اياد العناز
تتواصل المفاوضات الأمريكية الإيرانية في جولاتها المتوالية وتستمر الاراء والمقترحات بين الدولتين للوصول لصيغة توافقية تتحقق فيها الشروط الواردة في رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والاهداف الإيرانية في بقاء النظام السياسي وضمانة عدم التعرض إليه أو تهديده بالسقوط، وبقيت أولويات المحادثات التي ركزت على تفكيك البرنامج النووي الإيراني مع إبقاء نسبة معينة من تخصيب اليورانيوم لاستخدامها في الأمور العلمية والبحثية والطرق السلمية وباشراف دقيق من قبل لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ورغم الاتفاق على جولة ثالثة تعقد في العاصمة العُمانية (مسقط) إلا أن بيان وزارة الخارجية العُمانية أوضحت وبشكل دقيق أن المفاوضات سعت لاتفاق يضمن خلو إيران من السلاح النووي ورفع العقوبات، والوصول إلى اتفاق منصف ودائم وملزم، وهو ما يعني أن ما ذهبنا إليه في مقالات سابقة أن المفاوض الأمريكي قد أكد على ثوابت تتعلق بمطاليب لادارته تتعلق بتخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم والعودة بها إلى ما اتفق عليه في تموز 2015 مع إيجاد طرق علمية للتعامل مع كمية التخصيب التي وصلت إليها إيران وهي 60٪ وإمكانية تحويلها لدولة أخرى، وهو الأمر الذي رفضته إيران وطالبت بابقائه لديها وتحت مراقبة الوكالة الدولية، ولكن الضغط السياسي الذي استخدمته الولايات المتحدة الأمريكية في توجيه ممثلها (ستيفن ويتكوف) والذي فاجأ المفاوض الإيراني (عباس عراقجي) في الجولة الثانية بضرورة السعي للتعامل مع عملية التفكيك المرحلي للمفاعل النووي الإيراني، جعل إيران تطالب بجولة ثالثة وبوجود فنيين اختصاصين لمناقشة َتثبيت آرائهم لتدعيم الحوار في كيفية الوصول لاتفاق يعين طهران ويحقق لواشنطن أهدافها.
أن الإدارة الأميركية لا ترغب في تحقيق اتفاق شبيه بما تحقق في إدارة الرئيس أوباما، وهو التزام إيران بعدم السعي لامتلاك القنبلة النووية وإنما عملية تفكيك دائم للقدرات النووية بحيث لا تعود إيران للتهديد بها وتوظيفها في مشروعها السياسي الإقليمي.
تعمل إيران على استخدام سياسة البقاء واطالة الحوار بما يحقق لها قدرًا من توظيف إمكانياتها وتأثيرها في أي متغير سياسي أو اتفاق ميداني، وهو ما تتحدث به واشنطن دائمًا بأن المطلوب ليس اتفاق مرحلي وإنما دائم وثابت ومتابع.
تحققت إيران من جدية وثبات الموقف الأمريكي في هذه الجولة وأنها جادة في حل المعضلات المختلف عليها والتوصل إلى اتفاق حقيقي وأن المفاوض الأمريكي لم يكن متخدثًا فقط وإنما محاورًا جادًا ويسعى لتنفيذ ما تراه إدارته صحيحًا وفاعلًا في تحقيق الشروط الأمريكية، ولهذا فإن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قد علم حقيقة الأمر وهو الذي سبق له وأن كان ضمن الوفد المفاوض الحوارات التي جرت في السنوات الماضية في العاصمة النمساوية ( فيينا) ويدرك المضامين التي تتمسك بها واشنطن، ولهذا سعى إلى اعتبار الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي المرجعية الخارجية الوحيدة التي يسمح لها بالرقابة على البرنامج النووي الإيراني.
التناغم الحاصل في أروقة مجلس النواب والكونكرس الأمريكي حول طبيعة المفاوضات الجارية بين واشنطن وطهران والتي يرى السيناتوران ليندسي غراهام وتوم كوتون ورئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات لدفع الإدارة الأمريكية إلى اعتماد الحوار السياسي والتفاوض الدبلوماسي اسلوبًا أوليًا في حل الخلافات مع إيران، في مقابل هذه المواقف، يتزعم مستشار الأمن القومي مايك والتز ووزير الخارجية ماركو روبيو موقفًا مغايرًا يرى أن إيران أضعف من أي وقت مضى، وأن الوقت ملائم لتفكيك برنامجها النووي دون تقديم أي تنازلات، مع الضغط السياسي والتلويح بالضربة العسكرية في حال فشل المفاوضات.
وهو الحال الذي جعل الإدارة الأمريكية تتجه نحو اعتماد جولات من المفاوضات للوصول لتفاهمات تفضي إلى معرفة حقيقة المواقف الإيرانية ومدى فهمها للشروط الأمريكية وسعيها للتعامل الجدي معها، ومن ثم تحديد الرد الأمريكي الذي يتناسب والموقف الإيراني.
وهناك في الطرف الداخلي الإيراني من قدم النصح السياسي في اعتماد المفاوضات حلًا ميدانيًا يبعد إيران عن أي مواجهة عسكرية والتي قد تساعد على تحريك أرضية المواجهة الشعبية مع النظام ومؤسساته السياسية والأمنية وتصعيد حالة الخلاف المذهبي والقومي من قبل الشعوب الايرانية مع النظام وسياسته الداخلية،والتي سبق وأن تم التحذير منها من عدة قيادات حزبية وأمنية إيرانية وجهت نصائحها للنظام ومنها المرشد الأعلى علي خامنئي.
أن الثوابت والأهداف الإيرانية هي في أبعاد شبح الضربات والمواجهة العسكرية وحسم الخيارات وفق معطيات الحوار الدبلوماسي وترجيح عملية القبول ببعض التنازلات تدريجيًا حماية وادامة لروح النظام وبقائه في السلطة.
وعلينا العودة للوراء قليلًا لنستذكر مواقف الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في حملته الانتخابية وأرائه في الانفتاح السياسي والتي لاقت مقبولًا وتشجيعًا من قبل المرشد الأعلى بعد تسنمه مقاليد الرئاسة الإيرانية، فكان اللقاء الذي جمع مندوب إيران الدائم في الأمم المتحدة ( أمير سعيد إيرواني) وممثل الرئيس ترامب (إيلون ماسك) في نيويورك، وقبلها خارطة الطريق السياسي التي تحدث عنها الرئيس بزشكيان في قاعة منظمة الأمم المتحدة،وهي البدايات التي ساهمت في تحقيق حالة القبول للمفاوضات الأمريكية الإيرانية.
كانت الجولة الثانية واضحة المعالم في كيفية السيطرة الأمريكية على الأنشطة النووية الإيرانية في مقابل خطة واضحة وخريطة طريق للتعامل مع مبدأ تخفيف العقوبات الاقتصادية عن إيران، وهي إحدى الرسائل المهمة التي حرص المندوب الأمريكي ( ستيفن ويتكوف) لايصالها للجانب الإيراني.
أعطت الجولة الثانية مسارًا ثابتًا ورؤية دائمة لما ستؤول إليه الحوارات الفنية حول البرنامج النووي الإيراني والتي ستعكس على طبيعة واستمرار الحوار الدبلوماسي واستبداله بالرد العسكري.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية