تشكل حلف الناتو (حلف شمال الأطلسي)، في عام 1949، بعد توقيع معاهدة شمال الأطلسي في الولايات المتحدة الأمريكية بواشنطن.
وكانت مهمة الحلف الذي اتخذ من عاصمة بلجيكا (بروكسل) مقرًا له، حين تم تأسيسه، أن يتولى مهمة الدفاع عن غرب أوروبا، ضد تمدد الاتحاد السوفيتي، وفي مواجهة حلف وارسو بعد ذلك، في سياق الحرب الباردة.
ويتشكل حلف الناتو من 28 دولة، تساهم كل دولة منها بنصيب من المعدات العسكرية واللوجستية والجنود.
اجتماع تاريخي في وارسو
بعد 25 عامًا من حل حلف وارسو، الذي تشكل لمواجهة تهديدات الناتو، لما سمي بالمعسكر الشيوعي، اختار حلف الناتو أن يعقد قمته، منذ أيام، في شهر يوليو (تموز)، التي شهدت قرارات حازمة في مواجهة روسيا، بالعاصمة البولندية وارسو، وقد أكد الحلف على البعد التاريخي للمناسبة، حيث وجه دعوة عشاء في نفس الغرفة التي تم التوقيع فيها على القانون التأسيسي لحلف وارسو المنحل.
وخلال قمة وارسو التاريخية، اتخذ الناتو قرارًا جريئًا في مواجهة روسيا، حيث أعلن أنه سيحرك أربع كتائب تحتوي على حوالي أربعة آلاف جندي لشمال شرق أوروبا، لإبداء استعداد الحلف للدفاع عن الدول المنتمية له في شرق القارة العجوز، لمواجهة أي عدوان روسي محتمل.
وستشارك الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وكندا، بالعدد الأكبر من عناصر تلك الكتائب.
ويُعتبر نشر الحلف لقوات عسكرية في شرق بولندا والبلطيق، بمثابة تصعيد جديد من نوعه، حيث تعتبر روسيا أن تلك المناطق الشرقية الواقعة على أبوابها جزء لا يتجزأ من مناطق نفوذها التاريخية.
ويأتي هذا على خلفية توتر علاقات الحلف مع روسيا، بسبب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014، حيث أعلن نائب مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، بن رودس، قبل كلمة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في القمة، أن «العدوان المستمر من قبل روسيا، سيستدعي ردًا من الحلف، وتكثيف وجوده في شرق القارة الأوروبية».
بالإضافة إلى أن بولندا، وهي الدولة التي تستضيف عاصمتها هذه القمة، قد أعلنت عن تشكيكها في النوايا الروسية، على لسان وزير خارجيتها فيتولد فاشاكوفسكي، حين قال: «علينا أن نرفض أي نوع من التمني فيما يتصل بالتعاون البراجماتي مع روسيا، مادامت تواصل غزو جيرانها».
وأكد يانس ستولتنبرج، الأمين العام لحلف الأطلسي، أن تلك الكتائب التي سيدفع بها الناتو تجاه شرق أوروبا، ستتميز بالقوة، وستكون متعددة الجنسيات، وأن المقصود من تواجدها بشرق أوروبا، هو إبراز تأكيد الحلف على أن أي هجوم ستتعرض له دولة منه، سيعني هجومًا على هذا الحلف بأكمله.
وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أثناء إلقائه لكلمته بالقمة المنعقدة في وارسو، أن الولايات المتحدة، ستنشر حوالي ألف جندي على الأراضي البولندية، في إطار خطتها لتحسين تواجدها كقوة ردع، في بلاد وسط وشرق أوروبا.
وبالإضافة إلى التوصل لقرار نشر القوات العسكرية، في المناطق التي تعتبرها روسيا مناطق نفوذها التاريخية، أعلن الحلف على لسان أحد مسؤوليه، أنه سيقوم بقيادة منظومة الدفاع الصاروخي، التي أقامتها الولايات المتحدة في القارة الأوروبية.
ويعد الناتو تلك الدرع الصاروخية، بمثابة وقاية ستقوم بالتصدي لأي هجوم من أي دولة معتدية، وأنها دعم عسكري أمريكي مهم لأوروبا، في حين ترى روسيا أن هذا الدرع، موجه لها بشكل أساسي.
وبالإضافة إلى تأكيد القادة في هذه القمة، على الاتحاد في مواجهة المخاطر الروسية، مع تأكيد يانس ستولتنبرج، الأمين العام لحلف الأطلنطي في وارسو، على أن روسيا لا تشكل تهديدًا للحلف، ولا تمثل أيضًا شريكًا استراتيجيًا، أعلن الحلف أيضًا عن تطوير التعاون مع أوكرانيا، وعن زيادة المساعدات المقدمة لأفغانستان لتصل إلى مليار دولار سنويًا، من أجل دعم الجيش الأفغاني.
تداعيات القمة التاريخية
«إننا في وضع جديد مختلف عن كل ما عرفناه من قبل» – يانس ستولتنبرج، الأمين العام لحلف الناتو، واصفًا واقع العلاقات الآن بين روسيا والغرب.
