في الحال، بعد خروج نتيجة التصويت في مجلس النواب على سحب الثقة من وزير الدفاع خالد العبيدي، الخميس، إلى خارج قاعة المجلس وأسوار المنطقة الخضراء، انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملة اختار لها المبادر بها عنواناً ذكيّاً معبّراً للغاية، هو “للفساد برلمان يحميه”.
الوزير العبيدي ليس قدّيساً. هذا أمر مؤكد. والعبيدي يمكن ألّا يكون مُبرّأً من الفساد الإداري والمالي، فهو في النهاية واحد من طبقة سياسية متنفّذة في السلطة، النزيه من أفرادها بندرة الذهب في تربة العراق فيما الفسٓدة بوفرة النفط، وفي المجلس الذي أطاح العبيدي يوجد العشرات منهم، بل قلِ المئاتِ من دون تردّد، ألم يقل أحدهم ، اسمه مشعان الجبوري، علناً إنهم جميعاً فاسدون، ولم يعترض أو يحتجّ أو يطلبه للمساءلة أحد منهم؟ فضلاً عن فاسدي الحكومة التي لن يعود العبيدي عضواً فيها، وقبلها كلّ الحكومات التي تشكّلت منذ 2003.
العبيدي أُطيح من منصبه الوزاري السيادي ليس لأنّه فشل في الدفاع عن نفسه في ثاني استجواب برلماني له خلال سنة، وإنما لأنه وهو يدافع عن نفسه تجرّأ على انتهاك ” حرمة” واحدة من أكبر وأقوى بؤر الفساد في البلاد، مجلس النواب.
ما كانت الدوافع الوطنية وراء سحب الثقة من العبيدي. ثمة العديد من الأدلة الواضحة والصارخة، واحد منها أنّ مجلس النواب الذي أطاح العبيدي للتوّ عن عمليات فساد مزعومة وتجاوزات إدارية، لم تدفعه “وطنيته” المزعومة لمحاسبة المسؤولين عن التسبّب في واحدة من أكبر الكوارث التي تحيق بالشعب العراقي في تاريخه،احتلال داعش ثلث مساحة البلاد وموت وسبي واغتصاب آلاف العراقيات والعراقيين ونزوح الملايين إلى المخيمات البائسة بعيداً عن مدنهم ومناطقهم.
بكلّ المعايير لا يمكن مساواة ما ارتكبه الوزير العبيدي بما اقترفه قبل سنتين وزير الدفاع في الحكومة السابقة وقادة العمليات في المناطق التي احتلها داعش وكبار المسؤولين العسكريين والأمنيين وهيئة الأركان وأعضاء القيادة العامة للقوات المسلّحة، وفوقهم قائدهم العام ورئيس الحكومة السابق نوري المالكي.
مجلس النواب الذي ركن جانباً تحقيقات لجانه الفرعية في قضية احتلال الموصل وفي قضية جريمة سبايكر وسواهما من القضايا الكبرى، وصوّت على سحب الثقة من العبيدي إنما فعل ذلك دفاعاً عن دولة الفساد العميقة التي هو، مجلس النواب، جزء أساس منها ومكوّن رئيس من مكوّناتها.
بالضبط، كما كتب الناشط المدني الذكي فإن للفساد في بلادنا برلماناً يحميه، لكنني أضيف إليه بكل ثقة، أنّ للفساد في العراق أيضاً ربّاً يحميه، فالفاسدون جميعاً تقريباً، وبخاصة كبارهم الذين هم كبار دولتنا ممن يُكثرون من قراءة القرآن والأدعية ويؤدّون الصلاة خمساً في اليوم والصوم في رمضان والحج في كل موسم تقريباً، ويُطلقون اللّحى ويُزيّنون أصابعهم بالمحابس ويُكبّرون بكرةً وأصيلاً، ويُثرثرون باسم الله بمناسبة ومن دونها، لم يُشملهم الربّ حتى الآن بعقابه، فيما أبقى عباده الأبرار مستضعفين يواجهون الموت بألف صنف وصنف وشكل وأسلوب وطريقة، وتركهم للفقر والبطالة والمعاناة من انهيار نظام الخدمات العامة، فيما الفاسدون في النعيم غاطسون.
ليطمئنَّ الفاسدون، فلفسادهم برلمانٌ وربٌّ يحميانِه!
* نقلا عن “المدى”