الأكراد على وشك اعتماد دستور ‘كردستان سوريا’

الأكراد على وشك اعتماد دستور ‘كردستان سوريا’

_83533_ss3

لا تعكس بعض التصريحات الرسمية لقيادات الأكراد في سوريا رغبة أكيدة في الانفصال وتأسيس دولة خاصة بهم، فهناك جزء كبير منهم يميل نحو إقامة كيان يشبه الحكم الذاتي وفق إطار فيدرالي بعد رحيل نظام بشار الأسد.

وبعض هؤلاء القادة، من بينهم إلهام أحمد الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية، يرى أن نظام الدولة المستقلة لا يحقق آمال الأكراد في الحرية المجتمعية كما تفعل الأنظمة ذات الديمقراطية المباشرة.

وخالفت أحمد، في حوار مع”العرب”، عبر الهاتف من مقر إقامتها بشمال سوريا، ما يروّج من أخبار بشأن محاولات الأكراد الانفصال عن الدولة السورية. وقالت إن أكراد الداخل ليست لديهم استراتيجية مستقبلية بشأن إقامة دولة مستقلة.

وكشفت أن رسم الحدود السياسية بين الكرد والعرب والمكونات الأخرى لن يحدث، وما سيجري العمل عليه هو تطبيق فكرة الفيدرالية.

وأوضحت الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية أن الفيدرالية هي الحل لدولة سورية تقوم على أساس نظام لا مركزي ديمقراطي، باعتبار أن النظام الفيدرالي لا يحدد هوية من سيرأس سوريا بهوية قومية إنما المهمّ أن يكون سوريا، وليس شرطا أن يكون عربيا أو كرديا أو درزيا أو أرمينيا، المهم الخبرة والقبول والتمثيل للشعب، والانتخابات هي التي تحدد.

وكان الأكراد قد عززوا سيطرتهم على مساحات شاسعة من شمال سوريا وأعلنوا إقامة إدارة ذاتية مؤقتة في ثلاث مقاطعات هي الجزيرة (الحسكة)، وعفرين (ريف حلب)، وكوباني (عين العرب) وسمّيت هذه المناطق بـ”روج آفا”، أي غرب كردستان بالكردية.

ويسعى الأكراد، الذين اثبتوا فاعلية في التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية في شمال وشمال شرق سوريا، بدعم من قوات التحالف الدولي، إلى ربط مقاطعاتهم الثلاث من أجل إنشاء حكم يشبه ما جرى في كردستان العراق.

عقد اجتماعي جديد

قالت الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية إنهم يعملون حاليا على صياغة عقد اجتماعي لفيدرالية شمال سوريا، كما يتم العمل على مسودة دستور جديد لسوريا الفيدرالية.

وأشارت إلى أن الفيدرالية التي يسعون إليها تعتمد على المجالس المحلية وتنظيم القرى والأحياء بطريقة الانتخابات الشعبية الشفافة وإقامة اللجان الشعبية، مثل لجنة الصحة والتدريب والحماية والخدمية، ولجان أخرى تتشكل بحسب الاحتياجات.

العلاقات بين إقليم كردستان العراق وتركيا مبنية على معاداة الحركات الكردية الأخرى، والبارزاني لعب دورا في فرض الحصار على أكراد سوريا

وأكدت إلهام أحمد أن قوات سوريا الديمقراطية ووحدة حماية الشعب سوف تظلان موجودتين مستقبلا وقد يتغير شكلهما بحسب الاحتياجات، لكنهما سوف تبقيان قوتين دفاعيتين. وتأسس مجلس سوريا الديمقراطية الذي يتكون من 22 حزبا سياسيا وخمس كتل سياسية وشخصيات مستقلة من المكونات السورية في ديسمبر الماضي، بالتزامن مع انعقاد مؤتمر الرياض لقوى الثورة والمعارضة السورية.

ويعتبر المجلس الممثل السياسي والإداري والدبلوماسي لقوات سوريا الديمقراطية وهي عبارة عن تحالف من فصائل كردية وعربية، على رأسها وحدات حماية الشعب الكردية التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية.

ويشكل المقاتلون العرب، وهم سنة وسريان وتركمان، ضمن قوات سوريا الديمقراطية أقلية إلى جانب الأكراد، حيث يجمعهم عدوّ واحد هو تنظيم الدولة الإسلامية إلا أنهم يتعرضون لانتقادات من فصائل المعارضة التي تعيب على الأكراد عدم مشاركتهم في أي معركة ضد النظام السوري.

وفي حين كانت وحدات حماية الشعب قوة فعالة في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، فإن المعارضة السورية تقول إنه لا يمكن أن تعمل على تحقيق الاستقرار في المناطق العربية التي يتم الاستيلاء عليها من الجهاديين.

وتشبه المعارضة وحدات حماية الشعب بالفصائل الشيعية التي تقاتل الدولة الإسلامية في العراق لكن العراقيين من السنة يرتابون منها. وتشير الشواهد إلى أن الولايات المتحدة تدرك هذه الحساسيات تمام الإدراك.

وقال مسؤول أميركي إنه تم ضم عدد أكبر من العرب إلى تحالف قوات سوريا الديمقراطية الذي تشكل في أكتوبر الماضي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية ويعتمد اعتمادا كبيرا على قوة نيران وحدات حماية الشعب.

وتقدر واشنطن هذه القوات بـ25 ألفا، ضمنهم حوالي خمسة آلاف عربي وبينهم مقاتلون انتموا سابقا إلى فصائل معارضة وإسلامية قاتلت قوات النظام السوري.

تجربة نوعية

بشأن الرغبة في توسيع مناطق النفوذ وضم مدن جديدة، أكدت أحمد أن القرار بيد أهالي المدن المحررة والمجالس المحلية التي تدير هذه المدن، فهي من تقرر إذا كانت تود الاستفادة من الإمكانيات المعيشية الموجودة في مناطق شمال سوريا أم لا.

حول الاتهامات الموجهة للأكراد بأنهم رأس الحربة الأميركية الجديدة لتقسيم الشرق الأوسط، قالت إن الأكراد لن يتحولوا إلى رأس حربة لأي طرف من الأطراف، وهم يحاربون تنظيم الدولة الإسلامية لحماية أنفسهم ومناطقهم من الإرهاب. لكن، في نفس الوقت تعتبر إلهام أحمد أن الولايات المتحدة حليف عسكري للأكراد في الحرب ضد تنظيم داعش، كما أنها لاعب رئيسي في الملف السوري.

ويحذر معارضون سوريون من البعد العرقي للصراع الذي يغذيه نزوح العرب بسبب ما تشنه وحدات حماية الشعب من هجمات.

ونفى مسؤولون أكراد على الدوام اتهامات بحدوث تطهير عرقي في مناطق مثل تل رفعت التي سيطرت عليها وحدات حماية الشعب في فبراير الماضي. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن من عاد من العرب إليها عدد قليل. غير أن المرصد يعزو ذلك إلى الخوف لا إلى سياسة من جانب وحدات حماية الشعب لمنعهم من العودة.

ويُتهم المقاتلون الأكراد بالتواطؤ مع نظام بشار الأسد ومحاربة فصائل المعارضة الأخرى، وهي اتهامات اعتبرتها الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية تعبيرا عن النظرة العدائية للأكراد ووحدات حماية الشعب النابعة من ثقافة النظام البعثي، ونابعة أيضا من النظرة العدائية لتركيا التي وضعت أطرافا من المعارضة تحت وصايتها وتمولها مقابل عدائها للأكراد.

خلافات كردية

عن الخلافات الأخيرة داخل الأحزاب الكردية وخلافات مسعود البارزاني زعيم إقليم كردستان العراق مع أكراد سوريا، قالت إنها ناجمة عن السياسات الخاطئة التي يتبعها في مواجهة قضية الأكراد في سوريا والنظر إليها من منظور الدولة التركية، وهو ما أوقعه في أخطاء وخيمة.

وكشفت إلهام أحمد أن العلاقات الاقتصادية بين حكومة البارزاني وتركيا مبنية على معاداة الحركات الكردية الأخرى، فقد لعب البارزاني دورا في فرض الحصار على أكراد سوريا.

وتابعت أن خلافاته ليست متمركزة معنا فقط وإنما له خلافات أيضا مع باقي الأحزاب الكردية مثل حركة التغيير وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني وحزب العمال الكردستاني. وكان محمد صالح جمعة، مستشار مسعود البارزاني، اتهم حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي وجميع منظماته بالعمالة للنظام الإيراني والنظام السوري على حد سواء.

محسن عوض الله

صحيفة العرب اللندنية