قبل اثني عشر شهراً من الآن، فشلت أوروبا في النهوض إلى مستوى التحدي الذي شكلته أزمة اللاجئين السوريين. وهي ما تزال تدفع الثمن، وكذلك يفعل اللاجئون.
* * *
• لم يتم ربط كل قضية كبيرة واجهتها أوروبا على مدى الأشهر الاثني عشر الماضية بأزمة المهاجرين واللاجئين. لكن معظمها كانت كذلك. فقد هز وصول أكثر من مليون شخص في أواخر صيف العام 2015 السياسات والمؤسسات الأوروبية، فضلاً عن تحدي وعي أوروبا لنفسها ومكانها في العالم أكثر من أي حدث آخر منذ سقوط جدار برلين. وسوف يكون من الحماقة تصور أن هذه الأزمة قد انتهت الآن، وأن أعداد اللاجئين والمهاجرين لن ترتفع مرة أخرى.
• جاءت إحدى اللحظات الحاسمة في أواخر آب (أغسطس) من العام 2015، عندما أعلنت ألمانيا أنها ستقبل اللاجئين السوريين كافة الفارين من الحرب من دون إعادتهم إلى البلدان الأولى التي دخلوها أولاً في الاتحاد الأوروبي. وبدت كلمات ميركل بعد بضعة أيام من ذلك “سوف نتدبر أمورنا” محورية، ولو أن مسألة ما إذا كانت المستشارة الألمانية قد فتحت الأبواب حقاً لحركة هائلة للاجئين ما تزال موضوعاً للنقاش. فبعد كل شيء، كان اللاجئون يتحركون مسبقاً منذ شهور بمئات الآلاف. وكانت الصور المروعة للرحلات المكتظة بإفراط من أجل الوصول إلى أوروبا مألوفة. وقبل وقت طويل من فتح ألمانيا الأبواب، كانت دول الاتحاد الأوروبي الجنوبية تواجه وضعاً حرجاً، وكانت إداراتها وخدماتها الأساسية تحت ضغط شديد.
في ذلك الوقت، أشاد الكثيرون، بمن فيهم صحيفة “الغارديان” بقيادة ميركل الإنسانية. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن أوروبا فشلت في ذلك الحين في الاختبار الأخلاقي. وقد أحدثت أسوأ أزمة لاجئين في أوروبا الحديثة تأثيراً تحويلياً كان القليلون قد تنبأوا به أو استعدوا له. وأصبح الاتحاد الأوروبي، والدول القومية الأوروبية والأوروبيون كلهم في الميزان. وعلى المستوى السياسي، مكنت الهجرة الأحزاب القومية والشعبوية التي ازداد نفوذها منذ ذلك الحين، من النمسا إلى اسكندنافيا، بطرق ربما تدوم. وربما لم يكن الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي ليحدث لولا المخاوف التي غذتها مشكلة أوروبا مع اللاجئين واستغلالها في ملصقات حزب الاستقلال. كما عرت الفوضى والبؤس على الحدود، من كاليه في الشمال إلى كوس ولامبيدوزا في الجنوب، انقسامات الاتحاد الأوروبي وعدم كفاءته، وعلى نحو نشط ضغوط الطرد المركزي السياسي، والتي ربما لن ينتهي تأثيرها على الاتحاد الأوروبي عند الخروج البريطاني.
الآن، أصبح أحد أعمدة مشروع الاتحاد الأوروبي، منطقة الشنغن للسفر الحر التي تم إنشاؤها في العام 1995، في حالة من الفوضى. وقد تم تعليق العمل بالشنغن في شباط (فبراير) الماضي، ولم يتضح بعد كيف تمكن استعادته. وعبر كامل أنحاء القارة، أصبحت ضوابط الحدود الداخلية التي كانت قد أزيلت ذات مرة -حيث انتشرت في بعض الأماكن، سياجات الأسلاك الشائكة واستخدام الشرطة الغاز المسيل للدموع ضد اللاجئين- هي الطبيعي الجديد. ولا تعكس هذه الظواهر مجرد ارتفاع في المشاعر غير الليبرالية التي تسببت بها ردود الفعل على اللاجئين، وإنما تعكس فشل الاتحاد الأوروبي على المدى الطويل في السيطرة على حدوده الخارجية بفعالية. وما لم تتم السيطرة على الحدود الخارجية وإدارتها، ربما بقوات حرس حدود الاتحاد الأوروبية التي يتم تعزيزها الآن، فإن حرية الحركة والتنقل داخل الكتلة سوف تفاقم المشكلة فحسب.
