الذئاب المنفردة.. تحدّ أمني يقلق استخبارات العالم

الذئاب المنفردة.. تحدّ أمني يقلق استخبارات العالم

501

“الذئاب المنفردة” هم أشخاص يقومون بهجمات بشكل منفرد دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما، كما يطلق هذا الوصف أيضا على هجمات فردية تنفذها مجموعات صغيرة من شخصين إلى خمسة كحد أقصى.

وقد تتبنى هذا النوع من الهجماتِ المنفردة جماعاتٌ مسلحة من بينها تنظيم الدولة الإسلامية، مثلما حصل في تبنيه لهجوم باردو في تونس وهجوم أورلاندو في أميركا.

دلالة المفهوم
بالعودة إلى أصول تسمية “الذئاب المنفردة” يظهر أنها غير مرتبطة فقط بـ”الجماعات الجهادية الإسلامية”، فهي تعبر عن أي شخص يمكن أن يشن هجوما مسلحا بدوافع عقائدية أو اجتماعية أو نفسية أو مرضية أو سياسية، كما فعل اليميني المتطرف أندريه بريفيك في النرويج 2011 حين قتل العشرات احتجاجا على سياسة بلاده في مسألة هجرة الأجانب إليها.

ويقول الخبراء الأمنيون إن المقصود بهذا المصطلح الاستخباري هم الأفراد الذين ينفذون عمليات قتل بشكل انفرادي دون وجود بنية تنظيمية توجهها وتخطط لها، أو يتحركون بتأثير من دعاية تنظيم ما ولكنهم ليسوا مكلفين بهذه المهمة من قبل قيادته بأي طريقة. وغالبا ما يكون هؤلاء أشخاصا عاديين لا يثيرون ريبة في حركاتهم وسلوكهم.

ومن أشكال العمليات التي يمكن أن تقوم بها “الذئاب المنفردة”: زرع قنابل ذاتية الصنع في أماكن مختلفة وتفجيرها عن بعد، أو شن هجوم فردي بسلاح يمكن أن يصنع في البيوت أو يُشترى بشكل قانوني، أو تجنيد شخص داخل جهاز حكومي في دولة ما لتنفيذ عملية أمنية نوعية بتخطيط وتمويل ذاتي وبسرية تامة.

و”الذئاب المنفردة” يكون عملها فرديا في الغالب، إذ ينفذ أحدها عادة عملية واحدة ثم يختفي ولا يكون له أي سجل أمني أو تـُعرف له سابقا تصرفاتٌ أو آراء “متطرفة”. وإذا كانت خلية فإن عددها لا يزيد على خمسة أفراد يتعاملون بأسماء حركية وليس بأسمائهم الصحيحة، وإذا ما قاموا بإحدى عملياتهم فإنهم يركنون إلى السكون والاختفاء مجددا.

معضلة أمنية
يرى خبراء أمنيون أن الأشخاص الذين يتصرفون بطريقة فردية على شاكلة “الذئاب المنفردة” يمثلون خطرا أكبر من التنظيمات المعروفة مثل تنظيم الدولة أو تنظيم القاعدة والتنظيمات المتفرّعة عنه. ويتوقعون أن يصبح هذا “التكتيك” الجديد -الذي لا يمكن التنبؤ بحدوثه من أقوى الأجهزة الأمنية كفاءة فنيا وبشريا- أكثرَ بروزا في المستقبل.

وفي عام 2015 وصفت صحيفة واشنطن بوست الأميركية ظاهرة “الذئاب المنفردة” بـ”الكابوس الجديد”، بينما قالت صحيفة ديلي تليغراف البريطانية إن منع “الذئاب المنفردة” من ارتكاب “أعمال إرهابية” يمثل التحدي الأكبر للأجهزة الأمنية في العالم ولا سيما الغرب.

ويؤكد المحلل العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن هجمات “الذئاب المنفردة” المنفذة منذ عام 2014 تشكل “أغلبية العمليات الفتاكة الكبيرة في الغرب المعاصر، وإلى حد ما في روسيا أيضا”.

