عامير اورين*
ترجمة مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
كشفت وثائق امريكية رفعت عنها السرية، تتعلق باتصالات بين واشنطن والقدس في أواخر الستينيات من القرن الماضي، عندما كان بعض المسؤولين الأميركيين يعتقدون ان الخيار النووي لن يردع القادة العرب، ولكن من شأنه أن يؤدي إلى سباق قنبلة ذرية.
وابدى الفريق المشترك من لجنة الوكالات حول تصنيف الطعون الامنية (ISCAP)، موافقته بخصوص الكشف عن أسرار البرنامج النووي الإسرائيلي. بعد 45 عاما من السرية. وتوضح الوثائق كيف عملت الإدارة الأمريكية قبيل اجتماع بين الرئيس ريتشارد نيكسون ورئيسة الوزراء الاسرائيلية جولدا مائير في البيت الأبيض في سبتمبر عام 1969، بعد الرفض الإسرائيلي لثلاثة امور: التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي، والموافقة على التفتيش الأمريكي للمنشأة ديمونة النووي، وربط تسليم مقاتلات بموافقة إسرائيل على التخلي عن الأسلحة النووية، مقابل الحصول على صواريخ أريحا الاستراتيجية أرض – أرض “قادرة على الوصول إلى العواصم العربية” على الرغم من أن “ليس كل العواصم العربية”.
ومع تواصل اللقاءات تراجع المسؤولون – أمناء مجلس الوزراء وكبار المستشارين، الذين كتبوا الوثائق خطوة بعد خطوة، من تأكيدهم اعتماد خطة طموحة لمنع التسلح النووي الإسرائيلي، الى قبولهم به، ففي المراسلات الداخلية – بين نيكسون ومائير والتي لم يتم الكشف عنها بعد، جرى الاعتراف بإسرائيل كدولة تقف على العتبة النووية.
وفي الواقع، ووفقا للوثائق الأمريكية، حددت إدارة نيكسون عتبة مزدوجة التحرك إسرائيل من “الخيار الفني” إلى “مالك” من الأسلحة النووية. ولعل اول ما جرى الحديث عنه هو امتلاك اسرائيل الـمكونات الأسلحة النووية ، وهي جزء من المخزون التشغيلي لـ”جيش الدفاع الإسرائيلي” .
وكانت الخطوة الثانية تأكيدات اعلنتها الدول العربية على وجه الخصوص، بعد شكوك دولية بوجود أسلحة نووية في إسرائيل، والتي جرى تدقيقها عن طريق الاختبار للكشف عن حقيقة امتلاك أسلحة نووية.
واقترح مسؤولون في ادارة الرئيس نيكسون، عشية محادثته مع مئير، ضبط النفس فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإسرائيلي، والتخلي عن الجهود لحمل اسرائيل على الكف عن الحصول على صواريخ بمدى 500 كيلومتر ذات رؤوس حربية تزن طنا، وضعت في المصنع مارسيل داسو في فرنسا، وانه يمكن التوصل الى اتفاق مع اسرائيل بشأن هذه النقاط.
اصل سياسة الغموض النووي الاسرائيلي
سياسة إسرائيل في الغموض النووي – التي يراد بها الردع، لا تنفي بشكل قاطع القدرة النووية، لكنها تصر على استخدام مصطلح “الخيار”، ووفقا لوثائق صدرت حديثا، فان هذا المصطلح جاء نتيجة لتفاهمات نيكسون ومائير، ولا أقل من اعتبارها مناورة إسرائيلية.
وتم اتخاذ قرار الكشف عن هذه الوثائق في شهر مارس الفائت، من قبل لجنة يرأسها ممثل عن الرئيس، ومسؤولون في وزارة الخارجية، وأعضاء من وزارة الدفاع ووزارة العدل، فضلا عن إدارة الاستخبارات والأرشيف الوطني، حيث يتم تخزين الوثائق.
ويتناول المواد السرية الأحداث التي جرت ما بين عامي 1968 و 1969، في نهاية عهد الرئيس ليندون جونسون ورئيس الوزراء ليفي اشكول، وبداية عهد نيكسون ومائير. ومع ذلك، فانه يحتوي على العديد من الدروس المعاصرة.
نذكر منها الحزم الذي تتصف به العلاقات الشخصية بين رئيس مثل أوباما ورئيس وزراء مثل بنيامين نتنياهو، والعلاقة بين عملية التسوية “الأرض مقابل السلام” والضمانات الامريكية المقدمة للأمن الإسرائيلي في وقت السلم، وإمدادات الأسلحة إلى الوضع النووي الإسرائيلي وإسرائيل، وقدرة دولة مثل إيران للمضي قدماً وبشكل تدريجي للوصول الى عتبة الأسلحة النووية العسكرية.
