عندما كان الجيش الأمريكي على وشك احتلال العراق لإسقاط صدام حسين، أخبر الميجور جينيرال ديفيد بيتريوس مراسلًا حينها: “أخبرني كيف سينتهي هذا“. أحد عشر عامًا، مئات مليارات الدولارات، وآلاف الجنود مجددًا في العراق لقتال عدو مختلف. ولكن الأسئلة نفسها تطرح من جديد.
سحب الرئيس أوباما للقوات الأمريكية في 2011 بعد الفشل بتحقيق اتفاقية أمنية مع العراق، لم يتم بطلب أوباما 3100 جندي للمساعدة بتدريب الجيش العراقي على هزيمة الدولة الإسلامية، المعروفة أيضًا بداعش. ولكن حتى لو هزمت أمريكا والقوات العراقية المجموعة المسلحة، مانعة تقسيم العراق على خطوط دينية وطائفية قد يتطلب وجودًا طويل الأمد للقوات الأمريكية، كما يقول مسؤولون رسميون أمريكيون سابقون ومحللون بشؤون الدفاع.
السفير السابق في العراق خلال الأعوام 2010 – 2012 جايمس جيفري، قال: “لا تستطيع تحقيق هدف العراق المستقر وهزيمة داعش الدائمة بدون وجود طويل الأمد للأمريكيين. حتى لو وعدوا وعودًا كبيرة، فقط بوجودنا يمكن أن يحصل الكرد والسنة على حصة من بغداد التي يهيمن عليها الشيعة، وإيران بطريقة غير مباشرة“.
جيفري، قال إن التحركات لإنشاء قوة حفظ سلام أو مراقبة يجب أن تقودها الولايات المتحدة، ولكن تدعمها القوة العسكرية الأمريكية. هذا يعني قوة أمريكية خجولة تخطط للبقية في العراق وأخيرًا في سوريا، عندما تهزم داعش، بحسب قوله.
أكثر من 2000 جندي أمريكي يساعدون على إعادة تدريب الجيش العراقي لمضاهاة الدولة الإسلامية على الأرض، حتى مع قيام الطائرات بدون الطيار والمقاتلات الأمريكية بمئات الضربات الجوية، محققة بعض النجاحات الباكرة بإيقاف تقدم مسلحي التنظيم.
هجوم أرضي كبير ضد التنظيم المسلح لن يبدأ قبل بضعة شهور. لكن الخبراء يقولون إنه لتجنب تكرار الانسحاب الأمريكي في 2011، الذي سمح لإيران بأن تصبح قوة مهيمنة، مهمشة السنة ومؤدية لميلاد الدولة الإسلامية، فإن الوقت الآن لتخطيط ما سيحصل بعد هزيمة التنظظيم أو احتوائه بشكل كاف. أحد الخيارات المقنعة هو قوة دولية تستطيع الحفاظ على سلام المناطق الكردية والسنية والشيعية، وتمنع انقسام العراق بخطوط عرقية ودينية.
كبداية، ربما سمح أوباما للجنود الأمريكيين بقتال الدولة الإسلامية مع البيشمركة الأكراد والقبائل السنية، بجانب إعطاء هذه المجموعات “بعض الضمانات أننا سنبقى هناك للأمد البعيد“، كما يقول جيفري، الذي يعمل الآن كباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.
حتى لو التزمت القبائل السنية والأكراد بشكل كامل لإسقاط الدولة الإسلامية، حالما ينتهي القتال مع المسلحين “الأكراد والسنة سيعودون لنفس الوضع السابق: الأكراد يريدون الاستقلال والسنة قد يصنعون قضية مشتركة مع التنظيم الجهادي القادم“، بحسب جيفري.
تملك الولايات المتحدة 2140 جنديًا في العراق من أصل 3100 سمح لهم أوباما، بحسب الكولونيل ستيفن وارن، الناطق باسم البنتاغون. بقية هذه القوات ستتوجه للعراق خلال الأسابيع القادمة.
ما يقارب 800 جندي هناك لحماية السفارة الأمريكية في بغداد والأفراد الأمريكيين الآخرين، بينما البقية لتدريب القوات العراقية، بحسب وارين. مجموعة من 320 فردًا من المارينز موجودة في قاعدة الأسد في محافظة الأنبار -إحدى المناطق القوية للدولة الإسلامية- ويواجهون تقريبًا إطلاق نار يومي من المجموعة المسلحة، بحسب ما أخبر وارن المراسلين في 5 كانون الثاني.