قبل عام من الآن، فهم الأوروبيون أخيراً أن عالمهم الخاص ليس محمياً من فوضى الشرق الأوسط وأجزاء من أفريقيا وآسيا. وبعد ذلك، انقلبت الجغرافيا السياسية تماماً، فتحولت العلاقات الأوروبية مع تركيا في إطار جهد هدف إلى وقف وصول اللاجئين عبر بحر إيجة. وتعرضت أنجيلا ميركل للكثير من النقد، هذه المرة بسبب سياستها الواقعية وليس بسبب إنسانيتها، لكن الصفقة خفضت الأعداد (بينما نقلت بعض الضغط إلى معبر ليبيا-إيطاليا). وكانت هناك جهود بذلها الاتحاد الأوروبي لجعل دول جنوب الصحراء الأفريقية تستعيد المهاجرين غير المؤهلين للجوء، في مقابل مساعدات تنموية، لكن مثل هذه المساعدات كانت غير مكتملة في أحسن الأحوال. ومع أن معظم ضحايا الحرب والفقر ظلوا في مناطقهم، فإن الهجرة لن تتوقف حتى تتم مساعدة تلك المناطق على أن تصبح أكثر أماناً وازدهاراً.
على الرغم من مؤتمرات القمة والمحادثات التي بلا نهاية حول حصص اللاجئين، والتي لعبت فيها بريطانيا دوراً صغيراً جداً بطريقة لافتة، فقد أظهرت أوروبا نفسها حائرة في الغالب. وبتعاملها مع تركيا كما فعلت، ألحقت الضرر ببعض من مبادئها لحقوق الإنسان. كما غذت الهجمات الإرهابية في فرنسا وغيرها جنون الارتياب في المهاجرين. وأصبحت سياسة الهوية في صعود في كل مكان تقريباً. واستفادت من ذلك الحركات المناهضة للمسلمين، مثل حزب “بديل لألمانيا” الألماني. وما تزال فرنسا تعاني مع مشاكل مثل “البوركيني”، على الرغم من قرار المحكمة الأخير الذي يستحق الترحيب بتعليق حظر محلي على ارتدائه. ومن ناحية أخرى، كانت هناك هذه الإيماءات الكثيرة أيضاً إلى التضامن والإنسانية؛ فقامت شبكات المواطنين بتوزيع الطعام والملابس، وعرضت المأوى. وألقى المتطوعون بأنفسهم في جهود الدعم على الشواطي وفي المخيمات. وتم رفع شعار “أهلاً بالمهاجرين” على البيوت، وملاعب كرة القدم، وأماكن العبادة، وبل وحتى المباني الحكومية.
في العام الذي انقضى منذ تم العثور على جثة الطفل أيلان الكردي على أحد الشواطئ، تبين أن الأوروبيين كانوا غائبين. وقد تعلموا الآن أن ما يجري في بقية العالم يؤثر عليهم أكثر مما كانوا يعتقدون -في إضاءة متأخرة كالحة بعد أن كان لأوروبا الكثير من التأثير على العالم. ووجد الأوروبيون أنفسهم في مواجهة حقيقة أن منطقتهم هي من أغنى أجزاء الكوكب، وأن الكثير من الناس اليائسين، والذين يفر بعضهم بأرواحهم نفسها، يريدون الوصول إليها. أما كيف ستستجيب أوروبا على المدى البعيد، فإن ذلك يبقى في الميزان. لكن السنة الماضية كانت بداية متواضعة.
ترجمة:علاء الدين أبو زينة
صحيفة الغد