أحد الأشياء التي لن تحدث بالتأكيد خلال الأيام الأخيرة المتلاشية من ولاية إدارة الرئيس باراك أوباما -أو حتى الإدارة الأميركية التالية- هو التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. ويتحدث عن الأسباب استطلاع جديد بعنوان “النبض الفلسطيني-الإسرائيلي: استطلاع مشترك”، والذي أجراه مؤخراً معهد الديمقراطية الإسرائيلي في القدس، والمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله.
لطالما جادل المتفائلون المتحمسون بأن إسرائيل والفلسطينيين هم على بعد بوصة واحدة فقط من إحراز السلام، وكما قال وزير الدفاع السابق ليون بانيتا في العام 2011، فإن السلام يمكن أن يتحقق لو أنهم “فقط يذهبون إلى الطاولة الملعونة”. خطأ!
سأل المستطلِعون الفلسطينيين والإسرائيليين عما إذا كانوا يدعمون حلاً قائماً على مبدأ الدولتين. وكانت الإجابة “نعم” ضعيفة. فقد دعم 53 في المائة من الإسرائيليين اليهود و51 فقط من الفلسطينيين فقط ذلك الحل، حتى من حيث المبدأ. لكن معهد الديمقراطية الإسرائيلي هبط بعد ذلك إلى البحث في الحيثيات المهمة. وسوف يتطلب الاتفاق تقديم تنازلات، ولذلك سأل الباحثون كل طرف عن التفاصيل.
فلنأخذ القدس، على سبيل المثال: هل يقبل الناس بتقسيم القدس بحيث تكون القدس الغربية عاصمة إسرائيل والقدس الشرقية عاصمة دولة فلسطينية جديدة؟ أيد 30 في المائة فقط من الفلسطينيين مثل هذا الترتيب، وأيده 32 في المائة من اليهود الإسرائيليين. وكانت الأغلبيات في الطرفين معارضة. وقالت الأغلبيات من الطرفين إن السيادة على جبل الهيكل أو الحرم الشريف هي شأن حساس بالنسبة لهم: قال 55 في المائة من الإسرائيليين إن هذا الموضوع كفيل بتقويض أي اتفاق سلام ممكن، وكذلك فعل 57 من الفلسطينيين (وبعبارات أخرى، فإن أي تسوية يحصل فيها اليهود على الحائط الغربي ويحصل فيها الفلسطينيون على جبل الهيكل لقيت معارضة الأغلبية على كلا الجانبين).
أو، ماذا عن قضية اللاجئين؟ سأل الباحثون عن تسوية تتضمن عودة للاجئين الفلسطينيين إلى فلسطين، وليس إسرائيل، ما عدا 100.000 يمكنهم الذهاب إلى إسرائيل وفق نوع ما من ترتيب “لم شمل العائلات”. مقبول؟ كلا: مقبول فقط لنسبة 17 في المائة من الإسرائيليين اليهود ولنحو 49 في المائة من الفلسطينيين -ولنسبة 43 في المائة فقط للفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية.
هناك عنصر رئيسي ثالث لا يجعل أي أحد سعيداً، هو اتفاق يمنح دولة فلسطين السيادة على مجالها الجوي وأرضها ومواردها المائية، لكنه يسمح للإسرائيليين بالاحتفاظ بمحطتي إنذار مبكر في الضفة الغربية لمدة 15 عاماً. وقد وجد الإسرائيليون أن هذا أكثر بكثير مما يمكن احتماله، وأيدته نسبة 38 في المائة فقط، بينما اعتقد الفلسطينيون أنه قليل جداً وأيدته نسبة 33 في المائة فقط.
وفي قضايا أخرى، وكما هو متوقع، يقول أحد الطرفين “نعم” ويقول الآخر “لا”. وقد دعم اتفاقاً يمكن أن يضع حداً نهائياً للصراع وينهي المطالبات كافة ما نسبتهم 64 في المائة من اليهود الإسرائيليين، وإنما وافق عليه 40 في المائة فقط من الفلسطينيين. وحصل خيار إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح تماماً على دعم 61 في المائة من اليهود الإسرائيليين، وإنما 20 في المائة فقط من الفلسطينيين.
