يسلط المعارضون للحرب على العراق الضوء، في كثير من الأحيان، على أهمية النفط، عندما يشرحون أسباب الغزو. في حين نفى القادة في الوقت الحالي أن يكون النفط أحد الدوافع، وبلا شكل فحقول النفط الضخمة في البلاد تمنح الفرص الممكنة، فيما بعد الصراع، للصناعة العراقية والمؤسسات الدولية.
غير أن ما ينقص نقاشات ما بعد تقرير شيلكوت، والجدالات الدائرة، هو الشعور بالوضع الذي أصبح عليه قطاع النفط في الوقت الحالي، لذا، حتى لو كانت الحرب حقا “متعلقة بالنفط”، فهل نجحت في تحقيق تلك الدوافع؟
بالنسبة للعراقيين، فالتعامل مع تداعيات الغزو، والعمل على تنمية قطاع النفط بعد عام 2003، يماثل ما تسعى له الأمة ككل، كالطموح المبالغ فيه للاحتلال الأمريكي، والمؤسسات المضطربة وظيفيا، التي خلفوها ورائهم، والصراعات والمشاحنات الداخلية في العراق، التي قد تؤدي إلى تقسيمه.
بيد أن النفط هو محور الحاضر والمستقبل العراقي، فهو يمثل 99% من مجموع الإيرادات الحكومية، وذلك بجانب الاحتياطيات الموجودة، التي تقدر بحوالي 143 مليار برميل (الخامس على مستوى العالم)، وتشير التقديرات إلى أن هناك من 50 إلى 200 مليار برميل لم يتم اكتشافها بعد، ما يجعل العراق أكبر سوق غير مستكشفة في العالم.
وعلى مدار عقود قبل الغزو، كانت تلك الصناعة في أيدي شركات النفط الوطنية العراقية، المملوكة للدولة، وكان “النفط العربي للعرب” واحدا من الشعارات الأكثر شعبية في عهد البعث منذ (1968 – 2003)، وكان التأميم في عام 1972 هو التشريع الذي تم المطالبة به للمرة الأولى في الخمسينات.
لكن إذا كان المخططون الأمريكيون لما بعد الحرب، على بينة بهذا التاريخ، فهم يدعون جهلهم به، وبعيدا عن الشأن العراقي، فهم يخططون لفتح صناعة النفط المؤممة للمستثمرين والملاك الدوليين، ولتحقيق المصالح من وراء تحرير التجارة.
مشاكل الخصخصة
بحلول عام 2003، كانت صناعة النفط العراقية في حاجة ماسة للتجديد والتحديث، وكان المزيج من الحرب والعقوبات التي وقعت على العراق، هو الحائل بينها وبين أوجه التقدم، الذي تمتعت به تلك الصناعة في أي منطقة أخرى، خلال ربع القرن الماضي.
ورغم ذلك، وفي حين أن المعرفة الخارجية والاستثمار قد يكونا مفيدين، إلا أنه لم يكن هناك رغبة للسياسيين العراقيين أو الشعب للخصخصة، ولم يكن الاحتلال كذلك في موقف يجعله يستطيع تمرير أي إصلاح، قد يوحد جميع القوى السياسية المعارضة في البلاد.
وفي النهاية، أعلنت الحكومة التي تقودها الولايات المتحدة في سبتمبر 2003، أن الاستثمار الأجنبي كان مقبولا بالنسبة لبقية الاقتصاد، لكن ليس للقطاع النفطي، ولكن لن يعتزم المحتلون مطلقا إيجاد كيفية لإعادة بناء قطاع النفط العراقي وتوزيع ثرواته.
وقبل 2003، كانت جميع الأرباح النفطية تذهب إلى بغداد، وإمداد سلسة متوالية من الزعماء المستبدين بوسائل للحفاظ على حكمهم، وبحسب المقال (صدام حسين كان المثال الأخير والأكثر وحشية). وكان النفط هو الأكثر وفرة في المجالات الرملية العملاقة، بالقرب من البصرة في الجنوب الأكثر شعبية، وبالقرب من كركوك في الشمال الشرقي، لكن لم تتلق أي مدينة المكافآت الكاملة من نفطهم، كما تم تهميش الشيعة والأكراد في عهد صدام.
لذلك كان التوزيع العادل للثروة النفطية هو مفتاح حل الصراع في العراق، والحل الأمثل لتجنب ظهور صدام آخر. فالجميع على علم بذلك، لكن على الرغم من تلك الطموح فالحكومات التي أعقبت الاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة، أثبتت أنها غير قادرة على التوصل لتسوية عادلة.
