الاتجاهات العامة لأساسيات العرض والطلب تشير إلى أن أسواق النفط تقترب من تحقيق التوازن، ولكن هذا التوازن على ما يبدو زائف. في هذه الحالة، ارتفاع إنتاج دول “أوبك” إلى مستويات قياسية، تزايد شبح تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، واستمرار مخزون المنتجات الكبير يضغط على أسعار النفط. لذا تحقيق إعادة توازن حقيقي لأسواق النفط قد يستغرق بعض الوقت.
في هذا العام، العرض والطلب بدأ يتحول من فائض حاد إلى حالة التوازن. الإمدادات من خارج “أوبك” انخفضت بنحو 800 ألف برميل في اليوم في المتوسط للفترة من كانون الثاني (يناير) إلى حزيران (يونيو) 2016 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. واستجابة الطلب على النفط لانخفاض الأسعار قد كان حتى أكثر وضوحا. على سبيل المثال، في النصف الأول من عام 2016، كان استهلاك النفط أعلى بنحو مليوني برميل في اليوم على أساس سنوي. كما أن تعطل بعض مصادر الإمدادات كان جزءا من إعادة التوازن. حرائق الغابات في ألبرتا حجبت نحو 1.2 مليون برميل في اليوم من الإنتاج الكندي في أيار (مايو). في حين أن الهجمات على البنية التحتية في نيجيريا أدت إلى تراجع إنتاجها إلى ما دون 1.7 مليون برميل في اليوم، وهذا أدنى مستوى منذ ما يقرب من عقدين من الزمن.
وفقا لمعظم التقديرات، تجاوزت إمدادات النفط العالمية الطلب بنحو 300 ألف برميل في اليوم فقط في الربع الثاني من هذا العام، وهذا الرقم بعيد كل البعد عن فائض الإمدادات في الربعين الأول والثاني من عام 2015 الذي تجاوز ثلاثة ملايين برميل في اليوم.
وفي المتوسط، بلغ فائض الإمدادات العالمي 2.5 مليون برميل في اليوم في 15 شهرا من بداية العام الماضي وحتى نهاية آذار (مارس) من هذا العام، على الرغم من الارتفاع الكبير في الطلب الذي بلغ في المتوسط 1.5 مليون برميل في اليوم في العام الماضي. لكن انخفاض أسعار النفط وتراجع الإنفاق على مشاريع المنبع (الأستخراجية) قد بدأ أخيرا بخفض الإمدادات من خارج “أوبك”، في حين استمر الطلب في النمو، حيث ارتفع بنحو 2.2 في المائة في الربع الثاني. التوقعات الحالية للنصف الثاني من هذا العام تُظهر تقريبا توازن أسواق النفط.
لكن الرياح الاقتصادية المعاكسة تزداد قوة. تصويت المملكة المتحدة في الـ 23 من حزيران (يونيو) على مغادرة الاتحاد الأوروبي زاد من عدم اليقين في الأسواق المالية وأدى إلى انخفاض توقعات النمو. في هذا الجانب، خفض صندوق النقد الدولي من توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي بنسبة 0.1 نقطة مئوية لعامي 2016 و2017. في حين كان يستعد لإبقاء توقعاته دون تغيير لهذا العام وتعديل توقعاته صعودا بنسبة 0.1 نقطة مئوية لعام 2017 قبل التصويت. توقعات النمو الاقتصادي للمملكة المتحدة خفضت بنسبة 0.2 نقطة مئوية إلى 1.7 في المائة لهذا العام وبما يقرب من نقطة مئوية واحدة إلى 1.3 في المائة للعام القادم. في حين قام الصندوق بتنقيح توقعات منطقة اليورو صعودا بنسبة 0.1 نقطة مئوية إلى 1.6 في المائة لهذا العام ـــ ولكن الصندوق كان سيعدل التوقعات أعلى من دون الشكوك التي خلفها التصويت على خروج المملكة المتحدة من الاتحاد.
في هذا الجانب، يشير الصندوق في أحدث تقرير له للتوقعات الاقتصادية العالمية إلى أن نتائج التصويت في المملكة المتحدة، الذي فاجأ الأسواق المالية العالمية، أدى إلى إثارة مخاطر هبوطية على الاقتصاد العالمي. تقرير الصندوق هذا يعد الأساس لكثير من توقعات أسواق النفط، وكرد فعل من المرجح أن تخفض وكالة الطاقة الدولية توقعاتها لنمو الطلب في تقرير الشهر المقبل. بصورة عامة، من المتوقع أن يتباطأ نمو الطلب العالمي على النفط في النصف الثاني من هذا العام إلى دون 1.2 مليون برميل في اليوم على أساس سنوي، بانخفاض من 1.8 مليون برميل في اليوم في النصف الأول.
من ناحية الإمدادات، الإنتاج من خارج “أوبك” في انخفاض، نتيجة الضغوط من خفض الإنفاق على مشاريع المنبع. في حزيران (يونيو)، كان الإنتاج من خارج “أوبك” أقل بنحو 1.5 مليون برميل في اليوم مما كان عليه في الشهر نفسه من العام الماضي، يمثل النفط الصخري في الولايات المتحدة نحو ثلث هذا الرقم. لقد انخفض إجمالي إنتاج الولايات المتحدة إلى دون 8.7 مليون برميل في اليوم للمرة الأولى منذ عامين. إنتاج النفط من تشكيلات النفط الصخري السبعة، الذي يوثقه تقرير إنتاجية الحفر لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، مستمر في الانكماش، حيث إن إنتاج الآبار الجديدة لا يرقى إلى مستوى الانخفاض من الآبار القديمة. في حزيران (يونيو)، كان الإنتاج من التشكيلات السبعة أقل بنحو 600 ألف برميل في اليوم من الشهر نفسه من العام الماضي. لكن الزيادة الكبيرة في إنتاج أوبك دعمت إمدادات النفط العالمية، وعززت توازن الأسواق لمصلحة العرض. في حزيران (يونيو)، أنتجت دول “أوبك” الـ 13 ـــ عدا الجابون، التي عادت إلى المنظمة في الشهر الماضي ـــ تقريبا 33 مليون برميل في اليوم، وهو أعلى مستوى لهذه المجموعة من الأعضاء من أي وقت مضى. حيث تسعى السعودية، إيران والعراق إلى تعزيز حصصها السوقية مع تراجع الإنتاج من خارج “أوبك”.
لكن على ما يبدو أن مخزونات المنتجات العالية هي العامل الأكبر الذي يضغط على أسواق النفط. على مدى 12 شهرا الماضية فائض مخزون النفط الخام بدأ يتحرك باتجاه المنتجات، مدعوما بهوامش التكرير العالية. في العام الماضي، معدل تشغيل المصافي ارتفع بنحو 3 في المائة، على الرغم من أن الطلب ارتفع 2 في المائة فقط. وكانت النتيجة بناء حاد في مخزونات المنتجات. حيث إن نواتج التقطير المتوسطة ذهبت إلى الخزانات بعد شتاء معتدل في نصف الكرة الشمالي. ومخزونات البنزين الآن ـــ التي بنيت لتفادي تكرار نقص الأوكتان العالمي الذي شهده عام 2015 ـــ وصلت إلى مستويات أعلى من بداية العام، ما أدى إلى انكماش هوامش الأرباح. في الوقت الحاضر تقوم المصافي بخفض معدلات التشغيل، وعملية إعادة التوازن المعقدة قد دفعت قليلا إلى الأمام.
* نقلا عن صحيفة ” الاقتصادية ”