أقدم الانقلابيون في اليمن يوم الخميس الماضي على خطوة جديدة أمعنوا فيها في العبث بالشرعية، فقد وقّع حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح اتفاقاً مع الحوثيين لتشكيل مجلس سياسي أعلى لإدارة البلاد يتكون من عشرين عضواً نصفهم من أعضاء المؤتمر وحلفائه ونصفهم من الحوثيين على أن تكون رئاسة المجلس دورية بين الطرفين وكذلك الحال في منصب نائب الرئيس! ويهدف المجلس إلى توحيد الجهود إلى ما سماه الاتفاق «إدارة شئون البلاد» من كل جوانبها وفقاً للدستور، وهو ما يتشدق به بزعم أن إنشاء هذا المجلس يعني تمسكهم بـ«الشرعية الدستورية»! وهو استخفاف بالعقول، لأن البند الأول في الإعلان الدستوري للحوثيين في فبراير 2015 الذي وضع كل السلطات في أيديهم كان ينص بدوره على استمرار العمل بأحكام الدستور!
لم نكن بحاجة إلى هذا الاتفاق للتأكد من تواطؤ صالح مع الحوثيين في الانقلاب على الشرعية ولكن صالح وزمرته كانوا ينفون هذا التواطؤ ويزعمون أن ما حدث كان تطوراً طبيعياً لا يد لهم فيه، وأن تحالفهم مع الحوثيين إنما كان بهدف الدفاع عن الوطن ضد ما يسمونه بـ«العدوان الخارجي»، وها هو الاتفاق الأخير يؤكد قانوناً ما كانت مؤشرات الواقع دامغةً على صحته.
أجمعت كل الأطراف، عدا الانقلابيين وأنصارهم، على أن الاتفاق قد مثل ضربة قاصمة لجهود السلام، وأنه أصلاً يناقض قرار مجلس الأمن رقم 2216 الذي يدين الخطوات الأحادية للحوثيين، ولذلك لم يتردد المبعوث الأممي لليمن في أن يصرح بأن الاتفاق يشكل انتهاكاً قوياً للقرار الذي يطالب جميع الأطراف اليمنية لا سيما الحوثيين بالامتناع عن اتخاذ المزيد من الإجراءات الانفرادية التي يمكن أن تقوض عملية الانتقال السياسي في اليمن.
يثير توقيت هذا الاتفاق دون شك علامات استفهام قوية، وأغامر بالقول إنه يعكس إحساساً ولو نسبياً بالضعف من قبل الحوثيين، فلا شك أن عاصفة الحزم قد كبدتهم خسائر فادحة وإن لم تقضِ بعد على أملهم في الانتصار لعل تفككاً يحدث في جبهة خصومهم أو تحولاً إقليمياً أو دولياً يحدث لصالحهم، ولعلهم أيضاً يشعرون بأن ثمة نقلة نوعية محتملة في العمليات العسكرية من جانب التحالف العربي ومن هنا وجب تعزيز التحالف مع صالح، ودليلي في ما أقول هو المقارنة بين إعلانهم الدستوري في فبراير 2015 وهذا الاتفاق الأخير! وكان إعلان فبراير قد وضع في يدهم كل السلطات بالنص على قيامهم بتشكيل مجلس وطني من 551 عضواً يقوم بانتخاب مجلس رئاسي خماسي، وهذا كله تحت إشراف اللجنة الثورية العليا للحوثيين، أما الاتفاق فيقوم كما رأينا على مبدأ المناصفة الذي يشير إلى تضاؤل وزنهم النسبي في معادلة الانقلاب، فماذا نحن فاعلون؟
لعله قد آن الأوان لإحداث نقلة نوعية في النهج التفاوضي لأصحاب الشرعية، والواقع أنني لم أكن أتفهم سلوكهم التفاوضي السابق، فالمفروض أن يكون الغرض الوحيد من المفاوضات هو تنفيذ القرار 2216 الذي يطالب بالإضافة إلى فرض العقوبات على رموز الحوثيين وصالح وزمرته ومنع توريد السلاح لهم والسماح بتفتيش الشحنات المتجهة إلى اليمن للتأكد من ذلك… يطالب كذلك الحوثيين بسحب قواتهم من المناطق التي فرضوا سيطرتهم عليها بما فيها صنعاء، وتسليم أسلحة الدولة التي استولوا عليها. وكان الحق الوحيد الذي يمكن أن يُسمح به للحوثيين وصالح هو تقديم ضمانات لهم للحفاظ على حقهم في أن يبقوا قوةً سياسيةً يمنيةً تشارك في صناعة مستقبل اليمن حسب وزنها السياسي من خلال آلية ديموقراطية وفق مخرجات الحوار الوطني اليمني. ويمكن أن تكون هذه الضمانات دولية بما في ذلك تسليم الأسلحة لقوات حفظ سلام أممية بدلاً من الحكومة الشرعية كنوع من الضمانة لهم. ولذلك فإنه لا بد، كما سبقت الإشارة، من نقلة نوعية في النهج التفاوضي لأصحاب الشرعية على هذا الأساس الواضح، فضلاً عن حديث القوة للأسف التي يبدو أن الانقلابيين لا يفهمون غيرها.
أحمد يوسف أحمد
صحيفة الاتحاد