وأشار الدستور العراقي، الذي تمت الموافقة عليه في عام 2005، إلى أن ملكية النفط تعود إلى العراقيين جميعا، لكن لم يحدد كيفية تقسيم ثرواته. وفي محاولة لتحديد كيفية توزيع الأموال، تم وضع قانون النفط والغاز الوطني، الذي ظهر في عام 2007، ومع ذلك فلاتزال جميع المسودات المختلفة تفشل في حل النزاعات بين المناطق المنتجة النفطية وغير النفطية، ولا يزال القانون في انتظار موافقة البرلمان بعد تسع سنوات.
وفي وسط كل ذلك، فالصناعة النفطية لا تزال تعامل في إطار معقد من التفسيرات المختلفة للدستور، والقوانين التي يرجع تاريخها لما قبل عام 2003، وازداد إنتاج الشركات الدولية التي دخلت للاستغلال حقول النفط التي أنشئت في محيط البصرة وكركوك، وذلك من خلال سلسة من الاتفاقات مع الجهات المختصة باستخراج التراخيص.
المشاكل القانونية لا تزال مستمرة، ولا تزال شركات النفط الأجنبية تقوم بتوظيف عدد قليل من العراقيين، والمجتمعات المحلية لا ترى أي فائدة من الوجود الدولي، كما أن الشركات العالمية مستمرة في استخدام العمال العمالة الأجنبية والشركات الأمنية من أجل الحفاظ على إنتاجها.
جدير بالذكر أن النفط يعد هدفا لتنظيم الدولة، كمورد يمكنهم الاستيلاء عليه من أجل دولتهم الوليدة، أو كصناعة يمكن تعطيلها في المناطق التي يسيطرون عليها، وكانت المنشآت النفطية في منطقة بيجي موقعا للقتال العنيف بين القوات الأمريكية وتنظيم الدولة في عامي 2014 و2015، حيث تمت مهاجمة خطوط أنابيب النفط في كثير من الأحيان، وعلى الرغم من المهام التي يتولاها القطاع، فإن الفوضى التي تحيط بصناعة النفط تعكس النتائج المضطربة التي ترتبت على الغزو.
كردستان تتمرد
هناك نهج مختلف تم اتباعه في شمال العراق، حيث قامت حكومة إقليم كردستان، التي تتمتع بحكم شبه ذاتي، بتقسيم أراضيها إلى كتل للاستكشاف، ودعوة الشركات العالمية لتوقيع عقود للمشاركة في الإنتاج، وعندما تم تقديم الاكتشافات، قامت شركات كبرى مثل اكسون موبيل وشيفرون بالمشاركة.
لكن الصعوبة التي واجهتها حكومة إقليم كردستان، هي أنه على الرغم من أنه تم اكتشاف النفط، فعدم وجود اتفاق على نطاق العراق يعني عدم وجود كيفية واضحة لتقديرها بصورة نقدية، وكانت بغداد وحكومة كردستان على خلاف لا نهاية له حول ملكية وتخصيص الميزانية. وكلما زاد الخلاف بينهما، كلما انحسر إقليم كردستان بعيدا، وقام بتوقيع اتفاقات في مجال الطاقة مع الحكومة التركية وبيع النفط في السوق الدولية.
لقد كان الحصول على النفط من كردستان مشكلة في البداية، لكن في عام 2014 انضم خط أنابيب جديد من حقول النفط الخاصة بإقليم كردستان إلى تركيا. وبالنسبة لقيادة إقليم كردستان، فالنفط هو أحد الأصول السياسية والاقتصادية الرئيسية، التي قد تقودها إلى مستقبل مستقل، على الرغم من الأزمة العالمية الأخيرة في أسعار النفط، التي تدعو للتشكيك في إمكانية تطبيق ذلك من الناحية المالية.
إن تطوير النفط في العراق بعد عام 2003، يماثل إلى حد كبير نشوء الدولة الجديدة. وصناعة النفط تعد مزيجا بين ملكية الدولة والمصالح الدولية، في حين أن الوضع القانوني الذي يعملون في إطاره، يسلط الضوء على استمرار الفشل في حل القضايا الخلافية. وتدير كردستان الجهد الفعال لتقسيم البلاد.
وفي النهاية، اجتمعت المصالح المتعارضة معا عن طريق النفط، لكن هناك عددا قليلا من القادة السياسيين، الذين يمكنهم سرد نفس الحقائق. ويتم ذلك في إطار النظام السياسي المختل الذي خلفه الاحتلال المتسرع وغير المدروس للعراق، وازداد الوضع تعقيدا بعد ظهور تنظيم الدولة في وقت لاحق. إن غزو العراق في علم 2003 قد لا يكون متعلقا بالنفط بشكل كامل، لكن لا بد من تسوية حوله إذا كان سيتم العمل على حل صراع ما بعد الغزو.
التقرير