انفجار بندر عباس عمل استباقي أمني أم حادث عرضي فني؟

انفجار بندر عباس عمل استباقي أمني أم حادث عرضي فني؟

اياد العناز 

أحدث الانفجار الذي وقع صباح يوم السبت الموافق السادس والعشرين من شهر نيسان 2025 في ميناء رجائي بمدينة بندر عباس جنوبي إيران ضمن الحدود الإدارية لمحافظة هرمزغان العديد من الاستنتاجات والتكهنات حول طبيعة وإثار ووقت ومكان الحادث،واطلقت العنان لابعاد سياسية واقتصادية تتعلق بأهمية الحادث ورود الأفعال عليه.
أهمية الحدث أنه وقع في ميناء مهم من الناحية الاقتصادية الإيرانية، حيث يبعد الميناء مسافة 23كم غرب مدينة بندر عباس وعلى مضيق هرمز الذي يمر عبره خمس إنتاج النفط العالمي ويعتبر أكبر وأكثر موانئ الحاويات في إيران تطورًا ويضم (12) رصيف للحاويات و(30) رافعة وأنواع من التجهيزات المتطورة الأخرى ويؤدي دورًا مهمًا في الاقتصاد البحري لإيران.
وجاء الانفجار متزامن مع انطلاق الجولة الثالثة للمفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران برعاية عربية عُمانية في العاصمة (مسقط) مما أعطى انطباعًا واهتمامًا انعكس على مدى التأثير الذي سيحدثه على استمرار المفاوضات في استمراره أو التوقف عنها، إذا ما ما كانت هناك دلائل تشير إلى وجود عمل تخريبي أو استهداف عسكري استخبارب من جهة إقليمية أو جماعة داخلية، ولكن السلطات الإيرانية استبعدت هذا الأمر ولم تعلن عن أي معلومات تفيد بوجود عمل معادي وإنما إشارة في بداية الحادث إلى أن أسبابه تعود إلى وجود مواد كيمياوية مخزنة في عدد من الحاويات، وأن سبب الانفجار هو المواد الموجود فيها،ثم أعلنت هيئة الكمارك الإيرانية ان من بين هذه المواد ( مادة بيركلورات الصوديوم) والتي تدخل في تركيبة الوقود الصلب للصواريخ،وسبق وأن وجهت إلى إدارة الميناء تحذيرات من تخزين حاويات تحمل مواد خطرة به، فيما رصدت مصادر ملاحية في وقت سابق وجود سفينة تحمل مواد تستخدم كوقود للصواريخ تستعد للرسو بالميناء، ولم تستكمل تفريغ شحنتها بسبب عطلة عيد الفطر،ويعتقد أن السفينة هي الثانية من بين سفينتين فرضت عليهما عقوبات دولية وكانت تنقلان شحنة من بيركلورات الصوديوم من الصين
وكان يفترض نقلها إلى العاصمة طهران ومنها إلى منشأت معالجة خاصة لتحويلها إلى مادة بيركلورات الأمونيوم التي تستخدم كمكون أساسي في تصنيع وقود الصواريخ الصلب.
وتشير التقديرات إلى أن الكميات التي تم استيرادها مؤخرًامن المادة كافية لإنتاج وقود يكفي لتشغيل نحو 250 صاروخا متوسط المدى من طراز خيبر شكن وفتاح، بالإضافة إلى صواريخ فاتح 110 وزلزال القصيرة المدى.
توافقت هذه المعلومات مع ما جاء بتقرير شركة ( أمبري) البريطانية للأمن البحري بأن (الانفجار الذي وقع في ميناء رجائي بمدينة بندر عباس جنوب إيران نتج عن سوء التعامل مع شحنة من الوقود الصلب المتخصص لصناعة صواريخ باليستية.
عملت الجهات السياسية والفنية الإيرانية على نفي أي معلومة متداولة إلا بعد استكمال التحقيقات التي وجه بها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان وعدم إعطاء أي معلومة للإعلام والصحافة تخص الانفجار حتى استكمال الإجراءات الميدانية والتحقيقات الفنية، ونرى أن هذا التوجيه جاء ليبعد الشكوك عن ما هيه المواد المتفجرة التي ابتدأت بمعلومات إيرانية كونها مواد كيمياوية خطرة مخزنة في حاويات ثم الاعلان أن سبب الانفجار هي وجود مادة ( بيركلورات الصوديوم)، وهنا السؤال المهم هل أن ايران تستورد ( وقود سائل صلب) أم تقوم بتصنيعها، وهل الجهة التي ارسلت المواد وتم خزنها في الميناء دولة حليفة لإيران، وهل المواد الموجودة في الميناء هي للتصدير ام للاستيراد؟ اسئلة بحاجة إلى أجوبة دقيقة تحرج الإيرانيين وتجعلهم في موضع شكوك حول الالتفاف على العقوبات الأميركية والتعاملات الخاصة ببرنامج الصواريخ البالستية والجهات الدولية الداعمة والمساندة لها.
شدة الانفجار كانت قوية لدرجة أنها هزت الأرض وسمع صوتها في المدن القريبة، كما أدى الانفجار إلى تحطم زجاج مباني بعيدة عن الميناء بعدة كيلو مترات، مع عدد كبير من الضحايا والمصابين، واثبت الوقائع أنه لم يكن هناك أي مستلزمات للسلامة العامة أو أخذ احتياطات بالمستوى المطلوب في حماية المواد المخزنة في الميناء وأرصفته واعادت للاذهان ما حل بميناء بيروت في حادث تفجير ( مادة الامونيا) والدمار الذي أصاب اللبنانيين في الرابع من آب 2020.
سبق وأن تعرضت أجهزة الكمبيوتر التابعة للميناء إلى هجوم أمني سيبراني أدى إلى اضطرابات كبيرة في المسارات المائية والطرق المؤدية للميناء، واتهمت صحيفة واشنطن بوست حينها الجهات الإسرائيلية بالوقوف وراء الهجوم ردًا على هجوم إلكتروني إيراني سابق،ومن هنا جاءت التكنهات أن وراء عملية الانفجار جهات إسرائيلية ضمن سياسة الاستهداف التي تتبعها الجهات الاستخبارية في تنفيذ عمليات استباقية ضد إيران.
أن الانفجار سوف لا يكون لديه أي تأثير على استمرار جولات المفاوضات بين واشنطن وطهران
وقد مرت العديد من الأحداث والوقائع التي أصيبت بها إيران ولكنها كانت تقف عن ثوابتها الأساسية في التمسك بسياسية قبضة النظام والصبر الاستراتيجي لتحقيق أهدافها غايتها في استمرار مشروعها السياسي الإقليمي، وأن أي قرار يمكن أن تتخذه تجاه المفاوضات فإنها ستكون أمام العديد من الإجراءات المقابلة ومنها التلويح بالعمل العسكري وتدمير البرنامج النووي وإضافة عقوبات اقتصادية ضدها وتثفير صادراتها النفطية، وهي تخشى هذا وتحاول الابتعاد عنه، ولهذا فإنعا لم تعتبر الحادث عملية اعتداء أو عمل عدواني تجاهها، وسوف تبقى الأمور على حالها وسيخرج تقرير فني يوضح الملابسات ويعتبرها أخطاء ميدانية وسوء تصرف وعدم انضباط في عمليات الخزن وإدارة الميناء.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة