مضى تقريبًا 12 شهرا بعد الانتصار الدبلوماسي الإيراني في نقاشات الاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي، ولكن طهران ما زالت متورطة في أربعة صراعات كبرى في المنطقة، والخامسة في الأفق؛ ذلك أن الحرس الثوري الإيراني يقود حربين؛ حربا ضد مجموعات المعارضة الإسلامية في سوريا، وضد تنظيم الدولة في العراق.
أما الحربان الأخريان، فهما حرب باردة؛ عداوة مع المملكة العربية السعودية حول المصالح في المنطقة، ومع إسرائيل في جنوب لبنان وفي هضبة الجولان، هاتان المعركتان في تشكل متزايد مع الصراع السوري، كما يؤثر عليها نمو تنظيم الدولة في أفغانستان. إذًا كيف تتصرف جمهورية المرشد الأعلى على كل جبهة؟ على المدى القصير، تبدو الأمور صعبة ولكن على المدى البعيد يوجد بصيص أمل.
في سوريا، زادت إيران من تمددها ولكن بنتائج غير مرضية بعض الشيء؛ يبدو ذلك واضحا من خلال تزايد عدد مقاتلي الحرس الثوري في سوريا، بالإضافة إلى الاستثمار في المليشيات الإقليمية، بل يوجد الآن في سوريا أفراد من القوات الخاصة التابعة للجيش النظامي الإيراني، وتزايد عدد القتلى بين هؤلاء، معظمهم في المعارك الضارية على الجبهة جنوب حلب حول مدينة خان تومان؛ حيث قتل 16 جنديا من الحرس الثوري الإيراني في 6 مايو/ آيار ومات منذ ذلك التاريخ إلى اليوم 22 مقاتلا. كل دفعة يقدمها الحرس الثوري الإيراني وأمثاله يصحبه انتصار مؤقت لقوات بشار الأسد في مواجهة قوات المعارضة.
أمام خيبة الأمل التي منيت بها قوات النظام، تحاول إيران وحلفاؤها تدعيم قوتها في المنطقة لمواجهة القاعدة وجبهة النصرة المسيطرين على غرب سوريا أمام تراجع سيطرة تنظيم الدولة على المنطقة، كما تحاول روسيا إعادة تشكيل تدخلها في سوريا، وعلى الرغم من مساعدة الدب الروسي إلا أن طهران مجبرة على تقديم المزيد من الاستثمارات المكلفة للمحافظة على نظام الأسد.
المكسب الوحيد الذي حققته إيران منذ تدخلها في سوريا هو الجيش الشيعي المحلي الممتد من لبنان إلى العراق وفي جنوب آسيا، بالإضافة إلى تزايد القدرات العسكرية المتمثلة في امتلاك طائرات بدون طيار، بالإضافة إلى قدرات تقليدية أخرى لوحدات الحرس الثوري الإيراني.
ولدت هذه القوة من محنة سوريا، بدعم كبير من حزب الله اللبناني، والتي ستكون الأداة الرئيسية في تنامي تأثير إيران في الشرق الأوسط. بعد الحرب المدمرة بين حزب الله وإسرائيل في سنة 2006 عمل الطرفان في العقد التالي على تجنب التصعيد. ولكن تورط حزب الله في الحرب إلى جانب بشار الأسد سيجعله أكثر قوة بعد القدرات والخبرات المكتسبة في الحرب السورية.
في العراق، يحقق وكلاء إيران والمليشيات الشيعية تقدما ضد تنظيم الدولة ولكنهم عاجزون عن القضاء على تنظيم الدولة بمفردهم؛ في سوريا مثلا يعتمد الجيش الإيراني على القوات الجوية الروسية، ولكن في العراق فإن المليشيات الشيعية تعتمد على نخبة الجيش العراقي المدعومة من قبل القوات الجوية الأمريكية في حربهم ضد تنظيم الدولة، غير أن هذه الحقيقة تزعج قيادات تلك المليشيات.
الثقل الإيراني الموجود حاليا في الصراع العراقي يزيد من شعور الخوف والرعب بين العراقيين السنة على خط الجبهة في الفلوجة وغيرها، كما يزيد من تفاقم الوضع داخل المليشيات الشيعية بين تلك الأكثر وطنية مثل قوات الحشد الشعبي وسرايا السلام التي يقودها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وتلك الموالية لإيران مثل كتيبة عصائب أهل الحق.
