أكثر من أربعة عقود مضت على الثورة الإيرانية، التي كان من أبرز شعاراتها مجتمع بأقل قدر من الأزمات الاجتماعية، لاستمالة الشباب الذي كان يئن تحت وطأة سياسة الشاه.
لكن هذا الجيل الذي انقاد وراء هذا الشعار لم يكن يعلم أنه بذلك يسير لأبنائه وللجيل الصاعد بعده أمراضا اجتماعية أكثر وأشدّ خطورة تحت وطأة عقد الولي الفقيه.
ليست هناك قائمة أو مؤشر عن أزمة اجتماعية ما إلا وتصدّرت إيران المراتب الأولى فيها، ففي بلاد الولي الفقيه فاحش الثراء يعيش حوالي 90 بالمئة من الإيرانيين تحت خطّ الفقر، وعدد العاطلين يتجاوز 3 ملايين ونصف المليون عاطل عن العمل. ويصنف الإدمان على المخدرات ضمن أعقد وأبرز المشاكل التي تواجه المجتمع الإيراني، ويضعه الكثير من الباحثين في المرتبة الثانية من بين الأمراض الاجتماعية الأشد وطأة في إيران.
وفي تقرير قدمه وزير الداخلية الإيراني عبدالرضا رحماني فضلي، أمام مجلس الشورى (البرلمان) عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي والمعيشي المأساوي الذي يعيشه المواطنون الإيرانيون، جاء أن أكثر من مليون ونصف المليون إيراني مدمن على المخدرات، وأن الكثير من السجناء يقبعون في السجن بسبب المخدرات. وقال فضلي إن 50 بالمئة من ظاهرة الطلاق تعود إلى عامل الإدمان أيضا؛ فيما بيّن أن 36 بالمئة من الزيجات تؤدي إلى الطلاق بسبب المشاكل الاجتماعية، ومنها الفقر والبطالة والإدمان.
وقال إن هناك مليونين ونصف المليون امرأة معيلة لأسرهن، في بلد يعتبر المرأة مواطن درجة ثالثة. وساهمت محاولة تغيير المناهج التعليمية وفق مبادئ الثورة الإسلامية بغاية “الارتقاء بالمستوى الديني والأخلاقي للطلبة” في تقهقر مستواهم أكثر.
ومن الطبيعي أن تعود كل هذه الأمراض الاجتماعية بالسلب على التركيبة النفسية للشباب الإيراني، خصوصا في عصر مواقع التواصل الاجتماعي والانفتاح “الخفي” لشباب إيران على عالم خارجي مختلف تماما عن الوضع داخل البلاد.
وأمام هذا الضغط والازدواجية في التعامل، وفيما يتحدّث العالم عن المليارات التي تتجاوز التسعين التي يملكها المرشد الأعلى والثروة التي يحتكم عليها الحرس الثوري، والأموال الطائلة التي تصرف لتمويل الأذرع الإيرانية في الخارج، فيما الشعب في الداخل يئن تحت وطأة الفاقة، لم تجد نسبة كبيرة من هذا الشباب سوى الانتحار.
وفيما قدّرت منظمة الطب القانونية الإيرانية أن 4020 إيرانيا انتحروا في عام 2015، يعتبر بعض الخبراء أن هذه الأرقام غير صحيحة، خصوصا مع وجود تشكيكات في ما تعرضه السلطات الإيرانية من إحصائيات مختلفة. وما يزيد الأمر تعقيدا انخفاض سنّ الانتحار.
وينقل موقع “إيران واير”، قصة مجموعة من الطلاب المراهقين منهم طالب في السادسة عشرة من عمره في ثانوية فرزانيجان التقط صورة مع زملائه وأستاذه بعد امتحان الأدب، ولم يكن أحد يتوقع أنه سوف يجده جثة هامدة بعد بضع دقائق. بعد التقاط الصورة، استأذن الطالب للذهاب إلى الحمام. وبعد فترة وجيزة، وُجد مشنوقا. وخلال العام الماضي اختار عدد متزايد من الطلاب وضع حد لحياتهم.
ويعتبر الطبيب النفسي رضا يزداني أن الزيادة في حالات الانتحار بين الشباب هي أحد أعراض المجتمع المكتئب وغير الصحي. وأضاف، في تصريحاته التي نقلها “إيران واير”، أن “المجتمع مريض عندما ينتهي الأطفال والمراهقون إلى الاعتقاد بأن الحياة غير مجدية ويختارون الموت”.
ونبّه الطبيب إلى أن المشاجرات العائلية والصعوبات المالية هي من أبرز العوامل المساهمة في تفاقم الظاهرة، مسلطا الضوء على أن حالة الاكتئاب تعتبر حالة عامة في إيران، وقال “يمكن للوالدين المكتئبين خلق مناخ يتسبب في اكتئاب أولادهما. وتُظهر الدراسات أن معدل الاكتئاب في إيران في ارتفاع”.
تقول عالمة الاجتماع زهراء يوسفي إن العنف أصبح عاديا جدا في المجتمع الإيراني. وتضيف “من خلال تنفيذ السلطات لأحكام الإعدام علنا فهي تعلّم الناس كيف يفعلون ذلك، لكنهم يجهلون حقيقة أن العنف يولد العنف. قلنا هذا مرارا وتكرارا لسنوات. يبدو أننا نتحدث إلى أنفسنا لأن السلطات لا يختلف معها الأمر”
صحيفة العرب اللندنية