في فيلم “لعبة الظلال”، ينشط شرلوك هولمز وصديقه الدكتور واطسون في ملاحقة البروفيسور الشرير الذي ملأ العالم رعباً، فجّر عبوات ناسفة في فيينا وبطرسبورغ، قتل عشرات هنا وهناك، زرع الموت الغامض في كل مكان، جعل شخصياتٍ عالميةً نافذةً تتطير وتتوجس من أفعاله، عُد مسؤولاً عن موت إمبراطور صناعات الصلب في أميركا، ومالك أكبر مصانع القطن في الهند، وأكبر تجار الصين، نقل أسلحة وكدّسها في مخابئ سرية في أكثر من مدينةٍ في أوروبا، أقام اتصالاتٍ مع تجار مخدراتٍ ورجال بورصة. لكن، لم يستطع أحدٌ التعرف على حقيقته، أو حتى كشف الخيوط السرية التي تربط هذه الأحداث بعضها ببعض.
تطوّع شرلوك هولمز لهذه المهمة الصعبة، تابعه خطوةً بخطوة، لاحقه في أوروبا، لندن وباريس وبرلين وجنيف، وكلما حط في واحدةٍ عرف أنه غادرها، وكلما خيّل له أنه وصل إلى الحقيقة، عاجله البروفيسور بعمليةٍ مفاجئةٍ تربك كل خططه. لم يفقد هولمز الأمل، ولم يتوقف عن البحث، أمسك ببعض الخيوط، ثمّة مؤامرةٌ كبرى لتدمير العالم، يقودها البروفيسور الشرير، وكل ما ظهر على السطح في هذا البلد أو ذاك مجرد البداية لما قد يحدث مستقبلا. أدرك هولمز، في النهاية، أن تحدياً شريراً كهذا لا يمكن مواجهته بالسلاح المادي وحده، الحل في أن يقترن ذلك باستخدام سلاح الفكر. الأفكار وحدها يمكن أن توقف الدمار، وتهزم الشر، وأن تغير العالم.
في فيلم “لعبة الظلال” الأميركي- البريطاني الذي أنتج وعرض قبل بضع سنين نبوءةٌ بما حدث بعد ذلك، وتوصيفٌ متقنٌ لما يمكن أن تفعله عصابة إجرامية، أو منظومة إرهابية، من مكائد وشرور تعم العالم كله، وتستنزف موارده، وتقتل أعداداً كبيرة من البشر من دون أن يستطيع أحد أن يكبح جماحها أو يوقف سيلها الهادر، ربما إلى أن يقتنع رجال المجتمع النافذون أن السلاح المادي وحده لن يستطيع، مهما بلغت قدرته وفاعليته، أن يجنب العالم الدمار، وأن الأفكار وحدها هي التي تحمي المجتمعات من الشرور التي يزرعها خارجون على إرادة المجتمع.
في لعبة “داعش” الشريرة التي شغلت العالم كله، على مدى العامين المنصرمين، ما يشبه “لعبة الظلال”، فهي تحمل أكثر من عقدة، وتحوي، في طياتها، أكثر من لغز، ربما لو قدّر لشرلوك هولمز أن يسعى إلى تفكيكها وحل طلاسمها، لما استطاع، وقد يحتاج زمناً أطول، لكي يصل إلى كل الحقائق الخفية بخصوص ولادة “داعش” ونموها السريع، واستئثارها باهتمام العالم على نحوٍ لم نشهده من قبل، وفتكها بالبشر بأشكالٍ لا تدانيها حتى وحشية ما قبل قرون.
فصلها الماثل المرتبط بحرب الفلوجة، وقطعاً هو ليس فصلها الأخير، يبدو أكثر إثارة للفضول والتساؤل، فعندما بدأت الحرب، تردّد أن ثمة أسراراً ومساوماتٍ قد لا تطابق ما هو معلن من تفصيلاتٍ ووقائع يومية، وأن ثمة سعياً حثيثاً من قوى دولية وإقليمية، إلى إحداث تغيير في المعادلات ومراكز القوة، وفي حدود الدول والخرائط معاً، وما ينتج عنها ما يزال في حالة سيولة، وقد يأخذ وقتاً طويلاً قبل أن يستقر على حال الثبات.
رتل “داعش” الطويل الذي لبس “طاقية الإخفاء” قبل أن يأخذ طريقه من داخل المدينة كان مجرّد خيط لوقائع لا يُراد لها أن تكون موضع تداول الناس، في هذا الوقت على الأقل، لكنه فتح الحديث عن محادثاتٍ سريةٍ مزعومةٍ انتهت إلى انسحاب قيادات “داعشية”، وإعلان “تحرير” المدينة، وقيل إن “الرتل” حمل تلك القيادات في سيارات تراوح عددها بين سبعين إلى سبعمائة، حسب رواية هذا المسؤول أو ذاك، وسار مسافة عشرة كيلومترات، قبل أن يضربه من الجو الطيران الأميركي أو العراقي، وقيل إن القتلى كانوا “داعشيين” من جنسياتٍ عربية، وقال آخرون إن معظمهم كانوا من أبناء المدينة النازحين، وتردّد أن بعض أولئك “الداعشيين” وصلوا إلى المكان الذي أرادوه سالمين، وقُتل آخرون على يد أبناء العشائر، أو الجيش، وجاءت مجزرة الكرادة لتعيد اللعبة كلها إلى مربعها الأول.