وإذن، فإن فكرة -لو أنهم “فقط يذهبون إلى الطاولة الملعونة”- لن تحل المشكلة، لأن الإسرائيليين والفلسطينيين منقسمون بعمق حول كل القضايا الرئيسية. وبالإضافة إلى ذلك، لا تثق الأغلبيات في الطرفين بالجانب الآخر، ببساطة. ويعتقد 89 في المائة من الفلسطينيين أن اليهود الإسرائيليين غير جديرين بالثقة، والشعور متبادل؛ حيث يعتقد 68 في المائة من الإسرائيليين اليهود أن الفلسطينيين ليسوا أهلاً للثقة أيضاً.
لكن هناك بندين اتفق عليهما اليهود الإسرائيليون والفلسطينيون: أولاً، يعتقد 43 في المائة فقط من كل طرف أن الطرف الآخر يريد السلام. ثانياً، يعتقد 77 في المائة من الإسرائيليين و73 في المائة من الفلسطينيين أن احتمالات التوصل إلى اتفاق سلام يقود إلى إقامة دولة فلسطينية خلال السنوات الخمس المقبلة منخفضة.
وهناك بعض المكتشفات الأخرى المثيرة للاهتمام. إذا كان اتفاق إسرائيلي-فلسطيني سيضم عرضاً من الاتحاد الأوروبي لانضمام إسرائيل إليه، فإن 12 في المائة فقط من الإسرائيليين اليهود المتشككين سيقبلون بتغيير رأيهم والقبول بالاتفاق. فأوروبا، بجالياتها الإسلامية المتنامية ومعاداتها للسامية، لم تعد تشكل إغراء كبيراً. ولكن، إذا كان اتفاق سلام سيعني السلام مع كل الدول العربية، فإن 26 في المائة من اليهود الإسرائيليين سوف يغيرون نظرتهم السلبية ويصوتون بـ”نعم”.
وإليكم اكتشافاً مدهشاً: 29 في المائة من الفلسطينيين سوف يغيرون رأيهم ويقبلون باتفاق إذا أصبحت الدولة الفلسطينية الجديدة والأردن كونفدرالية. ومن اللافت أن الباحثين ضمنوا هذا السؤال الحساس، ومن المدهش أن الكثير جداً من الفلسطينيين نظروا إلى كونفدرالية مع الأردن بشكل إيجابي. ولا تريد القيادة القديمة للسلطة الفلسطينية/ منظمة التحرير الفلسطينية الحديث عن مثل هذا الاحتمال، للعديد من الأسباب. سوف ينتهي فيض الأموال الكثيرة التي تتلقاها لقاء جهد قليل إذا أدارت الحكومة الأردنية الأمور؛ وقد بدأت فكرة أن كل فلسطيني يتشوف من القلب إلى خبرة السيادة في دولة فلسطينية منفصلة، وهو ما كان المطلب الرئيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ عقود، بأن تضعف بكل وضوح باكتشاف أن الفلسطينيين ربما يكونون أكثر براغماتية من “قادتهم” إزاء ما قد يحمله المستقبل.
لكن الاحتمال الذي لا يصمد هو بدء رحلة عودة سريعة إلى طاولة المفاوضات لتوقيع اتفاق سلام. وسوف يشهد العام القادم الذكرى 50 لانتصار إسرائيل في حرب 1967، عندما احتلت الضفة الغربية وغزة. وكان الناس يقولون أن “الاحتلال غير قابل للديمومة ولا يمكن أن يستمر” على مدى نصف قرن، لكن الاحتلال لن ينتهي قريباً على ما يبدو.
إليوت برامز
ترجمة صحيفة الغد