أعلن موقع “ستراتفور” الاستخباراتي الأمريكي التنبؤ الربع سنوي الخاص به، واستحوذت منطقة الشرق الأوسط على الاهتمام، وخاصةً سوريا ودول الخليج ومصر وليبيا.
الحرب السورية تشتعل
تستمر الحرب السورية في كونها العلامة المميزة للشرق الأوسط، خلال الربع الثالث من هذا العام، وستؤثر عدة عوامل عليها مثل الطموح التركي المتزايد، والصراع بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران حول ميزان القوة في الشرق الأوسط وأزمة الهجرة الأوربية والمواجهة بين الغرب وروسيا.
وسينصب اهتمام الولايات المتحدة، خلال هذا الربع من العام على إدراج مزيد من الدول في التحالف المحارب لتنظيم الدولة، وحاولت روسيا شق طريقها في المعركة، التي تقودها الولايات المتحدة في سوريا، آملة في إجبار الولايات المتحدة على التفاوض على قضايا أوسع، وبشكل أساسي تخفيف العقوبات على روسيا في شرق أوكرانيا، والآن خضعت روسيا للطلب الأمريكي، وأعادت علاقاتها مع تركيا لتقليل احتمالات الصدام بين الجانبين، ومن المتوقع أن تقدم الولايات المتحدة اقتراح لتنسيق الجهود الأمريكية الروسية في سوريا عن طريق التوافق على قصف الأهداف الجهادية المشتركة، وتخصيص مناطق لا تخضع للقصف.
وتهدف الولايات المتحدة إلى إزالة الغموض حول مناطق المتمردين التي تعتمد عليها روسيا؛ لتبرير توسعة حملة القصف لتشمل فصائل المتمردين المعتدلين المدعومين من الولايات المتحدة، وستتعاون روسيا مع الولايات المتحدة لإبقاء الولايات المتحدة على تواصل، لكنها لن تستبعد بشكل كامل قصف المتمردين المدعومين أمريكيًا لدعم تنفيذ مطالبها لدى واشنطن.
وفي الوقت نفس ستتطور ثلاث جبهات في محافظة حلب، ففي جنوب حلب سيستمر جيش الفتح في عملياته لطرد القوات المعادية بقيادة الحرس الثوري من المنطقة، وفي الوقت الذي سيعمل فيه المجتمع الدولي على الوصول لإطلاق نار فإن المتقاتلين في المنطقة سيعملون على دعم مواقفهم قبيل أي محادثات، وفي هذه الأثناء في شمال حلب، سيستمر تنظيم الدولة في خسارة الأرض، إذ ستستغل قوات “سوريا الديمقراطية” متعددة العرقيات بالإضافة إلى القوات الموالية للنظام ضعفه في المنطقة.
وستظل تركيا تقدم قوات سوريا الديمقراطية، والتي تتضمن أكراد بين صفوفها، وستعمل مع الولايات المتحدة ووكلائها للحد من توسعة قوات حماية الشعب الكردية لمناطقها ولنفوذها في شمال حلب، ويأمل المسئولون الأتراك في أن تؤدي هذه الإجراءات إلى السيطرة على الخطر الذي تمثلة القوات الكردية على البلاد، وخاصة مع استمرار حملتها ضد متمردي حزب العمال الكردستاني في مناطقه بشمال شرق العراق.
تركيا تعطي الأولوية للأمن
وتعتزم تركيا على احتواء التوسع الكردي في الشمال السوري، والحد من الخطر الإرهابي القادم من تنظيم الدولة، إلا أن روسيا أعاقت بشكل كبير نشر تركيا لقواتها في الشمال حتى الآن، وبإيعاز من الولايات المتحدة تمت التسوية مع موسكو خلال الربع الثاني من العام.
وتحاول تركيا الآن إثارة النقاش مع روسيا بشأن تفاهمات تعطي أنقرة مساحة أكبر في أرض المعركة لدعم وكلائها من المتمردين، وستمنتنع روسيا عن التعاون الكامل كورقة ضغط على تركيا، لكنها من الممكن أن تبدأ في مفاوضات بشأن تخفيض أسعار الغاز الطبيعي لتنشيط التمويل والتخطيط لمشروع “ترك ستريم”، خط الأنابيب الذي سيحمل الغاز من روسيا إلى تركيا عبر البحر الأسود.
ومن الممكن أن يؤدي أي تصعيد في ولاية حلب إلى تدفق اللاجئين خارج سوريا، وهو ما سيؤدي إلى توتر الاتفاف بشأن وقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا، وستتمسك تركيا بالاتفاق لكنها ستستخدمه لممارسة الضغط المتزايد؛ لدفع الاتحاد الأوروبي إلى إعطاء الأتراك حرية الدخول إلى الاتحاد الأوروبي، لمنع تدخل الأوروبيين في الشأن الأمني الداخلي لتركيا، وسيتنازل الأوروبيون عن مطالبهم لصالح تركيا بغرض تسهيل إجراءات مكافحة الإرهاب.
وستخلق حالة “اللايقين” المالية بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تقلبات في سعر الليرة التركية، كما أن الخطر الإرهابي المستمر سيقلل من العائدات السياحة، وسيدفع انضمام المسلحين القادمين من شمال القوقاز ووسط آسيا إلى تنظيم الدولة تركيا إلى مزيد من التعاون الأمني والاستخباراتي مع روسيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق.
وستدفع حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان البنك المركزي إلى الاستمرار في خفض معدل الفائدة؛ لتشجيع النمو الاقتصادي، وستستغل الحكومة برئاسة رئيس الوزراء الداعم لخطة الرئيس لعمل إصلاحات دستورية لدعم نفوذ المؤسسة الرئاسية، الربع الحالي من العام لصياغة مقترحاتها بشأن الدستور الجديد.
زيادة صراع السلطة في إيران
ستحرز إيران تقدمًا تدريجيًا لفتح قطاع النفط في البلاد للمستثمرين الأجانب تحت إطار جديد لعقود العمل، ويتوقع دخول الشركات الكبرى مثل “إيني” و”رويال دتش” و”شل” و”توتال”، كما يتوقع مشاركة شركات روسية وآسيوية، ولن تحدث زيادة كبيرة في الإنتاج النفطي لإيران إلا في حال وصول استثمارات جديدة للقطاع، ومن المنتظر زيادة إنتاج النفط الإيراني خلال هذا الربع من العام، وإن كان بوتيرة أبطأ، نحو 700.000 برميل يوميًا، من الزيادة التي شهدتها إيران منذ الاتفاق النووي الإيراني.
وسيبدأ سياسيًا السباق الرئاسي الفعلي، خلال هذا الربع، وسينصب الاهتمام على لواء الحرس الثوري قاسم سليماني، وعلي لاريجاني، والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وغيرهم من المنافسين المحتملين للرئيس حسن روحاني، وفي ظل هذا الصراع سيسعى الحرس الثوري الإيراني لحماية نفوذه، وتبني سياسة خارجية أكثر حدة في المنطقة ضد خصومه من السُّنّة في دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية.
وستنصب جهود الأمن الإيراني على احتواء تصاعد أنشطة المسلحين عبر البلاد، ويتضمن ذلك المجموعات الكردية في الشمال الغربي للبلاد، والعرب الأحواز في الجنوب الغربي، والانفصاليون البالوش في الجنوب الشرقي بالقرب من باكستان، وأنشطة المسلحين في قلب البلاد، وستبقى أنشطة المسلحين في حيز يمكن السيطرة عليه، لكن طهران ستكون على استعداد، مع توقع تدخل قوى سنية مع زيادة المنافسة الإقليمية.
الدول الخليجية في انتظار انفراجة
سيستمر انتظار الدول الخليجية لزيادة أسعار النفط، وستقدم الأربعة أشهر المقبلة بعض العون للدول الخليجة بفضل الازدياد التدريجي في أسعار النفط، وبالتالي السماح باستئناف بعض المشروعات الكبرى، وستستمر الدول الخليجية في السحب من الاحتياطي النقدي؛ للحفاظ على ربط عملتها بالدولار.
وستصدر السعودية وعمان في الأغلب السندات السيادية أو سندات الدين الحكومية لزيادة رأس المال، خلال الربع الثالث، ولحماية احتياطاتها النقدية من الانخفاض أكثر من ذلك مع استمرار انخفاض أسعار النفط.
وأصدرت الإمارات وقطر ومسقط سندات سيادية، خلال الربع الثاني، وتأمل الرياض ومسقط في تحقيق نفس النجاح بالحفاظ على استقرار الاحتياطي النقدي، وفي السعودية سيمثل العبء الأكبر في “رؤية المملكة 2030” على شركات القطاع الخاص، وستقوم بحصر أصولها تمهيدًا لفترات صعبة من شأنها زعزعة استقرارها، والتي تتمثل في مبادرات تهدف إلى إحلال العمال الأجانب الذين يقومون بالمهام في العديد من القطاعات الاقتصادية المهمة بالمواطنين السعوديين، وستستمر الخلافات وتسريح العمال في صناعات حساسة مثل الإنشاءات والنفط والغاز الطبيعي.
وسيحاول السعوديون استباق تزايد الضعف الاجتماعي والأمني في دول مجلس التعاون الخليجي، وستقوم بالتدريج بالحد من نفوذ المؤسسة الدينية للتخفيف من الضغط الاجتماعي، لكن ذلك سيكون محدودا بسبب حاجتهم إلى دعم علماء الدين في استمالة المتطرفين ومنع زيادة النشاط الجهادي.
وستستأنف المفاوضات حول تسوية في اليمن بالكويت، ومن المرجح أن يقدم الحوثيون -المعارضين لقوات الرئيس عبدربه منصور المدعوم من السعودية- تنازلات فيما يتعلق بالصراع والحوار، وعلى الرغم من أنه لا يمكن الوصول إلى تسوية خلال الربع الثالث، وستبقى أرض المعركة في مناطق الوسط مشتعلة، في مآرب وشبوة وتعز، بغض النظر عما ستسفر عنه المفاوضات، وستنسحب الإمارات ببطء من العمليات، ومع طردها المسلحين من المراكز السكانية بالجنوب فإنها ستستمر في العمليات الأمنية هناك؛ لتجنب عودة ظهور تنظيم القاعدة، وستتجنب القوات الإماراتية المشاركة المباشرة في عمليات أرضية قد تتحرك في اتجاه صنعاء.
العراق يقترب من الموصل وما بعدها
أحرزت القوات العراقية مكاسب كبيرة ضد تنظيم الدولة في محافظة الأنبار، خلال الربع الأخير من العام، وفي أوائل العام استحوذت على الرمادي، ومؤخرًا استولت على الفلوجة، وخلال الربع الثالث، ستستمر القوات العراقية في عملياتها بالمحافظة، لكنها ستحول اهتمامها باتجاه الموصل، ولن يكون العراقيون جاهزين لمهاجمة الموصل بشكل مباشر، لكنهم سيطلقون العمليات التجهيزية خلال هذا الربع.
وسيمنع التركيز على العمليات ضد تنظيم الدولة من حل حكومة حيدر البغدادي، خلال هذا الربع، وستظل احتمالات الاضطرابات السياسية كبيرة، وفي الأغلب سيجدد الزعيم الشيعي مقتدى الصدر مطالباته للحكومة العراقية بتنفيذ إصلاحات لخلق مزيد من الشفافية، والتقليل من فساد الحكومة، وفي الوقت ذاته، سيستخدم الأزمات لتوسعة قاعدته السياسية، وبينما نفذت الحكومة العراقية الإصلاحات اللازمة للحصول على قرض بقيمة 5.4 مليار دولار من البنك الدولي، خلال الثلاث سنوات المقبلة، وافق المجلس فقط على صرف 634 مليون دولار.
مصر والتجهز للاضطرابات
على الرغم من الدعم الشعبي الضعيف والعلامات الواضحة في ضعف الاقتصاد المصري، فإن الرئيس عبدالفتاح السيسي –قائد الجيش- وأجهزته الأمنية سيقدرون على السيطرة على مظاهرات المعارضة خلال هذا الربع، وذلك بالرغم من توقع ازدياد المظاهرات المنددة بنقل سيادة جزيرتين إلى السعودية، وبسبب تفضيل الحكومة المصرية والنظام القضائي للاستقرار الداخلي فإنه من المرتقب أن تقر المحكمة الإداراية العليا بأحقية السعودية للجزيرتين، وسيكون للبرلمان القول الفصل في الموضوع، ولأنه يتكون بشكل أساسي من داعمي السيسي فإن في الأغلب سيصوت لصالح الصفقة، وستستمر السعودية في تقديم الدعم المالي لضمان بقاء السيسي في السلطة لإدارة التحديات الأمنية والمالية التي تواجه البلاد.
