باتت المسألة السورية في مواجهة تطورين كبيرين، سيكون لتداعيات كل منهما شأن كبير، إن على مآلات الوضع السوري والثورة السورية، أو على مكانة الفاعلين الدوليين والإقليميين، في إطار الصراع على سوريا.
التطور الأول، ويتمثل بهذا التمايز، الذي بات علنيا وواضحا، في مواقف كل من روسيا وإيران بخصوص ما يجري في سوريا، وفي الموقف من نظام الرئيس بشار الأسد، ومن مسألة الهدن، والعملية التفاوضية؛ ففيما تبدو إيران مصرة على استمرار الأسد في السلطة إلى ما بعد المرحلة الانتقالية، باعتباره الضامن الوحيد لاستمرار نفوذها، ليس في سوريا فحسب وإنما في العراق وإيران أيضا، ثمة تسريبات جديدة تفيد بأن روسيا ليست متمسكة للنهاية بالرئيس، وأنها تفعل ذلك الآن فقط لمصلحة بقاء الدولة السورية، وتلافيا لانهيارها. ومعلوم أن روسيا تعوّل في دورها على العملية التفاوضية، في حين أن إيران تعول فقط على مشاركة ميليشياتها في الصراع إلى جانب النظام، ما يعني أنه بات ثمة فارق جوهري في مضمون مواقف هذين الطرفين؛ الروسي والإيراني، كما في اصطفافهما على الأرض، وفي هدف كل منهما لأغراض التدخل العسكري.
وقد شهدنا في الآونة الأخيرة مجموعة من الإشارات الروسية التي تفيد بالتوضيح للعالم، وضمنه للإيرانيين، بأن سوريا هذه ورقة في يد روسيا، لا في يد إيران، وأن هذه أصغر من أن تنافس روسيا في سوريا. ولعل هذا ما بدا واضحا من “فيلم حميميم”، في القاعدة البحرية الروسية على الساحل السوري، الذي ظهر فيه الرئيس الأسد وكأنه في حالة استدعاء إلى قاعدة روسية في سوريا لمقابلة وزير دفاع بلد آخر. هذا أيضا ما يمكن استنتاجه من رفع الغطاء الجوي الروسي عن الميليشيات التي تشتغل كأذرع لإيران في سوريا مثل حزب الله في مناطق حلب، وفي نفي السفير الروسي للكلام الذي صدر عن زعيم هذا الحزب حسن نصرالله بخصوص أن ثمة معركة مصيرية آتية في حلب.
التطور الثاني الذي يمكن ملاحظته أيضا، وستكون له تبعاته في المشهد السوري، يتمثل في إعادة التموضع التركي المفاجئ؛ إن لجهة عودة العلاقات الطبيعية بين تركيا وروسيا، أو لجهة تطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية، وذلك بغض النظر عن العوامل الذاتية أو الموضوعية، التي ضغطت من أجل ذلك، وأفضت إلى هذا التحول الدراماتيكي في السياسة التركية.
في هذا التطور تحاول تركيا الخروج من الضائقة التي باتت تجد نفسها فيها بسبب انعكاسات الصراع السوري عليها، وتحوله إلى عامل لزعزعة الاستقرار فيها، إن كان من مدخل العمليات الإرهابية التي نشطت في الفترة الماضية، أو من مدخل إشعال فتيل الصراع مع الأكراد، إما في داخل تركيا ذاتها، وإما في سوريا، بحكم تصدر قوات حماية قوات الشعب (الكردية) لقوات سوريا الديمقراطية، والتي بات لها دور فاعل على الأرض في إطار الجهد العسكري ضد داعش.
هكذا يقف السوريون اليوم لمراقبة تداعيات هذين التطورين المهمين، على مجريات الصراع في سوريا وعليها، بحيث يمكن القول معهما إن سوريا ستشهد، على الأرجح، معادلات سياسية جديدة، قد تمهد لتسويات قريبة تخفّف من حدة الصراع السوري، وصولا إلى إيجاد مخارج أو توافقات مناسبة، تمهد لتحقيق النقلة السياسية اللازمة لاستعادة الاستقرار في هذا البلد.
ومعنى ذلك أن هذا الاصطفاف الجديد في علاقات القوى المتصارعة على سوريا، سيعني إضعاف دور إيران، وتاليا إضعاف أهم قوة ساندت نظام الأسد، وأسهمت في وصول الأوضاع في سوريا، وفي المشرق العربي عموما، إلى ما وصلت إليه، من حال التصدع الدولي والمجتمعي. ومن شأن هذا الاستبعاد ربما أنه يوحد الجهود في اتجاه إخراج كل الميليشيات العسكرية من البلد، ووضع حدّ للصراع المسلح، أو التخفيف منه، بانتظار أن تفرض التسوية السياسية ذاتها.
ماجد كيالي
صحيفة العرب اللندنية