هو فصلٌ من اللعبة الشريرة التي يُراد لها أن تتناسل، ولا يراد لها أن تنتهي فصولاً.
تطوّع شرلوك هولمز لهذه المهمة الصعبة، تابعه خطوةً بخطوة، لاحقه في أوروبا، لندن وباريس وبرلين وجنيف، وكلما حط في واحدةٍ عرف أنه غادرها، وكلما خيّل له أنه وصل إلى الحقيقة، عاجله البروفيسور بعمليةٍ مفاجئةٍ تربك كل خططه. لم يفقد هولمز الأمل، ولم يتوقف عن البحث، أمسك ببعض الخيوط، ثمّة مؤامرةٌ كبرى لتدمير العالم، يقودها البروفيسور الشرير، وكل ما ظهر على السطح في هذا البلد أو ذاك مجرد البداية لما قد يحدث مستقبلا. أدرك هولمز، في النهاية، أن تحدياً شريراً كهذا لا يمكن مواجهته بالسلاح المادي وحده، الحل في أن يقترن ذلك باستخدام سلاح الفكر. الأفكار وحدها يمكن أن توقف الدمار، وتهزم الشر، وأن تغير العالم.
في فيلم “لعبة الظلال” الأميركي- البريطاني الذي أنتج وعرض قبل بضع سنين نبوءةٌ بما حدث بعد ذلك، وتوصيفٌ متقنٌ لما يمكن أن تفعله عصابة إجرامية، أو منظومة إرهابية، من مكائد وشرور تعم العالم كله، وتستنزف موارده، وتقتل أعداداً كبيرة من البشر من دون أن يستطيع أحد أن يكبح جماحها أو يوقف سيلها الهادر، ربما إلى أن يقتنع رجال المجتمع النافذون أن السلاح المادي وحده لن يستطيع، مهما بلغت قدرته وفاعليته، أن يجنب العالم الدمار، وأن الأفكار وحدها هي التي تحمي المجتمعات من الشرور التي يزرعها خارجون على إرادة المجتمع.
في لعبة “داعش” الشريرة التي شغلت العالم كله، على مدى العامين المنصرمين، ما يشبه “لعبة الظلال”، فهي تحمل أكثر من عقدة، وتحوي، في طياتها، أكثر من لغز، ربما لو قدّر لشرلوك هولمز أن يسعى إلى تفكيكها وحل طلاسمها، لما استطاع، وقد يحتاج زمناً أطول، لكي يصل إلى كل الحقائق الخفية بخصوص ولادة “داعش” ونموها السريع، واستئثارها باهتمام العالم على نحوٍ لم نشهده من قبل، وفتكها بالبشر بأشكالٍ لا تدانيها حتى وحشية ما قبل قرون.
فصلها الماثل المرتبط بحرب الفلوجة، وقطعاً هو ليس فصلها الأخير، يبدو أكثر إثارة للفضول والتساؤل، فعندما بدأت الحرب، تردّد أن ثمة أسراراً ومساوماتٍ قد لا تطابق ما هو معلن من تفصيلاتٍ ووقائع يومية، وأن ثمة سعياً حثيثاً من قوى دولية وإقليمية، إلى إحداث تغيير في المعادلات ومراكز القوة، وفي حدود الدول والخرائط معاً، وما ينتج عنها ما يزال في حالة سيولة، وقد يأخذ وقتاً طويلاً قبل أن يستقر على حال الثبات.
رتل “داعش” الطويل الذي لبس “طاقية الإخفاء” قبل أن يأخذ طريقه من داخل المدينة كان مجرّد خيط لوقائع لا يُراد لها أن تكون موضع تداول الناس، في هذا الوقت على الأقل، لكنه فتح الحديث عن محادثاتٍ سريةٍ مزعومةٍ انتهت إلى انسحاب قيادات “داعشية”، وإعلان “تحرير” المدينة، وقيل إن “الرتل” حمل تلك القيادات في سيارات تراوح عددها بين سبعين إلى سبعمائة، حسب رواية هذا المسؤول أو ذاك، وسار مسافة عشرة كيلومترات، قبل أن يضربه من الجو الطيران الأميركي أو العراقي، وقيل إن القتلى كانوا “داعشيين” من جنسياتٍ عربية، وقال آخرون إن معظمهم كانوا من أبناء المدينة النازحين، وتردّد أن بعض أولئك “الداعشيين” وصلوا إلى المكان الذي أرادوه سالمين، وقُتل آخرون على يد أبناء العشائر، أو الجيش، وجاءت مجزرة الكرادة لتعيد اللعبة كلها إلى مربعها الأول.
هو فصلٌ من اللعبة الشريرة التي يُراد لها أن تتناسل، ولا يراد لها أن تنتهي فصولاً.
عبداللطيف السعدون
صحيفة العربي الجديد