الأمير محمد بن سلمان لا يرضخ للانتقادات الغربية

الأمير محمد بن سلمان لا يرضخ للانتقادات الغربية

تعرّض ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال السنوات الماضية إلى حملة شرسة سببها حادثة مقتل الصحافي جمال خاشقجي، والتي ألّبت الرأي العام الدولي ضده، لكنه مضى قدما، متجاهلا كل الاتهامات الموجهة إليه والدعوات لمقاطعة بلاده، بأن قاد حملة إصلاحات اجتماعية واقتصادية واسعة جعلت منتقديه يعودون لطلب وده وإعادة إحياء العلاقات الفاترة مع المملكة.

الرياض – خرج ولي العهد السعودي صاحب القوة والنفوذ الأمير محمد بن سلمان مرفوع الرأس بعد عاصفة الغضب الدولي إثر مقتل الصحافي جمال خاشقجي قبل أربع سنوات، فالآن يسعى القادة الغربيون للحصول على دعمه بعدما حاولوا ذات يوم فرض عزلة عليه.

وسيزور الرئيس الأميركي جو بايدن السعودية، أهم حليف عربي للولايات المتحدة، يوم الجمعة على أمل خفض أسعار النفط، وهو الذي كان قد اتهم الأمير في السابق بإصدار الأمر بقتل خاشقجي، وقال إنه ينبغي فرض عزلة على المملكة.

ويسير بايدن على خطى الزعماء الأوروبيين الذين نددوا بقتل خاشقجي عام 2018 على يد فرقة اغتيال سعودية في إسطنبول، لكنهم أصبحوا يتقبلون حقيقة عدم قدرتهم على تجاهل السعودية، عملاق الطاقة العالمي، والأمير محمد بن سلمان حاكمها الفعلي.

يبلغ الأمير محمد بن سلمان من العمر 36 عاما فقط وما زال من الناحية الرسمية ينتظر وراثة العرش من والده المسن الملك سلمان، لكنه وضع بالفعل بصماته على المملكة والشرق الأوسط. فقد أزاح المعارضة وهمّش المنافسين في حملة لا هوادة فيها، تزامنت مع اتباعه سياسة خارجية أكثر قوة في المنطقة، واتخاذ خطوات أسعدت المعجبين، وأثارت قلق حلفاء الرياض التقليديين وصدمت المدافعين عن حقوق الإنسان.

وكان مقتل خاشقجي، الذي كان يرتبط ذات يوم بدوائر السلطة قبل أن يتحوّل إلى ناقد، ضربة لصورة الأمير محمد بن سلمان الذي نفى إصدار الأمر بتنفيذ العملية رغم أنه قبل المسؤولية النهائية عنها بصفته “قائدا” في المملكة.

ووقفت جريمة القتل عقبة في طريق بعض المستثمرين وقوضت بشكل كبير مساعي الأمير محمد بن سلمان لرسم صورة لنفسه كإصلاحي يسعى إلى فتح المجال لحريات جديدة في المملكة المحافظة.

لكن أمام واقع يظهر فيه وجود زعيم يتسم بالحزم وقد يدير أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط لعدة عقود قادمة، يبدو أن منتقديه في الخارج تراجعوا عن موقفهم.

وقال أيهم كامل من مجموعة أوراسيا الاستشارية “خارت تدريجيا قوى الغرب في محاولة الحد من التعامل مع الأمير محمد بن سلمان، بعد مقتل خاشقجي، وزيارة بايدن ستطلق الرصاص على هذه الفكرة”.

وأضاف “سيقوم بالزيارة لإحياء العلاقات السعودية – الأميركية التي تحتاج إلى الإصلاح، في ظل الأوضاع الجيوسياسية الحالية، بسبب حرب أوكرانيا والمنافسة مع الصين وقضايا الطاقة والنفوذ الإقليمي للمملكة”.

وتحت إشراف ولي العهد، ترافقت إصلاحات كبرى، مثل طرح أسهم من شركة النفط الحكومية العملاقة أرامكو في البورصة، وعملية تطهير سرية لكبار أفراد العائلة المالكة ورجال الأعمال المتهمين الفساد.

وفي الوقت نفسه، تعهد الأمير محمد بن سلمان بموقف أكثر صرامة من النفوذ الإقليمي للعدو اللدود إيران، وأخَذً المملكة إلى حرب مكلفة لا تحظى بتأييد شعبي في اليمن.

وحصل على دعم شفهي من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ولكن بعد أن تعهد بايدن باتخاذ موقف أكثر تشددا تجاه المملكة، قدم الأمير محمد بن سلمان مبادرات يرى دبلوماسيون أنها تُظهره كشريك مهم لتحقيق الاستقرار الإقليمي.

وشملت هذه التحركات اتفاقا لإنهاء خلاف مرير مع قطر بعد مقاطعة من الرياض وحلفائها للدوحة، وبدء محادثات مباشرة مع إيران لاحتواء التوترات، والتوصل إلى هدنة في اليمن.

لكن التوتر لا يزال يشوب العلاقات مع الولايات المتحدة بسبب قيود واشنطن على مبيعات الأسلحة للمملكة والمحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 دون مشاركة خليجية. كما رفض بايدن التعامل مباشرة مع الأمير محمد بن سلمان باعتباره الحاكم الفعلي للسعودية.

وقال ولي العهد السعودي، في مقابلة مع صحيفة “ذي أتلانتيك” في مارس الماضي، ردا على سؤال عما إذا كان بايدن قد أساء فهم أشياء عنه، “ببساطة، لا أهتم”.

ظهر الأمير محمد بن سلمان في الصورة بعدما تولى والده عرش البلاد عام 2015. وقام بتهميش أعضاء بارزين في العائلة الحاكمة منذ العام 2017 وعزز قبضته على قطاعي الأمن والمخابرات في المملكة مما أثار الاستياء بين أفراد العائلة الحاكمة.

وفي وقت لاحق من العام نفسه اعتقل عددا من أفراد الأسرة وغيرهم من الشخصيات السعودية البارزة واحتجزهم لشهور في فندق ريتز كارلتون بالرياض في إطار حملة لمكافحة الفساد تسببت في صدمات متتالية بالداخل والخارج.

وعلى الصعيد الاقتصادي، أعلن الأمير محمد بن سلمان تغييرات كاسحة تهدف إلى تطوير صناعات جديدة وتوطين الوظائف وتوفير فرص عمل للسعوديين وطرح إصلاحات مالية.

وشملت الإصلاحات الاجتماعية التي سُلطت عليها الأضواء الانفتاح الحاصل في قطاعي الثقافة والترفيه حيث تم السماح بعروض السينما وارتياد أماكن الترفيه العامة وإنهاء الحظر على قيادة النساء للسيارات ومشاركتها في قطاعات كثيرة.

وذكرت مصادر على صلة بالعائلة المالكة ونخبة رجال الأعمال إنه على الرغم من زيادة شعبية الأمير محمد بين الشباب السعوديين ودعم بعض أفراد العائلة الحاكمة له، إلا أن البعض الآخر من أفراد العائلة يشعرون بالضيق من هيمنته على السلطة ويشككون في قدراته القيادية بعد هجمات غير مسبوقة على منشآت نفط سعودية في عام 2019.

وفي مارس عام 2020 اعتقلت السلطات أحد أبناء عمومته، وهو ولي العهد السابق الأمير نايف، وعمه الأمير أحمد في خطوة قالت مصادر مقربة من العائلة إنها تهدف إلى ضمان تسليم سلس للسلطة.

ورغم بعض المعارضة الداخلية، لازال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يمثل بلاده في المحافل الإقليمية والدولية ويقود جهودها للإصلاح المجتمعي والاقتصادي وينوب والده العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز حتى أنه صار يعدّ لدى دوائر القرار الغربي والدولي القائد الفعلي للمشهد السياسي في بلاده إلى حين اعتلائه العرش.

وهناك الكثير من المعجبين بولي العهد السعودي في المنطقة، وقال مصدر خليجي إن أسلوبه الكاسح مطلوب لإحداث تغيير في السعودية التي ظلت لعقود دولة محافظة.

وكان حجر الزاوية في التحول الاقتصادي هو طرح أسهم شركة أرامكو عملاقة النفط السعودية في البورصة في عام 2019 بعد عدة محاولات فاشلة لتبلغ قيمة الشركة نحو تريليوني دولار لكن لم يكن هناك إقبال كاف لطرح أسهمها في الخارج.

كما أعاد الأمير محمد بن سلمان كذلك تشكيل السياسة الخارجية السعودية. وجاء تصميم المملكة على مد نفوذها في وجود ولي العهد في أعقاب ما وصفه بعض المسؤولين السعوديين بأنه تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة ومخاوف من أن واشنطن، في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، كانت قد غضت الطرف عما اعتبره البعض توسعا خبيثا للأنشطة الإيرانية في العالم العربي.

لكن الرياض وطهران، رغم قطعهما العلاقات الدبلوماسية في 2016، بدأتا محادثات مباشرة في 2021 تهدف إلى خفض التوتر في وقت تبدي فيه دول الخليج شكوكها إزاء الالتزام الأميركي تجاه المنطقة.

وتشعر السعودية بالقلق منذ فترة طويلة من جهود إحياء الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية والذي خفف العقوبات المفروضة على طهران في مقابل وضع قيود على برنامجها النووي. وتعثرت جهود إحياء الاتفاق منذ شهور.

ومن المرجّح أن يثير الأمير محمد هذه المخاوف. وانتقدت الرياض، التي انخرطت في عدة حروب بالوكالة مع إيران في المنطقة منها حرب اليمن، الاتفاق النووي وقالت إنه معيب لأنه لا يعالج برامج طهران الصاروخية أو شبكة حلفائها في المنطقة والتي تعتبر مبعث قلق لبعض دول الخليج.

العرب