كثير من القبائل السنية التي تحاول أمريكا الآن خطب ودها لقتال داعش كانت أساسية فيما كان يسمى “الصحوات” التي ساعدت أمريكا على هزيمة القاعدة في 2006. القبائل لاحقًا انقلبت على رئيس وزراء العراق حينها نوري المالكي -الشيعي- الذي رفض الدفع للمقاتلين أو احتواءهم في الجيش العراقي الحالي بعد انتهاء العنف، مهيئًا الظروف لظهور الدولة الإسلامية.
بينما التزم رئيس وزراء العراق الحالي حيدر العبادي -الشيعي المقرب من إيران- علنًا بإدارة حكومة شاملة، إلا أنه في اللقاءات الخاصة بدا متشككًا بالثقة بقادة العشائر السنية، بحسب مسؤولين أمريكيين وأوروبيين.
حتى لو هزم التنظيم المسلح، أو أضعف وحسب، التأثير الناتج سيكون محدودًا “ما لم تستطع الولايات المتحدة العمل مع الفصائل في العراق وحلفائها لإنشاء بنية مستقرة للتعاون بين الشيعة العرب، والسنة العرب، والكرد، بحسب أندوني كوردزمان، مدرس الأمن الوطني في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في إيميل له، مضيفًا “من البعيد أن هذا محتل قريبًا“.
ولكنّ تعاونًا سياسيًا بين المجموعات المختلفة أساسي لمنع “الحراك الإسلامي الألفي القادم من الحصول على موطئ قدم“، بحسب ما كتب جيفري في مقالة نهاية كانون الثاني على موقع معهد واشنطن.
بالرغم من العراق سمح ببعض الحكم الذاتي للأكراد في الشمال، ترك السنة يتمتعون بحريات مشابهة في المناطق السنية العربية للبلاد “سيتطلب تغيرًا ثقافية وضمانات دولية وقوة مراقبة خارجية“، بحسب مقالة جيفري.
المسؤولون الأمريكيون في الجيش والخارجية قالوا إنه لا يوجد الآن نقاشات حول قوة حفظ سلام أو مراقبة كهذه الآن.
إدارة أوباما قالت ذلك بينما يشارك ما يقارب الـ60 دولة في التحالف ضد الدولة الإسلامية، بينها بعض الدول العربية، مثل مصر والسعودية والأردن والإمارات والكويت.
بالرغم من أن الدول العربية في التحالف تنظر في الغالب على الدولة الإسلامية السنية كتهديد لوجودها الخاص، فهي أيضًا “لا زالت لا تثق بعمق بالحكومة العراقية المركزية التي يهيمن عليها الشيعة، وهذا يؤدي لدفعها نحو أحضان إيران“، القوة الشيعية في المنطقة، بحسب كوردزمان. قوة دولية لحفظ السلام مدعومة من الأمم المتحدة ليست أمرًا جديدًا.
الجسم الدولي قام بجهد كهذا في السابق، مع مهمة الأمم المتحدة في كوسوفو في 1999. مجلس الأمن في حزيران 1999 سمح للناتو بوضع 50 ألف جندي بعد نهاية الحرب لإيقاف انتهاكات حقوق الإنسان الصربية والصراعات بين جيش تحرير كوسوفو والقوات اليوغوسلافية. ما يقارب 4500 جندي من 30 دولة لا زالوا في كوسوفو لحفظ السلام.
بعكس البلقان في نهاية التسعينيات، الوجود طويل الأمد للجنود الأمريكيين في العراق قد يؤدي لردة فعل، كما قال نيكولاس هيراس، الباحث في مركز الأمن الأمريكي الجديد.
دور لأمريكا “في قوة حفظ سلام كهذه قد يكون مثيرًا للجدل بدرجة عالية، مراعيًا الثقل الذي تملكه أمريكا في منطقة الشرق الأوسط والغضب في المنطقة تجاه احتلال أمريكا للعراق من العقد الأخير”، بحسب هيراس.
قوة استقرار كهذه قد تكون أكثر منطقية في سوريا، تعمل “كضامن للأمن في حقبة ما بعد الأسد الانتقالية“، كما قال هيراس. هناك قوة متعددة الجنسيات يمكن أن تراقب “إزالة الأسلحة، وتسريح الجنود، وتقسيم المسلحين، ومنع عودة داعش لشمال وشرق سوريا، عندما تزال داعش من هذه المناطق“، كما يقول هاريس.
لكن، سياسة أوباما تجاه سوريا لا تزال متفككة لدرجة أضعفت قوات الثوار المعتدلة وحصل المتطرفون على اليد العليا. لا توجد قوة حفظ سلام قادرة على السيطرة على الضغوطات المتصارعة وليس هناك “طريقة واضحة يمكن حتى الآن أن تتوقع، بأقل خسائر ممكنة، كيف ستنتهي هذه الصراعات المختلفة“، كما قال كوردزمان.
فورين بوليسي – التقرير
http://goo.gl/a84gIB