لم أثق بوجود الخطة «ب» رغم كثرة الحديث عنها، وتحديد موعدها في شهر أغسطس القادم، ولكن حالة الغموض التي رافقت اتفاق الولايات المتحدة وروسيا (الأخير) وعرضه على الاتحاد الأوروبي يعيد إلى الأذهان ما قيل عنها. وقد قرأت ما نشر في الصحافة عن الاتفاقية الجديدة التي سرعان ما كشفت الأحداث المأساوية ملامحها فيما حدث من مجازر مريعة في منبج ثم في الأتارب، وبعدهما إدلب التي ستكون ساحة مجازر يومية لكونها تخضع عسكرياً لـ«جبهة النصرة»، مع «جيش الفتح».
وتبدو «جبهة النصرة» مصرّة على ارتباطها بـ«القاعدة» رغم كل النصائح التي وجهت إليها كيلا تكون إدلب هدفاً لعمليات التحالف الدولي، وسبباً في تعرض مئات الآلاف من المواطنين للخطر ممن يسكنون في هذه المحافظة المتاخمة للحدود مع تركيا، والتي تقدر مساحتها بأكثر من نصف مساحة لبنان، والغالبية العظمى من سكانها مسلمون سُنة، مع وجود قرى صغيرة شيعية وأخرى درزية ومسيحية وعلوية عاشت منسجمة آمنة مع محيطها قروناً دون حدوث أية مشكلات قبل أن تهب رياح الطائفية المدمرة.
ويرتاب السوريون في أن تنظيم «داعش» صناعة خارجية محضة هدفها تشويه صورة الإسلام وتقديمه دين عنف وقتل ورعب وإرهاب، كما يرتابون في الصمت الدولي على نمو هذه «الدولة» السنية الدينية المزعومة التي تحارب أهل السنة أكثر مما تحارب سواهم، ومنحها فرصة التمكن منذ أن احتلت الرقة إلى أن تمكنت بطريقة مثيرة للأسئلة من احتلال الموصل، كما كان خروج قواتها من الحجر الأسود في دمشق براياتهم السوداء مثار تساؤلات أيضاً، فضلاً عن العقود النفطية وعن استلام تدمر وهدم آثارها وصولاً إلى إعادة تسليمها والخروج منها وتمددها إلى «الضمير» بوابة دمشق عبر طرق صحراوية آمنة من أية ملاحقة أو قصف جوي.
وقد أشرت مرات إلى ما طلبته روسيا حين قصفت العديد من الأحياء السكنية في سوريا وكان الضحايا أطفالاً ونساء مما جعل صورتها سوداء، فاقترحت حلاً غير منطقي، هو إبعاد المواطنين والفصائل المعتدلة عن «جبهة النصرة»، والمفارقة أن العالم لم يوافق سابقاً على اقتراح تركيا بإنشاء منطقة آمنة يلجأ إليها السكان، فقد رفضت الولايات المتحدة وروسيا هذا المقترح، بل إن روسيا طالبت بإغلاق حدود سوريا مع تركيا، وحين تصاعد القصف الروسي دعماً للنظام وحلفائه وصار عدد الضحايا المدنيين ضخماً واستخدمت فيه أسلحة محرمة دولياً، بتنا أكثر حاجة إلى مناطق آمنة واقترحت إقامتها بعيداً عن الحدود التركية حيث يمكن أن تكون بين إدلب وحماه فالناس لا يعرفون إلى أين يلجؤون حين يسمعون دوي الطائرات القادمة لقتلهم وتدمير مساكنهم، والحدود التركية مغلقة أمامهم، والعبور تهريباً قد يكلفهم حياتهم، ولا يملكون غير الفزع والرعب وهم لا يعرفون من منهم سيودع الحياة بعد لحظات.
ونحن في الهيئة العليا للمفاوضات وجهنا رسالة إلى بان كيمون نطالبه فيها بالتدخل الدولي لحماية المدنيين، فهم الذين يشعرون أنهم مهددون بالإبادة، وإذا كان بوسع المقاتلين أن يلجؤوا إلى الجبال المحيطة وإلى مواقع يأمنون فيها فإن سكان المدن والأرياف من النساء والأطفال والمسنين والمرضى والعجزة سيكونون هم الأهداف العسكرية كما حدث ويحدث كل يوم.
ولئن كان الاتفاق الروسي الأميركي يبشر السوريين بجدية بدء مفاوضات تفضي إلى هيئة حكم انتقالي وبنهاية دور الأسد في المستقبل فإن الدم الذي ستغرق فيه سوريا تحت يافطة مكافحة الإرهاب لن يسمح للمفاوضات بأن تستمر لأنها تحتاج إلى بيئة شعبية داعمة، ولن يتحقق ذلك مع هدير الطائرات وأصوات الانفجارات ورائحة الجثث المتراكمة تحت الأنقاض، وهذا ما يعرفه النظام وحلفاؤه حيث يصعدون هجماتهم على المواطنين مع بدء كل جولة تفاوضية لإفشالها.
وربما تكون الولايات المتحدة تريد إنجازاً سريعاً بالقضاء على الإرهاب في سوريا قبل رحيل أوباما، ولكن الثمن الذي سيدفعه الشعب السوري سيكون باهظاً وسرعان ما سيتحول عالمياً إلى إدانة دولية لإبادة ممنهجة سيكون ضحاياها أهل السنة بالضرورة.
ينبغي أن تدرس عملية مكافحة الإرهاب ضمن خطة ناضجة لحماية المدنيين، وأن تسعى الدول المعنية إلى إنهاء الملف الأخطر وهو الحل السياسي الذي سينهي مأساة وفواجع السوريين وسيتيح للشعب أن يتنفس الحرية بعد ست سنوات عجاف، وعندها ستتحول قضيته إلى مكافحة الإرهاب وإعادة الإعمار، ولا بد أن توكل المهمة إلى المجلس العسكري الذي يفترض أن تشكله هيئة الحكم الانتقالي التي تؤول إليها الصلاحيات التنفيذية دون أن يكون للأسد دور فيها.
رياض نعسان آغا
صحيفة الاتحاد