شدد الكاتب والبروفيسور محمد أيوب، في مقال نشره موقع صحيفة “ناشونال انترست” الأمريكية المختصة بالشئون الدفاعية والاستراتيجية، على ضرورة انسحاب الولايات المتحدة من منطقة الشرق الأوسط لعدم وجود مبررات لذلك.
وقد أدى حادثي إطلاق نار “أورلاندو” و”سان برناردينو” إلى تقديم الكثير من الشخصيات الهامة لبعض الاقتراحات سواء القابلة للتطبيق وغير القابلة للتطبيق، وتتراوح هذه الاقتراحات ما بين منع دخول المهاجرين المسلمين إلى الولايات المتحدة إلى تشديد الرقابة على السلاح، ومع ذلك فإنه لم يسأل أحد السؤال الأساسي وهو لماذا تطورت كراهية بعض قاطني الشرق الأوسط المتطرفين تجاه الأمريكيين لدرجة أنهم يعودوا فقط مستعدين لإلحاق الضرر بالمدنيين الأبرياء، بل باتوا أيضًا مستعدين للتضحية بحياتهم من أجل هذا الغرض.
تكمن إجابة هذا السؤال في التاريخ ومدى تورط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بشكله الأوسع الممتد من تركيا إلى باكستان، وما يطلق عليه “قوس الأزمة”، وفي الأغلب تدخلت الولايات المتحدة في الجانب الخطأ من الصراعات الداخلية والإقليمية بالمنطقة، وداعمة للأنظمة الاستبدادية للإبقاء على السيطرة على المواطنين، والأهم من ذلك هو أن مدى التورط الأمريكي خاصة في الحقبة التي تلت الحرب الباردة زادت بشكل كبير المصالح الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة.
وهناك أسباب عديدة لهذا النوع من التدخل الأمريكي العميق في منطقة الشرق الأوسط بشكلها الموسع، لكن معظم هذه الأسباب الآن غير مبرر.
الأول: أصبح على سبيل العادة التشبث بأيام الحرب الباردة؛ عندما دفع التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا إلى مزيد من السياسة الخارجية الأميركية، ومع ذلك فإن هذا التدخل كان مبررًا حتى عام 1990 عندما اختفي الاتحاد السوفيتي من المشهد، واضطرت روسيا إلى تقليل وجودها في المنطقة بشكل كبير.
السبب الثاني: المستخدم لتبرير التدخل الأمريكي خاصة في منطقة الخليج الفارسي الغنية بالنفط؛ كان الاعتماد على النفط المستخرج من المنطقة، ومرة أخرى مهما كانت قوة هذه الحجة قبل عقد أو عقدين فإنها لم تعد لها قوة الآن، ووفقًا للأرقام المقدمة من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في 2014، فإن الولايات المتحدة استوردت 9.4 مليون برميل يوميًا من اثنين وثمانين دولة، استحوذت دول الخليج على 16 بالمائة فقط، وكان نصيب السعودية وحدها 11 بالمائة من إجمالي الـ16، وبالتالي لن يكون من الصعب جدًا للولايات المتحدة استبدال ما تقدمه الدول الخليجية من نفط بمصدر آخر في أسواق اليوم الممتلئة بالنفط، وفي الحقيقة فإنه نظرًا للسياسة الخارجية السعودية المتهورة خلال الأعوام الماضية، فقد قامت الرياض بجر الولايات المتحدة في صراعات غير ضرورية مثلما حدث في اليمن، وبالفعل تحولت السعودية إلى عبء ثقيل لواشنطن.
علاوة على ذلك، أدى زيادة النفوذ السعودي في المنطقة إلى ظهور شكل خبيث من التطرف الإسلامي لا يهدد فقط المنطقة بل أيضًا مصالح الولايات المتحدة بها، حيث يجب على السعودية أن تضع في اعتبارها أن أمريكا لن تغض الطرف عن دعمها للمجوعات الإسلامية المتطرفة.
إضتفة إلى ذلك، لم يعد أمن الخليج وميزان القوى في منطقتة ضمن المخاوف الأمريكية الرئيسية، خاصة أن العلاقات بين طهران وواشنطن تجرى على قدم وساق في أعقاب صفقة إيران النووية، بالإضافة إلى أن هناك فهم جديد في واشنطن يقضي بأن طهران لا تشكل خطرًا كبيرًا على المصالح الأمريكية في المنطقة، ولهذا يجب أن تُنصح السعودية بعدم الاعتماد على الدعم الأمريكي في صراعها مع إيران، وتقبل ميزان القوى الجديد في المنطقة بصدر رحب.
السبب الثالث المقدم لتبرير التدخل الأمريكي الكبير في المنطقة مرتبط بمخاوف ضمان أمن “إسرائيل”، وهي حجة عفا عنها الزمن نظرًا للتفوق العسكري الإسرائيلي الهائل على جميع جيرانها العرب، وانشغال العرب بقتل بعضهم البعض بدلاً من معالجة القضية الفلسطينية أو مواجهة إسرائيل، الانسحاب من الشرق الأوسط يعني قبل كل شيء إخراج الولايات المتحدة من مستنقع الصراع العربي الإسرائيلي، وهناك تحليلات عديدة تقول بأنه لا توجد مصالح أمريكية تدفع للتدخل في هذا الصراع، وأنه من الأفضل ترك الإسرائيليين والفلسطينيين لتدبر أمورهم مع بعضهم البعض.
غزو العراق في 2003 كان فكرة سيئة للغاية، وحتى الآن تدفع البلاد الثمن حتى هذه اللحظة، وهي نفس النتيجة التي سنحصل عليها حال التدخل دون تعقل في الحرب الأهلية في سوريا، لقد تحولت العراق وسوريا إلى دولتين فاشلتين، ولن يؤدي مزيد من التدخل الأمريكي في الهلال الخصيب إلا إلى زيادة الكراهية تجاه الولايات المتحدة بين الفصائل المتطرفة، حيث ينبغي على الولايات المتحدة التقليل من خسائرها والانسحاب من العراق وسوريا، خاصة أنه لا توجد مصالح أمريكية حيوية في هذين البلدين.
ذا ناشيونال انترست – التقرير