في الأيام المقبلة، سيقصد مئات الآلاف من المسلمين مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج. وخلافاً للعام الماضي، لن يكون هناك إيرانيين، بسبب عدم تمكن طهران والرياض من التوصل إلى اتفاق حول تخصيص تأشيرات دخول ووضع ترتيبات أمنية تهدف إلى ضمان عدم تكرار ذلك النوع من التدافع المأساوي الذي أودى بحياة المئات من الحجاج في العام الماضي – ذلك الحادث الذي تعرضت فيه إيران لأكبر عدد من الضحايا يفوق أولئك الذين لقوا حتفهم من أي بلد آخر. وفي الخامس من أيلول/سبتمبر أعلن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي أن الإيرانيين الذين أصيبوا بجروح في العام الماضي ثم وافتهم المنية قد “قتلوا” بسبب انعدام الرعاية المناسبة في المملكة. ودعا إلى إعادة النظر في إدارة الرياض للأماكن المقدسة، مما يشكل في الواقع تحدياً مباشراً لشرعية العائلة المالكة السنية في المملكة، منذ أن أعلن [الملك السابق فهد بن عبد العزيز] عام 1986، عن تغيير لقب العاهل السعودي من صاحب الجلالة ليصبح “خادم الحرمين الشريفين مكة المكرمة والمدينة المنورة “.
وفي السادس من أيلول/سبتمبر أثار كلام خامنئي رداً عنيفاً من قبل مفتي السعودية، [عبد العزيز آل الشيخ]، الذي وصف الأغلبية الشيعية في إيران كـ “زرادشتية” و “ليست مسلمة”. إن المشاعر المعادية للشيعة شائعة في المملكة العربية السعودية، كما أن “الزرادشتية” المنحرفة (تقديس النار) تُذكر أحياناً في الصحافة. إلا أن الاستخدام العلني جداً لمثل هذه الكلمات من قبل مفتي السعودية هو أمر غير عادي- على الرغم من أنه ليس مستغرباً نظراً لرسالة خامنئي [التي ذُكرت على موقعه الإلكتروني الرسمي].
ولم يتوقف التصعيد اللفظي عند هذا الحد: فبعد ساعات قليلة من تلك الرسالة، شارك وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في هذه المناقشة المستقطبة، بتغريدة عن “التطرف المتعصب الذي يدعو له كبير علماء الوهابية وأسياد الارهاب السعودي”. وليس هناك شك بأن ذلك كان رداً مباشراً على كلمات المفتي (لأن اسم “الوهابية” يطلق في كثير من الأحيان على النسخة السعودية من الإسلام)، وتأكيداً على الإدعاءات الإيرانية القائمة منذ مدة طويلة بأن الرياض تدعم الجماعة الإرهابية المعروفة بـ تنظيم «الدولة الإسلامية».
ويمكن القول إن الوضع سيئاً كما كان عليه في عام 1987، عندما صرخ الحجاج الإيرانيين في مكة شعارات سياسية دفعت “قوات الحرس الوطني” السعودي المولعة بإطلاق النار، إلى الضغط على الزناد، مما أسفر عن مقتل العشرات. وحتى من دون وجود إيرانيين في مكة المكرمة هذا العام، ثمة خطر شديد بحدوث المزيد من التصعيد بين البلدين.
وفي هذا الصدد، سيكون ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان صانع القرار الرئيسي على الجانب السعودي، حيث من المرجح أن يحبذ اتباع نهج حازم بدلاً من مقاربة تصالحية. فكوزير للدفاع، كان الأمير بن سلمان المؤيد الرئيسي لعمليات التدخل التي قادتها السعودية في اليمن، والتي سبّبها الدعم الإيراني للمتمردين الحوثيين. وقد أصبحت الآن تلك الحملة حرباً بالوكالة بين إيران والسعودية، وهو الأمر بالنسبة للصراعات في العراق وسوريا، وبدرجة أضيق نطاقاً، في البحرين. أما الأقلية الشيعية في السعودية، التي تتركز في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط المتاخمة للبحرين – المملكة التي هي مقر الأسطول الأمريكي الخامس – فمن المرجح أن تستشيط غضباً من الحرب الكلامية، وهناك احتمال حدوث خطأ في التقدير، بل حتى قيام اشتباكات عسكرية مباشرة. وفي ضوء هذا الخطر، يتعين على المجتمع الدولي العمل بشكل جماعي وفردي على حث الجانبين على تهدئة الخطابات.
وعلى أقل تقدير، يمثل التوتر انتكاسة لسياسة الولايات المتحدة، لأن إدارة الرئيس أوباما كانت تأمل في أن يتم تخفيض هذا العداء، على الأقل إلى حد ما، من خلال الاتفاق النووي مع إيران الذي تم التوصل إليه في العام الماضي. وفي مقابلة مع مجلة “نيويوركر” في كانون الثاني/ يناير 2014، قال الرئيس أوباما: “سيكون ذلك في مصلحة المواطنين في جميع أنحاء المنطقة إذا لم يكن لدى السنة والشيعة النية قتل بعضهم البعض … وعلى الرغم من أننا لم نحل المشكلة برمتها، فقد كنا قادرين على حمل إيران على العمل بالصورة المطلوبة- عدم تمويل المنظمات الإرهابية ، وعد محاولة إثارة الصراعات الطائفي في بلدان أخرى، وعدم تطوير سلاح نووي- بالإمكان رؤية التوازن بين دول الخليج السنية، أو بالأغلبية السنية، وإيران حيث توجد هناك منافسة، وربما شك، ولكن ليس على شكل حرب بالوكالة”.
ويكمن جزء من التحدي لتهدئة الوضع في التعامل مع الاعتقاد الظاهري في المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج العربية على أن إدارة أوباما تفضل إيران. وقد سببت مقابلة الرئيس الأمريكي مع مجلة “ذي أتلنتيك” في نيسان/أبريل مفاجأة كبيرة في الرياض وعواصم أخرى، لا سيما عندما قال، “إن المنافسة بين السعوديين والإيرانيين … تستدعي منا أن نقول لأصدقائنا كما للإيرانيين أن عليهم أن يتوصلوا إلى طريقة يتقاسمون من خلالها الجوار ويقيمون نوعاً من السلام البارد “. وقبل ذلك بأربعة أشهر كانت السعودية قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران بعد اقتحام سفارتها في طهران – وهي الحادثة التي تلت قيام المملكة بإعدام عالم الدين الشيعي السعودي [نمر النمر].
ونظراً للتقارير الأخيرة عن المناورات العدوانية التي قامت بها وحدات «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني في الخليج، فإن الدخول في مواجهة مع القوات الأمريكية أمراً ممكناً أيضاً. ووفقاً لذلك، فإن رد واشنطن على زيادة التوترات يجب أن يشمل عناصر دبلوماسية وعسكرية – على سبيل المثال، إيفاد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أو مسؤول آخر رفيع المستوى إلى المملكة في الوقت الذي يتم فيه تعزيز الأسطول الخامس بشكل واضح. ولن يأمل حلفاء أمريكا في المنطقة بشئ أقل من ذلك. ومن دون قيام رد كبير من قبل الولايات المتحدة، فمن المرجح أن تميل المملكة العربية السعودية إلى النظر في مسار عمل أكثر استقلالية وربما أكثر خطورة.
سايمون هندرسون
معهد واشنطن