وتعود الخطورة في ظاهرة “الذئاب المنفردة” إلى أن الأجهزة الأمنية في أي دولة تتدرب عادة على سبل مراقبة وإحباط العمليات التي قد تنفذها هيئة منظمة لها قيادة تخطط ومجندون ينفذون، ولها بصمة واضحة تـُعْرف بها وتساعد في مراقبتها إن تحركت والوصول إليها إن نفذت، كما يمكن ردعها بضرب قواعدها وقيادتها وممتلكاتها.

أما في حالة العمليات التي تقوم بها “الذئاب المنفردة” فإن أجهزة الأمن تفقد المعلومات الكافية التي تمنحها السيطرة والتحكم في مجريات العمليات والمسارعة بإحباطها، لأنها في مواجهة عمليات فردية لا تستطيع توقع أين وكيف ستحصل؟ وليس لديها سجل معلوماتي عن منفذيها، ولا طرف خيط كفيل بإحباط ما سيأتي منها في قادم الأيام لأن المخطط لكل عملية هو منفذها.

خصائص ونماذج
تقول صحيفة واشنطن بوست الأميركية إن هناك نوعين من “الذئاب المنفردة” هما “المجنون” و”الشرير”، وتستشهد الصحيفة على ذلك بالطبيب النفسي الأميركي نضال حسن الذي أطلق النار في قاعدة “فور هود” العسكرية وقتل 13 عسكريا عام 2009، ورفض الاعتراف بأنه “مذنب”.

وفي المقابل تتحدث الصحيفة عن المهاجر الإيراني مان هارون مونيس الذي احتجز عشرات الرهائن في مقهى بمدينة سيدني الأسترالية خلال ديسمبر/كانون الأول 2014، وكان يعاني من اضطرابات نفسية. ووصفه محاميه السابق بأنه “مصاب بجنون العظمة وصاحب سجل جنائي وعمل في السحر”.

وبدورها تشير صحيفة الديلي تليغراف البريطانية إلى حادثة قيام المواطن الكندي مايكل زحاف بيبو بقتل جندي وإطلاق النار داخل البرلمان في العاصمة الكندية أوتاوا. وترجح الصحيفة أن يكون الهجوم رد فعل على قرار كندا المشاركة في العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

وتعيش إسرائيل هاجسا أمنيا كبيرا منذ تشرين الأول/اكتوبر 2015 بسبب عمليات الطعن بالسكاكين والهجمات بالأسلحة النارية التي يستهدف بها مقاومون فلسطينيون الإسرائيليين فرادى وجماعات، مثل عملية تل أبيب التي استهدفت مركزا تجاريا قرب وزارة الدفاع الإسرائيلية يوم 8 يونيو/حزيران 2016.

وأدى غياب أي بنية تنظيمية للمهاجمين أو توفر معلومات بشأنهم إلى فشل جهاز الأمن الإسرائيلي في تتبعهم أو التنبؤ بهويتهم أو معرفة طبيعة ما سيقدمون عليه. وهو ما جعل وسائل الإعلام الإسرائيلية تدق ناقوس الخطر من هؤلاء “الذئاب المنفردة” الجدد.

ويرى الكاتب المصري فهمي هويدي أن ظاهرة “الذئاب المنفردة” تحمل رسالة للقوى الحاكمة في الداخل والخارج “تنبه إلى أن شيوع الظلم والقهر يحول البشر إلى قنابل موقوتة جاهزة للانفجار في أي وقت. وفى هذه الحالة فإن الثأر لا يكون بحاجة إلى مؤامرات تحاك ولا تنظيمات إرهابية تخطط وتدبر، لأن كل واحد من المقهورين سيكون لديه دافعه الخاص للثأر، ولن يكون بحاجة إلى تحريض أو تدريب أو تمويل”.

الجزيرة نت