لم تدخل سوريا الحرب إلا صباح 6/6/1967 رغم أنها تعد السبب الرئيسي لاندلاعها وهي الداعية إليها. وكان يشغل حقيبة الدفاع في تلك الفترة حافظ الأسد الذي كان أيضا المسؤول الأول عن الجيش وعن الحرب التي خرجت منها سوريا وقد خسرت الجولان.
تستحضر الكاتبة والأكاديمية السورية تغريد الحجلي ذلك التاريخ وأحداثه متسائلة هل سقط الجولان أم سُلّم في الحرب؟ مشيرة إلى أن حافظ الأسد وزير الدفاع آنذاك وقّع بيان سقوط الجولان مقابل مساعدته في الوصول إلى الحكم وكان له ذلك بداية السبعينات لتبدأ في سوريا مرحلة جديدة من عدم الاستقرار مازالت آثارها تلاحقنا إلى اليوم.
في عام 1973 وقع حافظ الأسد اتفاقية ” فك الاشتباك” مع إسرائيل وبذلك أصبح النظام مرتبطا بشكل كبير في هذا الاتفاق الذي يجدد سنويا به ينهي عهدا من الصراع مع إسرائيل والتعهد بأمن حدودها فوضع سوريا في حالة لا حرب ولا سلم وبهذا قد خلق توازنا استراتيجيا مع العدوّ وجعل منه المرجع الأخير للوضع في المنطقة خاصة في ما يخص حدود إسرائيل.
ومن أهم تداعيات هذه الحرب هي جعل إسرائيل لاعبا غير بارز له مصالحه في ما يدور في سوريا حاليا، أي منطقة آمنة أو أي قوات دولية على حدودها وحتى تحديد المنطقة لا يتم إلا بموافقتها. ومكنت نظام الأسد الذي لعب دورا محوريا في وصول سوريا والمنطقة إلى ماعليه اليوم ابتداء من دخوله لبنان وتعامله مع المنظمات الفلسطينية فعمد إلى شقها وخلق منظمات بديلة لها إلى عمق تحالفه مع النظام الإيراني هذا التحالف الذي تعزز منذ مطلع التسعينات حيث بدأت العلاقات الإيرانية السورية تتجه نحو مرحلة جديدة خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
ولا تختلف شهادة الكاتب والباحث السوري أحمد رياض غانم عن أغلب الشهادات التي ترى أنه كان لنكسة 5 يونيو 1967 أثر في تبدل المزاج الشعبي، ناهيك عن الآثار السياسية والعسكرية والاقتصادية المستمرة حتى اليوم؛ فالحرب أيقظت المجتمعات العربية على واقعها المتخلف على المستوى العسكري والاقتصادي والسياسي وكشفت هشاشة الدول العربية وضعف مؤسساتها العسكرية وكذلك الواقع الاقتصادي المتردي.
وتوجهت سوريا ومصر لتعزيز ترسانتها العسكرية وعلى حساب التنمية الاقتصادية وموارد وثروات البلاد الفقيرة، مما ساهم في تعزيز البطالة وضعف الاقتصاد وتراجع في مستويات الدخل. وعلى الرغم من الانتصار المحدود في حرب 1973 على الجبهة المصرية وتوقيع اتفاقيات السلام مع الجانب الإسرائيلي، فإن الواقع السيء للأفراد والدول العربية المستهدفة بالهزيمة لا يزال على حاله ناهيك عن تفكك الحالة الفلسطينية وتوجه القضية نحو بعض التسويات والتي لا تستجيب لتطلعات أبناء الشعب الفلسطيني. أما على الجانب السوري فمازال الجولان محتلا، والمؤسسة العسكرية تحوّلت مع الوقت لدولة تبتلع المؤسسات المدنية.
يعتبر المحلل السياسي السوري بهنان يامين أن حزب العمال الثوري العربي لم يكن على خطأ عندما أعلن بأن الحرب الإسرائيلية هي هزيمة، وليست نكسة، كما سمتها الأنظمة العربية وأحزابها من يمينها ومن يسارها، فما حدث في الخامس من يونيو 1967 كان هزيمة كارثية.
