأفكار الواردة في بيان وثيقة التأسيس، يهدف النظام الديمقراطي الاتحادي إلى توفير الحقوق والحريات الأساسية، وتحقيق العدالة الاجتماعية لجميع مكونات المجتمع السوري، عبر التوزيع العادل للأراضي، والمياه، ومصادر الطاقة بين السوريين، وعبر إنشاء هيكل ديمقراطي جديد يحل محل الدولة المفككة. وعلى وجه الخصوص، يؤكد النظام في الشمال السوري على التمسك بحرية المرأة والمساواة بين الجنسين، ويظهر أيضاً الاعتقاد بأن النظام سوف يكون قادراً على ضمان الانتقال السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة. بالإضافة إلى ذلك، يرى هذا النظام الجديد أن تنفيذ الفيدرالية الديمقراطية في سوريا، هو شرط مسبق لتحقيق الوحدة السورية. وهي رؤية تتسم بالتفاؤل الشديد، مما يشير إلى أن باستطاعة هذا النظام اجتياز الحدود القومية للدول الفاشلة، وبالتالي المساهمة في تحقيق فيدرالية ديمقراطية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
لقد برز إعلان النظام الديمقراطي في كردستان السورية، استناداً على الحقائق الجغرافية والسياسية المتعلقة بالقضية الكردية التي استمرت في النمو في منطقة تمزقها الصراعات. والآن، يبقى أن نرى ما إذا كان المجتمع الدولي والولايات المتحدة سيقبلون بشرعية تلك الديمقراطية الوليدة في الشرق الأوسط، خاصة في ضوء الاستجابات المتأخرة لمحاولات مماثلة تدعو للإصلاح من قبل بعض البلدان في بدايات ما يسمى بـ “الربيع العربي”. ومع ذلك، لا تتمكن هذه الكيانات من الاستمرار في العمل بالمنطقة، دون أن تكون لديها رؤية واضحة في موقفها بشأن شمال سوريا. فالولايات المتحدة بين خيارين: إما أن تترك «وحدات حماية الشعب» و «حزب الاتحاد الديمقراطي» يواجهون الضغوط من جانب “حزب البعث” في سوريا، ومن جانب المتطرفين، وتركيا، ووكلاء الخليج العربي، والأكثر من ذلك، أن تتخلى عنهم في نهاية المطاف، لتتركهم في مواجهة الخطر الروسي والإيراني معاً. أو بإمكان الولايات المتحدة، بمساهمة الاتحاد الأوروبي، اتخاذ خطوات نحو التعاون مع هذا الكيان الديمقراطي، وبالتالي، سحب البساط من تحت أقدام تركيا وروسيا وإيران.
فرزند شيركو
معهد واشنطن