قفزة هيلاري توقظ الأحلام المؤجلة

قفزة هيلاري توقظ الأحلام المؤجلة

WASHINGTON, DC - JUNE 01:  U.S. Secretary of State Hillary Clinton answers a reporter's question during a joint news conference with Brazilian Foreign Minister Antonio Patriota at the Department of State June 1, 2011 in Washington, DC. The two leaders discussed the trade inbalance between the two countries and plans for the possible visit by Brazilian President Dilma Rousseff to the United States.  (Photo by Chip Somodevilla/Getty Images)
لم يبالغ الإعلام الأمريكي عندما اعتبر، وبصورة جماعية، بأن المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون قد «صنعت تاريخاً» كأول سيدة تضمن ترشيح أحد الحزبين الكبيرين لخوض انتخابات الرئاسة. تستحضر هذه اللحظة التاريخية مقولة رائد الفضاء الأمريكي نيل ارمسترونج أول من وطأت قدماه القمر: «إنها خطوة صغيرة لإنسان ولكنها قفزة كبيرة للبشرية».
بطبيعة الحال لن تكسب البشرية شيئاً بترشيح هيلاري. ولكن المؤكد أن المرأة الأمريكية قد كسبت الكثير بهذا التتويج لكفاحها الطويل من أجل المساواة مع الرجل على صعيد تولي المناصب العامة بما فيها الرئاسة. في الولايات المتحدة ظل هذا المنصب الرفيع حكراً على الرجال خلافاً لدول في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، بعضاً أقل منها ديمقراطية وتقدماً. ويقولون دائماً إن الرئاسة في أمريكا هي نادي الرجال البيض فقط. الاستثناء الوحيدي كان أوباما وهو أول أسود يقتحم هذا التجمع الذكوري الأبيض. بينما تسعى هيلاري لتكون الاستثناء الثاني كأول رئيسة في تاريخ الولايات المتحدة.
وقد وضعها إنجازها غير المسبوق على بداية هذا الطريق. كما أحيا آمال وأحلام بنات جنسها في اقتناص المزيد من الحقوق. في الوقت ذاته أعاد نجاح هيلاري التذكير بالواقع الذي تعيشه المرأة الأمريكية. وما تعتبره مظالم لم تستطع رفعها رغم كل ما حققته من تقدم، وما أحرزته من حقوق يصونها القانون. قد يكون الحديث عن مظالم نسائية أو نوع من عدم المساواة بين الجنسين أمراً مستغرباً بالنسبة للكثيرين خارج الولايات المتحدة. ولكنها الحقيقة التي لا يجسدها فقط التفاوت في الأجور بين الجنسين في القطاع الخاص، ولكن أيضاً مستوى تمثيل المرأة في المناصب سواء بالتعيين أو الانتخاب.

ولمركز «أمريكيات في العمل السياسي» التابع لجامعة روتجرز الكثير من الدراسات والإحصائيات التي تدلل على ضعف تمثيل المرأة في المناصب السياسية العامة. وعلى الرغم من أن السيدات والفتيات يمثلن 60% تقريباً من حملة الشهادات العليا فوق الجامعية والمقيدين في الجامعات والمدارس، فإن عدد المناصب المهمة التي تشغلها سيدات لا يعكس هذه التفوق الدراسي. وهناك مؤسسات حساسة لم تتول قيادتها سيدة قط مثل المخابرات ومكتب التحقيقات الفيدرالي والمحكمة العليا ووزارة الدفاع.

في القطاع المصرفي وهو من أماكن العمل المجزية والمميزة لم ترأس سيدة أياً من البنوك الأربعة الكبرى في الولايات المتحدة، كما أن مجالس إداراتها ذات أغلبية ذكورية كاسحة. البنك الوحيد الذي تولت رئاسته سيدة هو «كي كورب» وترتيبه رقم 22 بين المصارف الأمريكية وكان هذا عام 2001.

على المستوى السياسي تبدو الفجوة الجنسية أكثر وضوحاً. وإذا كان تمثيل المرأة بالتعيين يبدو معقولاً، إلا أن حضورها في المناصب التي يتم انتخاب شاغليها أقل بكثير من طموحاتها. وعلى سبيل المثال فإن الكونغرس الحالي بمجلسيه يضم 104 سيدات فقط من عدد الأعضاء البالغ 535 عضواً بنسبة 19,4%. منهن 84 سيدة في مجلس النواب من 435 عضواً و20 فقط في مجلس الشيوخ المكون من مئة عضو.

ولا يبدو الوضع أفضل كثيراً في المجالس التشريعية في الولايات الخمسين والتي تضم 1815 سيدة من إجمالي عدد الأعضاء البالغ 7383 عضواً بنسبة 24.6%. ولا يوجد سوى 19 سيدة تشغل منصب العمودية في أكبر مئة مدينة أمريكية.

بالطبع لن يغير فوز هيلاري بترشيح الحزب الديمقراطي أو حتى فوزها بالرئاسة بعد ذلك من هذا الوضع على الأقل في المدى القريب. لكن المؤكد أن ما حققته تلك المرأة بإرادتها الفولاذية يعطي قوة دفع مادية ومعنوية كبيرة لبنات جنسها. ويدعم نضالهن من أجل المزيد من الحقوق والمناصب السياسية.

وقد يكون بوسع الرئيسة هيلاري كلينتون تعيين عدد أكبر من النساء في إدارتها، ولكن ليس بوسعها إجبار الناخبين على تغيير مواقفهم والتصويت لمزيد من النساء. ذلك أن المجتمع الأمريكي المحافظ قد يكون مستعداً في وقت ما لانتخاب سيدة أو مواطن أسود في منصب الرئاسة، إلا أن طبيعته الذكورية البيضاء تبقى مهيمنة بعد ذلك وهي التي تتحكم في توجهه في نهاية المطاف.

عصام عبدالخالق

صحيفة الخليج