كيف انعكست هذه الهزيمة على المنطقة؟ سؤال يطرح ولم يوجد له جواب حتى اليوم، وذلك لأن مسببي تلك الهزيمة لا زالوا هم الحكام، ولم يتعلموا أيّ درس، بل استمروا بأوهام كانت وبالا على شعوب المنطقة، وما نحن فيه اليوم هو استمرار لهزيمة تلك الأنظمة التي لا تزال تكابر وتسحق وترهب شعوبها دون أن تحدّث دولها، لا بل أكثر من ذلك فلقد حوّلتها إلى دول فاشلة، ولنا في سوريا خير دليل.
يشير بهنان يامين إلى أنه في ذات الفترة تقريبا كانت تدور رحى الحرب الهندية-الباكستانية. استطاعت الهند أن تهزم باكستان بطريقة اهتزازية، حيث فصلت باكستان الشرقية عن شطرها الغربي، ليكون منها ما هو معروف اليوم بـ”بنغلاديش”، ولكن النظام الباكستاني المنهار برئاسة الماريشال أيوب خان قدم استقالته، وانسحب من الحياة السياسية، ليسلم الحكم إلى الزعيم الشعبي الراحل محمد علي بوتو الذي لملم جراح باكستان، وأراد أن يحولها نحو الديمقراطية، ولكن العسكر ودوائر المخابرات الغربية أنهت حكمه بطريقة مأسوية.
في المنطقة العربية كانت الهزيمة متشابهة، ولكن قادة الأمة العربية وإعلامها أخذا يتوهّمان النصر ويفلسفانه، حتى أن النظام البعثي في سوريا طلع بنظرية غريبة مفادها أن سوريا لم تنهزم، لقد فقدت الجولان ولكن النظام بقي سليما. ليس هذا فحسب فمن سلّم الجولان وأعلن عن سقوط القنيطرة، والجيش الإسرائيلي لا زال في سهل الحولة وبحيرة، تحكم بمصير سوريا لمدة ثلاثين عاما، ليورّث ابنه المعتوه الذي ألغى السيادة السورية واضعا إياها تحت الاستعمار الإيراني الروسي. النظام السياسي العربي كان يجب أن يسقط فور انكشاف هزيمته، وحدها إسرائيل استفادت من الهزيمة، حيث حولت الجولان إلى مناطق منتجة، بعد أن كانت في زمن نظام الهزيمة عبارة عن جبهة عسكرية ويا ليتها كانت فعلية، هذا في سوريا. أما في مصر فلقد استغلت نفطها وغازها الموجود في سيناء، ولم يستفيد النظام السياسي المنهار أيضا من الهزيمة، فبقي يحكم مصر بالأحكام العرفية.
ومن منظار ما راكمته حقائق السبعين عاما في تاريخ سوريا الحديث يرى الناشط السياسي السوري مأمون خليفة أن تأثير عدوان 67 عليها كان شديد القسوة ومنهك الوطأة إذ تبعثرت بعده عوامل القوة الذاتية والوطنية السورية لصالح انفراد فريق طائفي بمقدرات البلاد، كما ثبت أن حافظ الأسد كان حاملا لمشروع فكفكة مؤسسات الدولة الوطنية ضمن ادعاءات إعادة البناء للقضاء على آثار نكسة 67، وتحويلها لدوائر تخدم على مشروع انفراده بالقرار بمساعدة القوى الطفيلية الجديدة المستغلة وغير المنتجة من جميع الطوائف والتي ربطت مصيرها ومصالحها به. وما كانت طبيعة دور مؤسسات الأسد الأمنية في الحرب الأهلية اللبنانية مذ ما قبل عام 1975 وموافقة الولايات المتحدة وإسرائيل عليه إلا تظهير عملي لحقيقة وطبيعة نظام الأسد.
صحيفة العرب اللندنية