ومن بين الوثائق التي رفعت عنها السرية هذا الأسبوع، وثيقة كتبت من قبل كبار المسؤولين في إدارة نيكسون في مجموعة عمل برئاسة مستشار الأمن القومي هنري كيسنجر آنذاك، بصدد استكشاف طبيعة برنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي المعروف باسم “NSSM 40.”
كما عممت وثيقة لمجموعة مختارة، مكونة من وزير الخارجية وليام روجرز، ووزير الدفاع ملفين ليرد، ومدير وكالة المخابرات المركزية ريتشارد هيلمز، وبعلم رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال إيرل ويلر، عن توجه نيكسون- كيسنجر لتشكيل فريق من الخبراء برئاسة مساعد وزيرة الخارجية جوزيف سيسكو.
وقد طلب من الخبراء تقديم التقييمات: عن مدى تقدم إسرائيل في مجال الأسلحة النووية وتقديم البدائل السياسية لتل ابيب، خصوصاً ان إدارة جونسون تعهدت بتزويد إسرائيل ب 50 طائرة فانتوم، وعن عملية التسوية الجارية من خلال عهد روجرز، وكيفية تحقيقها، وحظر الانتشار العالمي للأسلحة النووية، والمواجهات المصرية الاسرائيلية في قناة السويس في أثناء حرب الاستنزاف.
ولعل الجزء الاورع من الصفحات الـ 107 التي رفعت عنها السرية، هو مناقشة الخلافات الداخلية في الإدارة الأمريكية بصدد كيفية التعامل مع إسرائيل، هل بواسطة الضغط أو الإقناع، وقد وضعها مساعد سيسكو، ورودجر ديفيز، في وثيقة مسودة لوزارة الخارجية. كما وضعت ديفيز سيناريو عن الحوار مع سفير اسرائيل في واشنطن، اسحق رابين، وكيفية مواجهته، والذي شغل منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي خلال حرب الأيام الستة، الذي واصل التوقيع باستخدام رتبته العسكرية كفريق.
وتعّد هذه الوثائق مثالا لعمليات الفضول السياسي المنظم، ولم يكن من المتوقع، ان تعتمد وزارة الخارجية الأميركية نهجاً أكثر ليونة، بيد انها تعارض التهديدات والعقوبات بسبب الخوف من عرقلة التحركات روجز الدبلوماسية، في حال تصلبت إسرائيل في موقفها. وبهذا الصدد كتب ديفيز ” إذا اخترنا استخدام أقصى الخيارات بشأن القضية النووية، فاننا قد لا يكون لدينا النفوذ الضروري للمساعدة في مفاوضات السلام”.
ومن هنا برزت رؤيتان في البنتاغون: احداهما من الاتجاه المدني في الوزارة برئاسة ليرد، ونائبه ديفيد باكارد (شريك في الشركة المصنعة للكمبيوتر هيوليت باكارد، الذين اعترضوا على بيع سابق من الكمبيوتر السوبر لمراقبة بيانات إسرائيل، خشية من احتمال استخدامها في البرنامج النووي) اما الجناح العسكري برئاسة الجنرال ويلر فاكد توصية نائب وزير الدفاع في إدارة جونسون الصادرة، بول وارنك، لاستخدام صفقة طائرات فانتوم للحصول على تنازلات بعيدة المدى من إسرائيل بشأن القضية النووية.
وبدا نائب روجرز، اليوت ريتشاردسون من وزارة الخارجية معارضاً لأطروحات باكارد،وان كان حليف له في مقاربة التعامل مع اسرائيل، ومن هنا جرى تعيين سيسكو، مسؤولاً من القسم الاستراتيجي في وزارة الخارجية، الذي اتفق مع وزارة الدفاع الأمريكية، وقاد توصيات المسؤولين نحو اتخاذ موقف أكثر مرونة تجاه اسرائيل.
وكان هناك أيضا نقاش داخلي في الادارة الاميركية حول مدى تقدم إسرائيل على مستوى الاسلحة النووية، إذ اخذت وزارة الخارجية برأي وكالة المخابرات المركزية، الذي شكك بقوة الأدلة، ووصفها بأنها ظرفية في ظل عدم القدرة على جمع المعلومات الاستخباراتية، بما في ذلك الزيارات السنوية للمنشأة ديمونة.
وبهذا الصدد كتب ديفيز انه لدليل قاطع على أن إسرائيل قد صنعت سلاحاً نووياً، وانها الخطوات النهائية، وهو امر يحاول حزب العمل تجنب الحديث عنه، وهو لحماية الشعب اليهودي، ومع ذلك، من المحتمل أن إسرائيل ترغب في الحفاظ على السلاح النهائي في متناول اليد، وينبغي أن يكون أمنها مرة أخرى في موضع تهديد خطير.”