وتشعر مصر بالقلق الشديد حيال دعم أنقرة للإخوان، والآن ستقلق مصر حيال النفوذ التركي المتزايد في غزة، إذ بدأت أنقرة في شحن المساعدات إلى القطاع، في أعقاب إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وستوسع تركيا علاقاتها مع المجموعات الفلسطينية، والتي لجأت دائمًا إلى القاهرة للتوسط مع إسرائيل، وسيدفع تطبيع العلاقات بين البلدين إلى الحوار بشأن إنشاء خط أنابيب تحت البحر ينطلق من إسرائيل؛ ليصل إلى تركيا مرورًا بقبرص، ولإنجاز هذا المشروع يتوجب إزالة العقبات التشريعية في كل من إسرائيل وتركيا.
إسلاميو الأردن يتحدون
سيخرج من رحم تحالف جماعة الإخوان بالأردن، خلال هذا الربع من العام، حزب إسلامي جديد يدعو لترتيب الحكومة الأردنية، فيما يتوافق مع الأعراف المحافظة للإسلام، وينضم التحالف إلى “جبهة العمل الإسلامي”، التي أعلنت مؤخرًا نيتها لخوض السباق الانتخابي، وإنهاء ستة أعوام من المقاطعة، أو قد يعلن تحالف الإخوان خوضه للانتخابات بقائمة منفصلة، وستثير تحالفات الإخوان غضب الحكومة الأردنية التي تبذل جهودها لبث الفرقة بين الإسلاميين، بالرغم من أن إنهاء الإخوان لمقاطعتهم سيضفي الشرعية على الانتخابات القادمة، وبالرغم من الهجمات الأخيرة على الحدود الأردنية فإن الاستقرار النسبي للملكة من المتوقع أن يستمر.
البنية الهشة في ليبيا
سيستمر تحالف البنيان المرصوص -المؤلف من عدة ميليشيات من مصراتة- في دعم سيطرته على سرت، المعقل السابق لتنظيم الدولة، وسيجبر ذلك مسلحي تنظيم الدولة على إعادة ضبط تكتيكاتهم، والعمل بشكل أكبر كمجموعة إرهابية بدلًا من محاولة السيطرة وإدارة المناطق في قلب ليبيا.
وستستمر المفاوضات بين حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة والمؤسسات الليبية، مثل البنك المركزي الليبي والشركة الوطنية للبترول وهيئة الاستثمار الليبية، ولكن حكومة الوفاق الوطني ستكافح من أجل كسب الشرعية خارج طرابلس ومصراته، وسيواصل المجتمع الغربي ضغوطه على حكومة طبرق، كما سيوافق مجلس النواب على الاتفاق السياسي، وسيدعم حكومة الوفاق الوطني، لكن ليس خلال هذا الربع إلا إذا كان هناك تغير جوهري سيطرأ على الاتفاق السياسي الليبي، الذي وضع الإطار لحكومة الوفاق الليبية، ويبقى الموقف المحتمل لحكومة الوفاق الليبية تجاه اللواء خليفة حفتر، أمر مثير للخلافات.
وربما تستطيع ليبيا معاودة إنتاج النفط مرة أخرى، وجدد التحالف العسكري والسياسي بين حكومة الوفاق الوطني الليبية وجهاز “حرس المنشآت النفطية الليبية” الآمال في إعادة إنتاج الموانئ التي يسيطر عليها الجهاز على طول الساحل الأوسط، ويُعقّد تخريب تنظيم الدولة للمنشآت النفطية في الحقول والموانئ الجنوبية -قبل هروبه من هذه المناطق- جهود إعادة إحياء قطاع الطاقة، وهذا يعني أن الزيادة الكبيرة في إنتاج النفط لن تحدث في الغالب إلا بعد نهاية الربع الثالث.
ستراتفور – التقرير