ثمة شائعة قالت أنّ حافظ الأسد كان كل يوم قبل نومه يقرأ في كتاب «الأمير» لميكيافيلّي، وأثار ذلك حنق المعارضين له بمقدار إثارته سرور الموالين، لكنّ الطرفين اتفقا على أنّ الكتاب بدا كأنّه يُخاطب الأسد شخصياً، على رغم مرور أزيد من أربعة قرون على زمن نيكولا ميكيافيلّي.
الآراء بمعظمها تُجمع على أنّ مقولة الكتاب الأبرز «الغاية تبرر الوسيلة». ولعلّ هذا بالضبط كان السمة العامة الأبرز لحكم الأسد الأب الدموي، التي تكاد تنطبق تماماً على مسيرته الطويلة في السلطة، وكذلك الحال في سيرة وريثه الكيماوي. لكن، بينما كانت تلك الجملة في نصائح ميكيافيلّي تأتي في سياق «خدمة الدولة»، فقد تحوّلت لدى الأسد بنسختيه إلى «خدمة البقاء في السلطة». وينسحب الأمر على بقيّة وصايا ميكيافيلّي، كمثل «التدرج في البطش» الذي بلغ عند الأب الذروة في المذبحة الهائلة لحماة في 1982، والمذابح اليومية التي لا تكاد تحصى للابن في عهد الثورة السورية على حكمه، وهي لم تتوقف بعد.
واختار الأب وفق ميكيافيلّي أن يكون «مُهاباً بدل أن يكون محبوباً»، وأمّا الابن فعلى رغم محاولاته الحثيثة، لم يحظ بهذا أو ذاك، على رغم حرص الأب قبل موته على توريث ابنه ذلك الكتاب الذهبي مع العرش.
الانتهازيّة أيضاً كانت من أبرز اتهامات الكتاب بحسب السبب وراء تأليفه وإهدائه لحاكمٍ من ذاك الزمان، وميزة الانتهازية لم تكن في الأسدين فحسب، بل هما نجحا في تعميمها على المجتمع السوري بأسره، حيث قلّما نجد تطهراً منها في كلّ مناحي الحياة بوجهها السوري.
الغاية التي تبرر الوسيلة، والانتهازية والبطش والهيبة، هي الوجوه العملية كذلك لسياسات «داعش» والنصرة، وفي هذا السياق ربّما يصحّ القول أنّ كتاب الأمير كان أيضاً هدية لأبو بكر البغدادي، وأبو محمد الجولاني وغيرهم، سواء اطّلعوا عليه أم لا، فالنسخة الإسلامية من كتاب الأمير تحفل بدعم سماوي أيضاً وفق التأويلات المُفصّلة على المقاس اللازم لعقائدهم «السمحاء»، وكذلك بعض المجموعات المسلحة الأخرى التي ليس لها في الدين أو الوطن شروى نقير. فهي تعمل بالصفات الميكيافيلّية الواردة ذاتها.
وأمّا في الموقف العالمي إزاء المأساة السورية النازفة، فلعلّ التسمية الأنسب لجمعية الأمم: «الأمم الميكيافيلّية المتحدة».
براء موسى
صحيفة الحياة اللندنية