كان رابين الرجل الرئيس على الجانب الإسرائيلي في هذه المناقشات، ومع هالته العسكرية والخبرة في المحادثات السابقة بخصوص إمدادات الأسلحة (سكاي هوك وفانتوم في وقت لاحق) مع إدارة جونسون، وعلى الرغم من ذلكوفقا للأمريكيين. فان اتخاذ القرارات يتم في القدس من قبل مئير ووزير الدفاع موشيه ديان، وزير الخارجية أبا إيبان وزملائهم، الذين لم يكونوا مع ميل رابين في التعبير عن مواقفه الخاصة، وان حدثت فلمرة واحدة، وبعد ذلك لابد من الحصول على موافقة من القدس
وخلصت إدارات جونسون ونيكسون إلى أنه في المحادثات مع رابين، كان قد ذكر بطريقة “صريحة وضمنية” أن “إسرائيل تريد امتلاك أسلحة نووية، وذلك لسببين: أولا، لردع العرب عن ضربها. وثانيا، إذا فشل الردع واضحت إسرائيل على وشك الفناء ، فان السلاح هو لتدمير العرب في هرمجدون النووية “.
التناقض في هذا الموقف، وفقا للأميركيين، فإن إسرائيل “بحاجة الى التعبير علناً عن امتلاكها القوة النووية، غير المعرضة للخطر، أي توافرها على قدرة الضربة الثانية، إن إسرائيل الآن بصدد بناء مثل هذه القوة ومن بينها بناء مخابئ صواريخ أريحا.”
ومع ذلك، “أنه ليس من الممكن حقا ردع القادة العرب- وبالتأكيد ليس الفدائيون – بسبب الاعتبارات غير العقلانية التي تحركهم. نظرية الردع النووي التي تنطبق بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي – نظرية تتطلب استجابة منطقية للاستفزاز، والذي أصبح ممكنا بفضل الحكومات والمجتمعات المستقرة أساسا، هو أقل بكثير من الذي يطبق في الشرق الأدنى “.
وقبل أربع سنوات من حرب يوم الغفران في تشرين الأول 1973 ومع الازدراء العام الذي ابداه الرئيس المصري أنور السادات، ادركت إدارة نيكسون أن إسرائيل “لن تكون قادرة على استبعاد احتمال قيام بعض القادة العرب بتصرف غير عقلاني، سيجر الى خسائر كبيرة، وانه من المعتقد انه يمكن ان يلحق ضرراً كبيراً بإسرائيل “.
وبالتالي فان سيسكو ومستشاريه، كانوا قلقين من أن التهديد بقطع إمدادات الأسلحة، والضغوط النفسية داخل إسرائيل، تدفع للتحرك بسرعة إلى بناء أسلحة متطورة جداً، وهو ما حاول الامريكيين تجنبه.
ووفقا للوثائق، فإن إدارة نيكسون اعتقدت أن حيازة إسرائيل لأسلحة نووية من شأنه أن يحفز الدول العربية للحصول على هذه الأسلحة في غضون 10 سنوات، من خلال عقود خاصة مع العلماء والمهندسين في أوروبا. وعلاوة على ذلك، ما تجذر في النفس العربية من أن التسوية لن تكون ممكنا، إلا عندما يكون هناك بعض التكافؤ في القوة مع إسرائيل. كما لا يمكن استبعاد إضراب “الكاميكاز” -الطيارين الانتحاريين- مرافق ديمونة خارج.”
وخلص مستشارو نيكسون، الى عدد من الاعتبارات: “لا يمكننا إجبار الإسرائيليين على تدمير البيانات، والتصميم والمكونات، أقل بكثير من المعرفة التقنية في أذهان الناس، او المواهب الموجودة بسبب عمليات من الارتجال السريع.” وهكذا، كتب ديفيز في يوليو/ تموز شهرين وقبل الاجتماع نيكسون ومائير، فإن أهون الشرور هو ان توافق اسرائيل على “الاحتفاظ بها” الخيار الفني” لإنتاج اسلحة نووية.
واضاف ديفيز “اذا ابدى الإسرائيليون تزمتاً حيال رأي الولايات المتحدة بشأن القضية النووية، وما يتعلق بصواريخ أريحا، يمكننا أن نخفّض مرة أخرى من موقفنا حيال عدم نشر الصواريخ، في مقابل تعهدهم في الحفاظ على سرية أي إنتاج آخر”.
ولعل النظرة الاستراتيجية الامريكية، التي اختلطت باعتبارات سياسية مقنعة، افضت بوزارة الدفاع الاسرائيلية الى صياغة مشروع الاستسلام غير المشروط في الشهر الأول من رئاسة مائير، ودون علمها، ليتم تبني خيار الغموض، الذي عاش في وثائق سرية ، الى ان تم اطلاقه للجمهور من قبل إدارة أوباما، لأسباب (أو عن غير قصد).
http://www.haaretz.com/news/diplomacy-defense/.premium-1.613221