لا تزال حرب الولايات المتحدة في أفغانستان مستمرة، حتى بعد مرور قرابة 15 سنة على اندلاعها، ما يجعلها أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، ولم تعد حرب أفغانستان اليوم محور اهتمام العالم كما كانت في الماضي، ما عدا الأحداث الأخيرة التي أسفرت عن اغتيال زعيم حركة طالبان الأفغانية، أختر محمد منصور.
مع ذلك، لا يزال الأفغان يعيشون معاناة نتيجة الصراع القائم في بلدهم، فهم يفقدون أصدقاءهم وأطفالهم وعائلاتهم جراء الحرب، تمامًا كما حدث معهم منذ الغزو السوفيتي في 1979 الذي تسبب لهم في نزوح أعداد كبيرة من اللاجئين، من بينهم والد عمر متين، منفذ عملية أورلاندو والتي قتل فيها 49 أمريكيًا.
أطلق الرئيس الأمريكي السابق، جورج دبليو بوش، الغزو الأمريكي على أفغانستان تبعًا لأحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 الإرهابية وكان يهدف من خلاله إلى تفكيك تنظيم القاعدة وإزاحة حركة طالبان عن السلطة ومن ثم يضمن أن لا تكون أفغانستان في المستقبل قاعدة العمليات الآمنة للمتطرفين.
ونسج الرئيس أوباما عل منوال الرئيس بوش في ما يخص أفغانستان لإنجاح هذه الأهداف ظاهريًا مع تخفيض عدد القوات في البلاد، إلى جانب ذلك، صرح أوباما منذ سنة ونصف السنة أن الحرب اقتربت من الوصول إلى “نتيجة مسؤولة”.
لكن مع ذلك، عادت حركة طالبان لشن العديد من الهجمات، ما أسهم في عودة احتدام الصراع بين الطرفين متسببًا في خسائر بشرية ومادية هائلة. وتعتبر باكستان السبب الأساسي وراء عودة المواجهات؛ لأنها في الوقت الذي تقوم فيه بحماية قيادة حركة طالبان ونفوذها، تتظاهر بأنها حليف الولايات المتحدة الأمريكية. فإذا كانت هناك شكوك حول ازدواجية سياسة باكستان، فمن المفروض أن تكون قد تأكدت في 2011 على إثر مقتل أسامة بن لادن قرب العاصمة إسلام أباد؛ ذلك أن الحكومة الباكستانية لم تكشف إلى يومنا هذا، حتى بعد مرور خمس سنوات على الحادثة، عن هوية الأشخاص الذين ساعدوا بن لادن على الاختباء طيلة تلك السنوات. مع ذلك، لا تزال باكستان تنعم بالمليارات من الدولارات من المساعدات التي تقدمها لها الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، كشفت حادثة اغتيال “منصور” على الأراضي الباكستانية، قرب الحدود الإيرانية والأفغانية، خداع المسؤولين الباكستانيين الذين أنكروا مرارًا حمايتهم لقادة حركة طالبان. وكما حدث في الهجوم الذي شنته قوات البحرية الأمريكية على بن لادن وتسببت في قتله، تطلب هجوم الولايات المتحدة على منصور بهدف اغتياله انتهاك سيادة دولة باكستان، التي تعتبر من أكثر المستفيدين من المساعدات الأمريكية وينبغي عليها دعم هذه الجهود.
علينا أن نتساءل هنا ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتعلم من هذا الدرس وتغير مسارها.
على الرغم من أن اغتيال منصور يعتبر، كما صرح أوباما، “خطوة مهمة”، فإنه يبين أيضًا فشل السياسة الأمريكية في ظل إدارة أوباما، الذي يعود إلى عدم رغبتها في مواجهة باكستان أو حتى حركة “طالبان” باستعمال القوة الشديدة؛ حيث كان هدف أوباما هو الحفاظ على خيار التوصل إلى صفقة “خاسرة” مع حركة طالبان تتمثل في تقاسم السلطة في ما بينهم لدعم اتفاق السلام، بدعم من الجيش الباكستاني.
