اياد العناز
ضمن سلسلة التصريحات الرسمية والإعلامية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمتعلقة بطبيعة العلاقة مع إيران والأفاق المرحلية التي بدأت مع انطلاق جولات المفاوضات بين الدولتين ورسم ملامح المواقف الثابتة والتي وردت في الرسالة التي ارسلت للمرشد الأعلى علي خامنئي، جعلت الرئيس ترامب أكثر وضوحًا ودقة في تحديد المفاهيم الأساسية التي ترغب في تحقيقها الإدارة الأمريكية وفق المعطيات التي تمخضت عنها اجتماعات الجولتين الأولى والثانية.
وكانت جميع الملاحظات التي وردت في العديد من المواقع الرسمية والإعلامية والبيانات الصادرة عن البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية، تؤكد حقيقة الموقف الأمريكي من البرنامج النووي الإيراني وضرورة العمل على تفكيكه أو الحد من فعاليته بما يجعل إيران بعيدة عن الوصول أو إنتاج القنبلة الذرية، وإيجاد الوسائل والأدوات التي تساهم في تحقيق هذا الشرط الأساسي الذي يأتي ملازمًا للنقاط الأساسية في مناقشة برنامج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والمشروع السياسي الإقليمي لإيران ودعمها لعديد من الفصائل والمليشيات المسلحة المرتبطة بقيادة فيلق القدس والحرس الثوري.
وأمام هذه المعطيات الثابتة ورغم انتهاء جولتي المفاوضات التي أقرت صيغة جديدة اتفق عليها الطرفان الأمريكي والإيراني بتشكيل لجان فنية مشتركة لدراسة السبل الكفيلة بالوصول إلى صيغ معتمدة في كيفية التعامل مع النشاط النووي الإيراني الذي يشكل الأهمية الاستراتيجية للاهداف الأمريكية من إجراء الحوارات واللقاءات المشتركة وان كانت عبر الوسيط العربي العُماني،إلا أن الجانب الإيراني لا يزال يعتمد سياسة إطالة الوقت وإيجاد الذرائع لاستمرار الحوار ومحاولة الحصول على ضمانات أمريكية بالحفاظ على النظام السياسي في طهران ورفع العقوبات الاقتصادية التي تشكل هاجسًا مهمًا للمفاوض الإيراني الذي يرى فيها هدفًا استراتيجيًا يستحق تقديم التنازلات السياسية وإيقاف فعالية المفاعل النووي، لطبيعة الأزمات الكبرى التي يعاني منها المجتمع الإيراني وتشكل كاهلًا ثقيلًا للقيادة الإيرانية التي تخشى من تعاظم الأمور وتصاعد حدة الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية مهددة ببقاء النظام واستمراره.
وتتابع الإدارة الأميركية حقيقة الأوضاع الداخلية الإيرانية وتدرس بدقة نتائجها وما ستسفر عنها من أحداث ووقائع تلقى بظلالها على طبيعة سير المفاوضات الجارية بين الدولتين، وهو الأمر الذي جعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب يخاطب الإيرانيين وعبر لقائه مع مجلة تايم الأمريكية باستعداده للقاء الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أو المرشد الأعلى علي خامنئي بغية تحقيق مسار متقدم في المفاوضات المباشرة وتحقيق الأهداف والغايات الأمريكية
واسقاط جميع الذرائع الإيرانية في عدم وجود أليات ميدانية تحمي المصالح العليا الإيرانية وتحافظ على الآلية العلمية والتقنية التي اكتسبتها من خلال العمل في البرنامج النووي، والتي يسعى من خلالها الرئيس ترامب في تحقيق القواسم المشتركة للبلدين اذا ما تم اللقاء على مستوى القيادات في الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وهي الزاوية الحرجة التي تبتعد عنها القيادة الإيرانية في اللقاء المباشر لأنه سيعطي المجال الواسع لتوجيه الانتقادات السياسية من قبل أبناء الشعوب الإيرانية وبعض قيادات الأحزاب العاملة فيها من الجلوس مع ( الشيطان الأكبر) كما تصفه وجميع وسائلها الاعلامية وادواتها السياسية ومؤسساتها التنفيذية.
أن الدعوة الأمريكية تشكل منعطفًا سياسيًا حيويًا مع بدأ أعمال الجولة الثالثة في العاصمة العُمانية ( مسقط) وتمنح المفاوضات أفقًا واسعًا وتساعد مبعوثها الخاص ( ستيفن ويتكوف) للعمل بحرية أكثر وإدارة المفاوضات بشكل أفضل للوصول إلى المبتغى الأمريكي في الحصول على موافقات سياسية إيرانية ستتلائم والشروط الأمريكية التي وردت في رسالة الرئيس ترامب، كما أنها ارسلت رسالة اطمئنان لإيران بأن الإدارة الأميركية سوف لا تذهب بعيداً فيما يريده ويسعى إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من توجيه ضربات عسكرية مشتركة مع واشنطن واعلان الحرب ضد إيران،ولكن الرئيس ترامب يعود ويذكر إيران أنه في حالة عدم التوصل لاتفاق خاص بالبرنامج النووي فإن واشنطن ستضطر لمهاجمة إيران ومنعها من الحصول على أسلحة نووية.
أصبح واضحاً لجميع الأوساط الدولية والإقليمية والمتابعين المهتمين بالعلاقات الأمريكية الإيرانية، إن واشنطن لا ترغب بالمواجهة العسكرية المباشرة وأنها تعمل على اتباع الوسائل الدبلوماسية والحوارات السياسية للوصول لاتفاق دائم وليس مرحلي يفضي إلى منع إيران من الحصول على الأسلحة النووية وإنهاء فاعلية دورها السياسي الإقليمي وإيقاف دعمها للفصائل المسلحة وتقتين برنامجها الخاص بالصواريخ البالستية، في حين أن إيران غايتها الأولى هو رفع العقوبات الاقتصادية وإنهاء الحصار عنها وعودتها للأسواق التجارية العالمية وتسويق معادنها من النفط والغاز لمواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها، مع اعتماد سياسية إطالة الوقت للحصول على مكاسب ومنافع تعوض خسارتها في قبولها للشروط الأمريكية.
وحدة الدراسات الأمريكية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة