في الذكرى الأخيرة لليوم الذي غزا فيه هتلر الاتحاد السوفيتي، في 22 يونيو، كانت هذه مناسبة للآلاف من أعضاء الحزب الشيوعي في العصر الحديث للنزول إلى الشوارع.
وفي هذه المرة لم يكن النازيين هم العدو الذي ينزلون ضده، ولكن أعلنوا أنه حلف شمال الأطلسي. ولكن الرجل الذي تمنوا أن يقودهم هو جوزيف ستالين.
وفي وسط المظاهرة، ظهرت لافتة كبيرة للزعيم السوفيتي الشهير بشاربه ووحشيته، وهو يصارع الرئيس باراك أوباما. وتظهر اللافتة أن “حلف شمال الأطلسي هو ممثل الفاشية في القرن الواحد والعشرين”. ولوح المتظاهرون الشيوعيون بالأعلام الحمراء وهتفوا:” لا للحرب! لا لحلف شمال الأطلسي!”
وعلى الرغم من أن هذا الرأي بالأساس يتبع حزب الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين، إلا أنه يبدو أن البوتينية ليست جاذبة بالقدر الكافي لهؤلاء الموالين لمفهوم المثالية الاستالينية، خاصة في الوقت الذي تزداد فيه العدائية مع الغرب.
يذكر أن اعتزام الناتو إرسال ما يصل إلى 4 آلاف جندي في أوروبا الشرقية، ومشاركة الآلاف من القوات الأمريكية في مناورات عسكرية في بولندا هذا الأسبوع، يخيف العديد من الروس.
وأثار بوتن تلك المخاوف وحث قادة جيشه على الاستعداد وأعلن، ” إن الناتو يعزز من خطاباته وإجراءاته العدوانية قرب حدودنا. وفي تلك الظروف، من واجبنا أن نولي اهتماما خاصة لإيجاد حلول لتعزيز الدفاعات القتالية لبلادنا”.
وبعد سماع تلك التصريحات قال ميخائيلوف البالغ من العمر 19 عاما ” إن الحرب عائدة مرة أخرى، إنها حقيقة، فالحرب مع حلف شمال الأطلسي يمكن أن تحدث مثلما كان الحال في عام 1941 وسيكون علينا التطوع، والتضحية بحياتنا دفاعا عن البلاد”، وأضاف، “روسيا بحاجة إلى قائد قوي، وفي رأيه بوتين ليس قوي بما يكفي كما كان ستالين”.
وقام غيناديزيوغانوف، زعيم الحزب الشيوعي في مجلس النواب ومجلس الدوما، بدعوة الشباب إلى الاقتداء بالآباء والأجداد الشجعان الذين دافعوا عن سلطة بلادهم المستقلة.
وكان زيوغانوف، الذي يقود الشيوعين في روسيا منذ 21 عاما، يحاول أن يرتدي عباءة الوطنية المعادية للغرب بعيدا عن حزب روسيا المتحدة الموالي لبوتين والذي سيخوض الانتخابات كمستقل في سبتمبر. ويأمل الحزب الشيوعي في الفوز بـ 226 مقعدا، مقابل 93، ليكون العدد كافيا لتمثيل الأغلبية.
وسيكون ذلك ضمن دائرة الاحتمالات. وتراجعت نسبة التأييد لحزب روسيا المتحدة في الآونة الأخيرة من 42 في المئة إلى 35 في المئة، وبحلول شهر اكتوبر، من المتوقع أن تطرق الأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق على أبواب الجميع، وقد يقدم الشيوعيون عددا جيدا من الناخبين أكثر من توقع أي شخص قبل عام مضى.
الحنين الاستاليني الجديد، جزء من هذا التوجه
إن الحزب ظل لفترة طويلة يفتقر إلى الناشطين الشباب. فنحو 70% من أعضائه في أعمار 30 أو أكثر. وحتى قادة الحزب الشيوعي يهاجمون ما يطلق عليه بالسحر الاستاليني. فهم يشجعون القوة المجيدة لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، وينكرون أنه خلال حكم لينين وستالين، قتلت الاجهزة الامنية التابعة للحزب الاشتراكي وحزب الكي جي بي الملايين من الناس الأبرياء في سجون ومعسكرات العمل.
وفي الواقع دفع نشطاء الحزب الاشتراكي الكرملين إلى التوقف عن استخدام عبارة “ضحايا قمع ستالين” في فصول التاريخ بالمدارس الروسية.
يذكر أن دعاية الحزب الاشتراكي تتنافس مع أنصار الرئيس بوتين ووسائل الإعلام المؤيدة لحزب روسيا المتحدة. والشيوعيين لديهم قناتهم التليفزيونية الخاصة والخط الاحمر، فضلا عن صحف برافدا وروسيا السوفياتية، والموجهة لحوالي 34 مليون نسمة من الجمهور. وبرافدا وحدها تقوم بتداول نحو 11 مليون دولار، بالمقارنة على سبيل المثال مع الوسيلة الإعلامية الليبرالية نوفايا غازيتا، والتي تصل إلى 184 ألف وأربعمائة.
ويقول المحلل السياسي المقيم في موسكو يوري كروبنوف، “لقد أصيب الروسيون بخيبة أمل من الفساد الساحق للقيادة الحالية، ويريدون ستالين، ككرباج لتلك الفساد. ويأملون في يوم من الأيام في شخص مثل ستالين ليأتي ويقوم بالقضاء على جميع الكاذبين واللصوص في نظام بوتين الإقطاعي”. وبالرجوع إلى المناورات مع الناتو، كانت أحد العناوين الرئيسية في عدد يوم الخميس من جريدة روسيا السوفياتية يقول: “إن ثلثي الروس يوافقون على السماح لذويهم بالذهاب إلى الحرب والدفاع عن بلادهم”.
وقد أعد الرئيس بوتين ووزير الدفاع شويغو أيضا بعض الشباب الروس للانضمام إلى الجيش: فالدولة تخطط لإنفاق ملايين الروبلات على إنشاء حركة جيش الشباب والتي تشمل تدريبات عسكرية على النمط السوفيتي.
وفي الشهرالماضي كان أول تجمع لجيش الشباب والمكون من 500 مندوب من 85 منطقة في باتريوت بارك بموسكو. وأعلن وزير الدفاع شويغو أن “المئات من مراكز التدريب الوطني ومئات من مراكز جيش الشباب سيعملون في جميع أنحاء البلاد”. وستقوم هذه المراكز بتعليم الشباب الروس تجميع وتفكيك الكلاشينكوف، ورمي القنابل اليدوية والحفر كما لو كانوا في جيش محترف.
ومدى نجاح هذه البرامج على المدى البعيد سيكون تساؤلا مفتوحا. في حين أن أنصار بوتين وأنصار الشيوعية يتنافسون حول اصطفاف المزيد من الشباب إلى جانبهم، والغالبية العظمى من الشباب الروسي يبدو أن لديهم المزيد من الاهتمام في التقاط الصور الشخصية و الحفلات ولعب ألعاب الكومبيوتر والاستماع إلى الموسيقى.
وفي مقابلة مع بيوترفيرزيلوف، المتحدث باسم باسيرايوت، شكك خلالها في خطة الكرملين لعسكرة الشباب الروسي. ويقول فيرزيلوف، “إن الشباب ليس لديهم اهتمام بالزي العسكري، فهم يحبون أن يكونوا منفتحين مثل شباب نيويورك أو لندن. وينظر الشباب إلى النجوم الذين يحظون بشعبية من خلال كتابة الاغاني السياسية كالتي تسخر من أزمات شبه جزيرة القرم ويتلمسون فيها الدعاية الكاذبة”.
وفي يوم روسيا، ازدحم وسط المدينة بالكامل بالشباب. وتقول آنا نيستراتوفا، وهي خبير في ثقافة الشارع، إن “معظم هؤلاء الشباب يحتقرون كلا من ستالين وبوتين، فالفنون والموسيقى والإبداع والحياة المهنية الناجحة هي مايشغلهم”.
ستالين لا يمكن أن يساعد في كل ذلك.
التقرير