افتتح المنظمون قمة وارسو، في يوم الجمعة الموافق 8 يوليو (تموز) الجاري، وكانوا قد حضروا لتلك القمة، كما لم يفعلوا منذ عقدين على الأقل من الزمن، فها قد ظهر عدو واضح جديد، لأعضاء الحلف، الذين ظلوا يحتفلون منذ تفكك الاتحاد السوفيتي بانتهاء عصر الأعداء الكبار والتهديدات الصارخة.
وفي نفس العاصمة التي ارتبط اسمها دائمًا بالكتلة الشرقية وحلفها العسكري، ظهر بقوة أن الجنرالات والمجمع الصناعي العسكري في الغرب، قد نجحوا بشدة، في استغلال ما سمي بالعدوان الروسي منذ عامين على شبه جزيرة القرم، لإقناع السياسيين في بلادهم بضرورة زيادة الإنفاق العسكري، وزيادة الإنفاق على المنظومات الدفاعية العسكرية، للرد على تهديدات الصواريخ التي قد تستهدف الدول الأعضاء بالحلف، ومصالحها.
مع العلم أن عديدًا من الانتقادات الشعبية قد وجهت للغرب أثناء العقدين الماضيين، فيما يخص خطته الأساسية آنذاك بالحرب على الإرهاب، التي رأى العديد من الخبراء أن الغرب قد فشل فيها عسكريًا وسياسيًا.
وفي إطار التحول الجديد، الذي تم الإعلان عنه في قمة وارسو، بشأن التعامل مع روسيا، أعلن الأمين العام السابق لحلف الناتو، فوج راسموسين، أن: «على الحلفاء في الناتو أن يتخذوا قرارًا، بشأن نقل الجزء الأكبر من قوات ومعدات الحلف إلى البلدان الشرقية في أوروبا، على الحدود الروسية».
ويتوقع المحللون أن أكثر النقاط التي ستصبح مزعجة لروسيا، جراء اجتماع وارسو، هو إعطاء الحلف الضوء الأخضر لبدء العمل في الدرع الصاروخية بأوروبا، حيث بات هذا الدرع ممتلكًا للقدرة الأولية على العمل، وقد أعلن يانس ستلوتنبرج الأمين العام للحلف صراحًة، أن الدرع الممتد في تركيا ورومانيا وإسبانيا، أصبح قادرًا على العمل تحت قيادة وإشراف الحلف.
وأكد أعضاء الحلف، أثناء قمتهم في وارسو، أنهم توافقوا على تقوية علاقات التعاون بين دول الاتحاد الأوروبي، فيما يخص تبادل المعلومات المخابراتية، إلى جانب تزويد حلف الناتو بطائرات بدون طيار، يكون مقرها صقلية، وأن يدعم الحلف بمعلوماته الاستخباراتية العمليات البحرية التي ينفذها الاتحاد الأوروبي، ضد تهريب المهاجرين القادمين من دول الجنوب، وتجارة الأسلحة في البحر المتوسط.
وليس متوقعًا، أن تمر قرارات هذا الاجتماع بهدوء على الجانب الروسي، فقد حذر سفير روسيا لدى الناتو، ألكسندر جروشكو، حتى قبل عقد القمة، من أن الحلف يتبنى أجندة تصادمية مع بلاده، وأن روسيا بالطبع سوف تتخذ إجراءات عسكرية مضادة من جانبها، لقرارات الناتو المتوقعة.
في المقابل، ورغم تأكيده على أن ما سترسمه قمة وارسو من استراتيجيات، سيكون له أثر قوي على شكل الحياة خلال العشرين عامًا المقبلة، لكن هاينريش برواس، الأمين العام المساعد بحلف الناتو لشؤون سياسات الدفاع والتخطيط للقوات المسلحة، قد عاد وأكد في تصريح واضح لوسائل الإعلام الألمانية: «أن روسيا ليس لديها سبب للشكوى أو الشعور بالذعر، فالوحدات الدولية الأربع، لا تشكل تهديدًا لروسيا، فهم مجرد بضعة آلاف من الرجال مقابل عشرات الآلف من الجيش الروسي. قواتنا لديها مهام دفاعية وردعية بحتة، وذلك لإظهار أنه في حالة أي تهديد أو هجوم عسكري روسي، ستجد روسيا نفسها على الفور في مواجهة مع حلف شمال الأطلسي بأكمله».
والواقع أن روسيا، التي يتوقع المحللون أن ترد على قرارات وارسو في الأيام القادمة، لن تكون وحدها في خندق المعارضة للناتو، فقد أدان الحزب الشيوعي اليوناني قمة وارسو.
وأكّد أنها تثبت بحسب تعبيره، الدور الإجرامي للإمبراطورية الإمبريالية، كما ندد بوضوح بتشغيل الدرع الصاروخية المدعومة بقواعد برية في كل من رومانيا و بولندا، والتعزيزات العسكرية البحرية من قبل الناتو، القادرة على استخدام الأسلحة النووية. وستكشف الأيام القادمة عن مستقبل الصراع بين روسيا والغرب، الذي رسمته قمة وارسو بقراراتها.
نقلا عن موقع ساسة بوست