لهذا السبب لم تصنف الولايات المتحدة حركة طالبان الأفغانية كمنظمة إرهابية، واستغرقت قرابة خمس عشرة سنة لتنفيذ أول هجوم جوي بطائرة بدون طيار على محافظة بلوشستان في باكستان. على الرغم من ذلك، أنشأت حركة طالبان قاعدتها في تلك المنطقة فور خروجهم من أفغانستان على إثر التدخل العسكري الأمريكي، ولكن الولايات المتحدة ركزت هجماتها الجوية على منطقة وزيرستان وسمحت لقادة الحركة بالتخفي.
بالإضافة إلى ذلك، افتتحت الولايات المتحدة علاقة مباشرة مع حركة طالبان بهدف تعزيز المفاوضات الرامية إلى ضمان السلام عن طريق اتفاقية تنظيم تقاسم السلطة. مكنت هذه العلاقة الحركة من إقامة بعثة دبلوماسية في الدوحة سنة 2013. وسنة 2014 تفاوضت الحركة حول تحرير خمسة من كبار قادة طالبان الذي كانوا في سجن غوانتانامو مقابل الإفراج عن ضابط في الجيش الأمريكي.
لم تكن الولايات المتحدة على علم بأن مؤسس حركة طالبان، الملا محمد عمر، مات في 2013 في مستشفى في مدينة كراتشي الباكستانية، ولكن خبر وفاته بقي في طيات الكتمان لما يربو على سنتين كانت خلالهما الاستخبارات الداخلية تدعي أنها تسعى إلى تيسير الاتصالات معه.
وأخيرًا لم يكن “منصور”، الذي تم تعيينه زعيمًا في يوليو المنصرم، مهتمًا ومستعدًا لمحادثات السلام. وقد دفع عناده الولايات المتحدة إلى تغيير إستراتيجيتها وخططها. ولكن حتى وإن كان هذا المنهج سيسهم في جلب حركة طالبان إلى طاولة المفاوضات، فإنه لن يكون كافيًا للتوصل إلى اتفاق سلام دائم. وإذا كانت الولايات المتحدة تسعى إلى إنهاء الحرب في أفغانستان، فإن عليها أن تحاول طرقًا أخرى إلى جانب تغيير التكتيك، بالإضافة إلى إعادة النظر في إستراتيجيتها الأساسية.
يقول الواقع إن حركة طالبان لن تهزم ولن تسعى إلى تحقيق السلام حتى يتم القضاء على ملجئهم الباكستاني، ولن تنجح أية حملة في مكافحة الإرهاب في بلد وجد مقاتلوه ملجًا في بلد آخر. مع أن أوباما يعترف بضرورة القضاء على ملاجئ الإرهاب، إلا أنه فشل في القيام بالمطلوب؛ لأن وببساطة، عملية ارتشاء الجيش الباكستاني لن تصل بهم إلى حل. فعلى مدى السنوات الـ14 الماضية، منحت الولايات المتحدة مساعدات مالية بلغت 33 مليار دولار، إلى جانب مدهم الجيش الباكستاني بالأسلحة الفتاكة المتطورة، ولكن في المقابل، واصلت باكستان دعمها لحركة طالبان عبر تأمين مخابئها.
لا يعني قرار أوباما في أكتوبر الماضي بالتمديد في فترة التدخل العسكري في أفغانستان فقط أنه سيترك منصبه دون الوفاء بوعده لإنهاء الصراعات العسكرية التي أطلقها الرئيس بوش، ولكن أيضًا أن الولايات المتحدة سوف تواصل الحرب من الجانب الخطأ للحدود الأفغانية الباكستانية. ربما سيدرك الرئيس المنتخب الجديد أخيرًا حقيقة أن نهاية الحرب في أفغانستان تبدأ من باكستان.