في العراق “الزمان يعيد نفسه” ويستنسخ تجاربه بالصوت والصورة، ففي ولاية رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي قضى العراق أربع سنوات من دون وزيري داخلية ودفاع، واليوم العراق يسجل عودة قهقرية إلى الوراء، فقد صوت مجلس النواب العراقي على عدم القناعة بأجوبة وزير الدفاع خالد العبيدي بعد استجوابه في جلسة مثيرة من قبل إحدى نائبات ائتلاف دولة القانون (برئاسة نوري المالكي) عالية نصيف، فيما أعلن وزير الداخلية محمد الغبان استقالته جراء الظروف الأمنية التي مرت بها العاصمة بغداد في شهر رمضان والتي راح ضحيتها مئات العراقيين في حوادث تفجيرات دموية تبناها تنظيم “داعش”.
تكليف وزراء بالوكالة
عمد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي إلى إدارة ملفي وزارة الداخلية والدفاع بترشيح موالين له عبر تنصيبهم وزيرين بالوكالة ليتجنب موافقة البرلمان العراقي، فقد كلف سعدون الدليمي (سني) بإدارة وزارة الدفاع في 18 آب 2011، وبطريقة متقاربة عهد بإدارة ملف وزارة الداخلية إلى الوكيل الإداري عدنان الأسدي (شيعي)؛ ما سبب شللاً كبيرًا في إدارة وزارتين تعدان من الوزارات السيادية، لا سيما وأن العراق يخوض حربًا مفتوحة مع جماعات إسلامية سنية متطرفة؛ ما أفضى الأمر أخيرًا إلى سقوط ثلث الأراضي العراقية بيد تنظيم داعش.
الغبان يعلن استقالته
أعلن وزير الداخلية العراقي محمد الغبان في 5 تموز 2016 عن استقالته وقال إنه قدمها لرئيس الوزراء حيدر العبادي بعد ثلاثة أيام من التفجير المروع الذي أوقع عشرات القتلى في الكرادة وسط بغداد.
وقتل 200 شخص على الأقل وأصيب العشرات في هجوم بشاحنة تبريد مفخخة وقع وقت الذروة بعد منتصف الليل في الكرادة في قلب العاصمة العراقية بغداد.
ودفع الهجوم – الذي أحدث صدمة في الشارع العراقي – العبادي إلى إصدار أوامره باتخاذ إجراءات جديدة لحماية بغداد، أبرزها سحب أجهزة لا تعمل لكشف المتفجرات من سيطرة العاصمة.
وقال وزير الداخلية محمد سالم الغبان المنتمي إلى منظمة بدر – أحد الأحزاب الشيعية – في مؤتمر صحفي عقده ببغداد إنه قدم استقالته إلى العبادي وأنه ماضٍ فيها ما لم تقم الحكومة بإصلاح جذري لملف الأمن وإنهاء التداخل في صلاحيات الأجهزة الأمنية.
وقال إن الدولة لم تنجح في تنظيم عمل الأجهزة الأمنية والاستخبارية لتكون منظومة واحدة تعمل على أساس التهديدات الإرهابية، ولفت إلى أن حواجز التفتيش المنتشرة في بغداد غير فعالة.
فيما سلم الغبان زمام الأمور إلى وكيله عقيل الخزعلي، ليبقى الباب مفتوحًا للترشيح ولا يبدو أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لديه خبرات في اختيار بديل، فإن نظام المحاصصة يوجب عليه قبول مرشح من حزب الغبان (منظمة بدر) والتي بدورها أعلنت أن الوزارة حصتها ولا تتنازل عنها، مشيرة إلى أن “رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي عليه الالتزام بنظام المحاصصة الفاعل في إدارة شؤون الدولة، وأن ينصف بدر وإعطائها الوزارة”.
وأضافت “مرشحنا واحد، هو قاسم الأعرجي (قيادي في منظمة بدر)، ولا بد من استجابة العبادي لمرشحنا”، لافتة إلى أن “عدم كون الوزارة (بدرية) فهذا ظلم كبير، سيما وأننا قدمنا شهداءً، وحاربنا البعث والظلم، قديمًا وحاليًا”.
الإطاحة بوزير الدفاع
خالد العبيدي وزير الدفاع العراقي مرشح كتلة (اتحاد القوى) حاول أن ينقذ نفسه من الاستجواب عبر مهاجمة خصومه في البرلمان من خلال فضح عمليات تلاعب بالمال العام وعمليات سمسرة يقوم بها عدد من النواب السنة لصالح رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري، فاضطر خصومه إلى الذهاب للقضاء العراقي والحصول على براءة سريعة مما جعله بموقف صعب، وما زاد الطين بله زيارة رئيس مجلس النواب سليم الجبوري إلى إيران، قبيل إعلان البرلمان عدم القناعة بأجوبته ما يعني إقالته من منصبه، وعلى العبادي القبول بمرشح وفق ضوابط المحاصصة التي جاء بها العبيدي لوزارة الدفاع.
ففي جلسة البرلمان العراقي الخميس 26 آب 2016 والتي حضرها 262 نائبًا، صوت على سحب الثقة عن وزير الدفاع خالد العبيدي بعد أن طوى البرلمان صفحة العفو العام، توجه إلى العبيدي، حيث تحدث رئيس البرلمان عن الموضوع بمؤتمر صحفي داخل المجلس، قال فيه بإنه “لا يوجد خلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية”.
وأضاف “لازال متمسكًا بقراره بشأن عدم ترؤس الجلسة خلال التصويت على إقالة العبيدي، ليكون البرلمان هو صاحب القرار ولا يخضع لأية ضغوط”، لافتًا إلى أن “مجلس النواب هو سيد نفسه ولن نقبل بأية وصايا عليه، وأنا واحد من 328 صوتًا”.
وسلم الجبوري رئاسة البرلمان إلى نائبه آرام الشيخ محمد قبل الشروع بالتصويت على فقرة “سحب الثقة عن وزير الدفاع”، لينضم إلى البرلمانيين الحاضرين، ويترك المنصة، في الوقت الذي تقرر فيه أن يكون التصويت ورقيًا، وبصفة سرية، وخاض النواب عملية التصويت على سحب الثقة عن العبيدي كما لو كانت عملية اقتراع، بصفة سرية، وعلى الورق، قبل أن تتم عملية العد والفرز، ويقرأ الشيخ أسماء النواب المصوتين على أسماع البرلمانيين.
وما إن انتهى من العد والفرز، أعلن الشيخ بأن المجلس صوت باتجاه إقالة العبيدي من منصبه، كوزير للدفاع، بذلك سيدخل العراق في مرحلة من التجاذب السياسية، والتي تذكر بمرحلة رئيس الوزراء السابق نوي المالكي، وربما العبادي لا يستعجل في اتخاذ قرار باختيار بديل للعبيدي أو الغبان ويعود لطريقة سلفه في إدارة وزارتي الداخلية والدفاع.
وصوت 142 نائبًا على إقالة العبيدي، ورفضها 102 نائب، فيما ألغيت 18 ورقة واعتبرت باطلة من بين 262 مصوتًا.
ويخوض العراق حربًا مع تنظيم داعش منذ حزيران 2014 لاستعادة أراضيه والتي نجح في تحرير مناطق كبيرة منها إلى الآن.
علي هاشم المالكي
نون بوست