تبدو سياسة طهران الخارجية عمياء أو عاجزة على تقديم التقييم الصحيح لما تقوم به في المنطقة ودورها في ظهور رد الفعل الطائفي والعرقي العنيف؛ فعلى الرغم من أن طهران قادرة على تجنب تورطها في دفع العراقيين السنة نحو التطرف، وعلى منع وقوع حرب داخل الصف الشيعي، مع قدرتها على إنقاذ العراق من الانهيار، إلا أنها تبدو في حالة جيدة لمواصلة تشكيل القوات العراقية والهياكل السياسية على النمط الذي هي ترضاه.
هناك سؤال آخر يفرض نفسه: ما مدى حرص القيادات الإيرانية على تصعيد التوتر مع المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج؟ على الرغم من أن كلًا من طهران والرياض تسعيان إلى تقليل التوتر في حرب اليمن، غير أن سحب البحرين بعض جنسيات رجال دين شيعة أدى إلى خروج قيادات الحرس الثوري وغيرها من القيادات عن صمتها لتقوم بتهديد البحرين وتدعو الشعب البحريني للعصيان المسلح. ولكن إن وقع هذا فستتدخل السعودية تماما مثلما فعلت في سنة 2011، وهنا لا يمكن توقع رد فعل إيران.
سبق هذا الوضع أحداث وقعت خلال الستة أشهر الأخيرة أبرزها: إعدام السعودية لرجل دين شيعي، وضع قيود تجارية على النقل البحري الإيراني، منع الإيرانيين من الحج هذا العام، الهجوم على سفارة السعودية بطهران، الكشف عن شحنات الأسلحة الإيرانية المتجهة إلى البحرين والكويت، محاولات القرصنة الدائرة حاليا بين الطرفين والحرب بالوكالة التي يخوضها الطرفان في سوريا، وحتى الآن يبدو أن كلا الجانبين لا يرغبان في التحول إلى حرب مفتوحة.
لا يمكن لإيران أن تتوقع منهج قيادة السعودية الجديدة، مع محاولة الشاب ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تقوية موقعه لخلافة والده في المستقبل، لذا فإن تغيير وزير الخارجية الإيراني الذي يتصف بميوله العدوانية ضد العرب في معاجلة الوضع بوزير يفترض أن يكون أكثر ودية إشارة واضحة على أن طهران تحاول التهرب من مواجهة الرياض وجعل التوتر يطبخ على نار هادئة.
أما في أفغانستان، فنمو خلايا تنظيم الدولة بالقرب من الحدود الغربية الإيرانية في السنة الماضية جعل طهران في حالة ترقب، ويبدو أن الحرس الثوري الإيراني يسعى إلى مد جسور التواصل مع طالبان بسبب خوضها الحرب الآن ضد تنظيم الدولة في تلك المناطق. ولكن ما يثير الشكوك حول دور إيران في أفغانستان هو مقتل قائد طالبان الملا أختار منصور، الشهر الماضي، في غارة جوية لطائرة بدون طيار أمريكية على موقعه في باكستان، بعد وقت قصير من مغادرته إيران. ومهما كان دور إيران في الوضع الأمني المتدهور في أفغانستان سوف يكون في نهاية المطاف مدفوعا بتصورات الخوف والتهديد، ولكن ليس هذا هو السبب وراء تدخلها في العراق وسوريا.
ربما أسهم الاتفاق النووي في التقليل من خطر الولايات المتحدة أو إسرائيل في ضرب إيران، ولكن خامنئي يعلم جيدا أن السنوات القادمة ستشهد تمددا أكثر للحرس الثوري الإيراني في المنطقة وأن حدودها الأمنية ستبلغ مستويات جديدة.
يأمل المرشد الأعلى في أن تتمكن إيران من إعادة الاستقرار إلى سوريا والحد من خطورة تنظيم الدولة في العراق وفي احتواء الصراع الداخلي بين الشيعة، مع مواصلة الضغط على إسرائيل وتجنب تحول الحرب الباردة مع السعودية إلى حرب حقيقية، وأخيرا يأمل في احتواء خطر المتطرفين في أفغانستان.. إن تحقق هذا فستسيطر إيران على المنطقة.
ولكن تحقيق النصر على جبهة واحدة أو أكثر قد يكون في متناول اليد، ولكن هذا أمر صعب، والمطلوب هو تحقيق انتصارات دائمة على جميع الجبهات وهي المعادلة المستحيلة.
أمريكان إنتربرايز إنستيتيوت – التقرير