توحي الحملة الهادفة إلى إغلاق مقرات الأحزاب الشيعية في عدد من المحافظات الجنوبية بأن المواطن العراقي الغاضب لم يعد يقبل بأنصاف الحلول، وأنه من الصعب القيام بإصلاحات في ظل سيطرة هذه الأحزاب الدينية على الحكومة.
ويسود اعتقاد بأن حملة “مغلق بأمر الشعب” هي امتداد لمعركة لي ذراع طويلة المدى بين التيار الصدري والأحزاب الشيعية المنافسة، وأنها بمثابة هجوم استباقي من التيار على الميليشيات التي قد تكون تخطط للهجوم عليه مباشرة بعد تحقيق “النصر” في معركة الفلوجة، وهو ما يفتح الباب واسعا أمام حرب أهلية بأياد شيعية – شيعية.
هاجم متظاهرون عراقيون مقرات الأحزاب في محافظات ذات الأغلبية الشيعية وهي البصرة والنجف وكربلاء والمثنى وذي قار وميسان، بينها مكاتب حزب الدعوة بزعامة نوري المالكي وحطموا الصور الخاصة به، و”المجلس الأعلى” بزعامة عمار الحكيم، و”تيار الإصلاح الوطني” بزعامة وزير الخارجية إبراهيم الجعفري، احتجاجا على تأخر تنفيذ الإصلاحات.
ورفع المتظاهرون لافتات تحمل شعارات مناهضة للمحاصصة الحزبية وأخرى تطالب بمحاربة الفساد والبدء بتنفيذ الإصلاحات، وهي شعارات دأب على رفعها أنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في الأشهر الأخيرة.
وتعهد رئيس الوزراء حيدر العبادي، بالتصدي بـ”قوة وحزم” للمتظاهرين.
ووصف نوري المالكي من يعتدي على مكاتب “الدعوة” بأنهم “عصابات الحرس الجمهوري وفدائيو صدام”.
واعتبر عمار الحكيم تكسير مقرات “المجاهدين واتهام المخلصين بالسرقة خطوات تؤدي إلى الفساد لا الإصلاح”.
وكانت حملة إغلاق المقرات الحزبية قد انطلقت الأربعاء من خلال هجوم قاده قرابة عشرين شخصا على مكتب كتلة الأحرار (الصدرية) في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، وهو ما رد عليه الصدر بتهديد مبطن بأن حملة الإغلاق ستستهدف الأحزاب المنافسة.
وقال مراقبون إن استهداف الحملة لمختلف مقرات الأحزاب، بما في ذلك مقرات التيار الصدري دليل على أن الشعب ضاق ذرعا بالجميع، ولم يعد يصدق أحدا.
وأشاروا إلى أن الحملة تظهر المأزق الحقيقي الذي بلغه النظام القائم في العراق وطبقته الحاكمة، والذي لم تنفع معه محاولة صرف الأنظار عن الأزمة الداخلية نحو حرب ضارية في الفلوجة.
وكان زعماء الكتل السياسية الشيعية المنضوية في إطار التحالف الوطني الحاكم ومنهم نوري المالكي يأملون في أن تكون معركة الفلوجة بمثابة سد يحتمون وراءه بعيدا عن الاحتجاجات التي تسود الشارع الشيعي، مطالبة بإقرار الإصلاح والإسراع في إجراءاته.
وقال مراقب سياسي عراقي لـ”العرب” إن الهدف الرئيس من وراء معركة الفلوجة، والسعي إلى إطالتها ما أمكن من خلال إثارة دور الحشد الشعبي، “هو العمل على تأجيل قيام صراع شيعي ــ شيعي مسلح إذا لم يكن في الإمكان منعه تماما”.
وأسبغ زعماء الميليشيات في الحشد الشعبي على معركة الفلوجة طابعا طائفيا سعيا منهم لتوجيه الرأي العام والأنظار والشعارات المرفوعة في مدن الجنوب العراقي، ذات الأغلبية الشيعية في اتجاه الشعور بالخطر السني القادم من المناطق التي يسيطر عليها داعش.
وبدا الطابع الطائفي لمعركة الفلوجة مقصودا لذاته، ولم تكن التصريحات الطائفية التي سبقت القتال موجهة إلى السنة من سكان المناطق التي ستكون ساحة للقصف، بقدر ما انطوت على إشارات موجهة إلى الشيعة الغاضبين من أداء الحكومة بأحزابها التي تتقاسم غنائم السلطة.
وتهدف تلك الإشارات إلى امتصاص حالة النقمة والغضب والاستياء التي اتخذ منها مقتدى الصدر ذريعة في محاولته الانتقام من خصومه في الائتلاف الشيعي.
ويبدو أن محاولات تغيير وجهة المعركة قد فشلت بطريقة يمكن أن تؤدي إلى انتكاسة عسكرية في الفلوجة، الأمر الذي قد يدفع الأحزاب الحاكمة إلى إجراء اضطراري بسحب قطعات من الحشد الشعبي في الفلوجة لحماية مقراتها التي تتعرض للهجوم.
وقد تتخذ أحزاب التحالف الشيعي من انتكاسة يصاب بها الجيش النظامي في الفلوجة مناسبة لتحميل التيار الصدري أعباء تلك الخسارة، بسبب استمراره في إشعال الجبهة الداخلية وإصراره على الفصل بين ما يجري على جبهات القتال ومطالبات الإصلاح.
وحذر المراقب من أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمنع التظاهر والحد من وصول المتظاهرين إلى أماكن التجمع قد يدفع المتظاهرين إلى ممارسة العنف في الأماكن التي استطاعوا أن يصلوا إليها “فلم يكن أمامهم سوى مهاجمة مقرات حزب الدعوة، بالرغم من أن المدن التي شهدت تلك الهجمات لم تكن معادية تماما للحزب المذكور، بل إن بعضا منها كان يعتبر مواليا له”.
وختم المراقب العراقي بالتأكيد على أن ما فعله التيار الصدري من حملات لغلق مقرات الخصوم هو بمثابة هجوم استباقي في حرب أهلية، يخشى أن يكون أفراده حطبا لها، لافتا إلى أن هذه هي الحرب التي يتوقع الكثيرون أن يشنها الحشد الشعبي على المناهضين لتحالف الأحزاب الحاكمة بعد حسم معركة الفلوجة.
صحيفة العرب اللندنية