حذرت «مجموعة العشرين» من أربعة أخطار تهدد استقرار الاقتصاد العالمي، هي تداعيات قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي، التحديات الاقتصادية في الصين بعد تراجع النمو وهبوط سوق الأسهم، التوترات الجيوسياسية في العالم وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، والعمليات الإرهابية التي حصلت في مناطق عدة بخاصة في دول أوروبية وبعض أنحاء الولايات المتحدة.
بالنسبة الى خروج بريطانيا، فقد وجهت المجموعة التي عقدت اجتماعاتها على مستوى وزراء المال وحكام المصارف المركزية في 24 تموز (يوليو) الماضي في مدينة شينغدو في جنوب الصين، «رسالة مطمئنة» في بيانها الختامي، أكدت فيها أن دول الاتحاد الأوروبي في موقع جيد للتصدي في شكل فاعل لأي تبعات اقتصادية ومالية لهذا القرار. أما بالنسبة الى مشكلة تباطؤ الاقتصاد الصيني، وهو ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر دولة مستهلكة للسلع الأولية، فإن ترتيبها في لائحة الأخطار التي تهدد الاقتصاد العالمي تراجع الى المقعد الخلفي.
تبقى أخطار التوترات الجيوسياسية وتنامي عمليات الإرهاب، الأكبر تأثيراً في مسيرة نمو الاقتصاد العالمي. وجاء في البيان الختامي لمجموعة العشرين: «في معزل عن المسألة البريطانية، لا تزال أخطار شديدة قائمة (…) «تبقى التقلبات في الوضع المالي شديدة، في حين لا تزال النزاعات الجيوسياسية والإرهاب وموجة المهاجرين، تزيد البيئة الاقتصادية تعقيداً»، ووصف الإنعاش الاقتصادي بأنه «أضعف مما كنا نأمل».
في هذا المجال، لوحظ أن مؤسسة «أي آي يو» صنّفت الأخطار الأمنية والسياسية، على أنها الأكثر خطراً على الاقتصاد العالمي، والتي قد تؤثر في نموه في السنتين المقبلتين، في ظل التحديات التي يواجهها. وصنفت المؤسسة هذه الأخطار بأن لها تأثيراً في الاقتصاد العالمي وفقاً لمستوى الخطر ومدى تبعاته.
وإذا كانت أخطار التوترات السياسية والإرهاب بدأت في البلدان الصغيرة والفقيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ثم انتقلت الى بعض البلدان الاقتصادية الكبرى والغنية في أوروبا والولايات المتحدة، فقد أكدت البيانات والإحصاءات أن للإرهاب الدولي بصفته أوضح الصور لانعدام الأمن الاقتصادي، آثاراً سلبية متعددة وواسعة وعابرة للحدود الدولية. وأكبر دليل على ذلك، أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 وتداعياتها التي استمرت آثارها السلبية في السنوات التالية، حتى أنها ساهمت في الأزمة المالية العالمية عام 2008.
وبلغة الأرقام، ففي الفترة بين 11 أيلول 2001 الى 11 أيلول 2002، انهارت وأفلست مجموعة كبيرة من الشركات الأميركية قدرت بـ60 ألف شركة، وتم تسريح ما لا يقل عن 140 ألف عامل أميركي في الفترة ذاتها. وسجلت معدلات العجز في الموازنات العامة خلال عام 2002، أرقاماً قياسية في مقابل 2001 بسبب اختلال الاستقرار السياسي والاقتصادي الدولي.
وشملت الانعكاسات السلبية معظم دول العالم وفقاً لمجموعاتها الاقتصادية، إذ ارتفع العجز المالي بالنسبة الى الناتج المحلي الإجمالي من عام 2001 الى 2002، كالآتي:
دول الاقتصادات المتقدمة الرئيسة من 2 في المئة الى 3.7 في المئة، دول الاتحاد الأوروبي من 1 الى 1.9 في المئة، منطقة اليورو من 1.5 الى 2.2 في المئة، فالاقتصادات المتقدمة من 1.6 الى 3.1 في المئة.
ومع تنامي عمليات الإرهاب وتنوعها منذ العام 2014، يحاول الاقتصاد العالمي تخفيف حدة التباطؤ الناتج من ضعف الطلب وتأثير التوترات الجيوسياسية، وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي، واعتبر أن النزاعات المحلية المسلّحة، والإرهاب، تحظى بأثر كبير في التوقع لاقتصادات عدة، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط حيث تؤدي هذه العوامل الى «انعكاسات عبر الحدود».
في الواقع ، دفع الخوف من القتل أو التعذيب والقمع في سورية ومناطق نزاع أخرى (وفقاً لتقرير من «هيومن رايتس ووتش») الملايين الى الهجرة من ديارهم، وأدى الخوف من تبعات تدفق طالبي اللجوء على المجتمعات الأوروبية، بحكومات أوروبية عدة الى إغلاق أبوابها، وكذلك دفع الخوف من تزايد الهجمات الإرهابية بعض القادة السياسيين الى تقييد الحقوق والتضحية باللاجئين أو المسلمين، ثم الخوف من محاسبة الشعوب، ما دفع كثراً من الحكام المستبدين الى البدء بحملة غير مسبوقة على مستوى العالم، استهدفت قدرة هذه الشعوب على الاتحاد وتوصيل أصواتها. وهناك مليون طالب لجوء (وفقاً للتقديرات) هربوا الى أوروبا بحراً خلال عام 2015، من بين أكثر من 60 مليوناً أصبحوا في عداد النازحين نتيجة الحرب أو الاضطهاد، وهو أعلى عدد للمهجرين منذ الحرب العالمية الثانية.
لا شك في أن انشغال أوروبا الكبير باللاجئين الجدد كتهديد إرهابي محتمل، هو تشتيت خطير عن التطرف العنيف الذي ينمو داخل أوروبا نفسها، بما أن مهاجمي باريس كانوا في غالبيتهم مواطنين بلجيكيين أو فرنسيين. كما أن جذور التطرف معقدة لكنها تتصل جزئياً بالعزلة الاجتماعية المفروضة على مجتمعات المهاجرين. ليست أوروبا وحدها التي تعتمد مقاربة مكافحة الإرهاب في مواجهة اللاجئين لا سيما الوافدين من سورية، فالولايات المتحدة تتبعها في ذلك، إذ ندد بعض المسؤولين والساسة فيها باللاجئين السوريين بصفتهم تهديداً أمنياً، وفي حين تقلق أوروبا والولايات المتحدة إزاء اللاجئين والإرهاب، فقد أدت الضغوطات الاقتصادية بالحكومات المستبدة الى القلق إزاء هذا المزيج من المجتمع المدني والإعلام الاجتماعي.
أما بالنسبة الى الأضرار الناجمة عن الهجمات الإرهابية، فقد اختلفت أرقامها وفقاً لمصادرها، لكن لوحظ في هذا المجال ارتفاع حجم الأموال التي ترصدها الدول للحماية من الإرهاب، وتبرز دول غرب أوروبا في زيادة إنفاقها البالغ حالياً نحو 85 بليون دولار، ويتوقع أن يرتفع الى 146 بليوناً في 2020.
يذكر أن مجموعة العشرين، في إطار خططها لمكافحة الإرهاب وتجفيف مصادر تمويله، ستناقش هذا الموضوع خلال قمة تنطلق أعمالها مطلع ايلول المقبل في مدينة هانغتسو الصينية.