لا حاجة لتفنيد كل بذاءات الثلاثي الإيراني الأخيرة. فما قاله الثلاثي علي خامنئي. وحسن فريدون روحاني. وجواد ظريف، عن الدولة السعودية طافح بالعنصرية المكشوفة المعادية للعرب، في التطاول الظاهر عليها.
الثقافة الإنسانية في عصرنا اليوم تدين العنصرية في مواثيق حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة، منذ إلحاق الهزيمة الساحقة بالفاشية العنصرية الآرية في الحرب العالمية الثانية. فقد حاول الحزب النازي اجتياح أوروبا بالقوة، لفرض هيمنة الجنس «الآري» المتفوق في اعتقاده على سائر الأجناس الأخرى.
وهذا ما تفعله العنصرية الآرية الإيرانية، في محاولتها المحمومة لاجتياح العالم العربي بالقوة والخديعة. فقد تبرقعت العنصرية الفارسية بالبرقع الطائفي، لتسهيل الاختراق بشراء ولاء الأقلية الشيعية. و«حزب الله» صورة واضحة لعسكرة هذه الطائفة. فهو يجد المهمة الأنسب له في قتل السوريين العرب. لا العنصريين الإسرائيليين.
احتفظ الخميني بالاسم العنصري للدولة الفارسية. فالدولة الدينية التي أقامها هي إيران، الرمز ذاته الذي يشير إلى عنصرية الجنس الفارسي الآري الحاكم والمهيمن على الأجناس غير الآرية. وفي مقدمتها العنصر العربي الذي يسكن ضفتي الخليج.
اتهام خامنئي للسعودية ينم عن جهل فاضح بتاريخ هذه الدولة، فالأسرة الحاكمة كانت تحكم مدنًا في قلب نجد منذ أواسط القرن الثامن عشر. أي أنها كانت في موقع مدني متقدم يتجاوز القبلية والعشيرية. وقد سبق للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز أن قال: «هذه الدولة (السعودية) قامت على الدعوة إلى التوحيد، لا على العصبية القبلية».
الإسلام دين لا عنصري في أمميته العالمية. كان النبي العربي مدركًا لخطر العنصرية الفارسية على الإسلام. وعلى العرب أيضًا كالأمة التي حملت هذا الدين إلى العرب والأجناس الأخرى، بما فيها الفرس.
كان الصحابي سلمان الفارسي، وهو أحد قلة من الفرس الذين وَعَوْا دور الإسلام منذ فجره. وتكنّى باسم عربي، يروي ما قاله له النبي العربي: «يا سلمان لا تبغضني. فتفارق دينك. قلت: يا رسول الله، كيف أبغضك، وبك هدانا الله؟ فأجاب الرسول: تبغض العرب، فتبغضني».
الحياء أدب السلوك في الإسلام. كان النبي العربي محمد بن عبد الله يقول: «إن لكل دين خلقًا. وخُلُقُ الإسلام الحياء». فهل في تخرصات خامنئي. وروحاني. وظريف، شيء من أدب الحياء في الإسلام؟ كان عمر بن الخطاب يناشد المسلمين التعاطف مع العرب: «لا تذلوا العرب. فإنهم مادة الإسلام». مع ذلك اغتيل عمر رضي الله عنه بالخنجر المسموم للفارسي أبي لؤلؤة.
فلا غرو أن تثير العنصرية الفارسية العتب المرير في الأدب العربي. يتساءل الشاعر العربي القديم عن ماهية الدين عند الفرس: «ومن يكن سائلاً عن أصل دينهمُ / فإن دينهم أن تقتل العربُ». ويصل العتب عند الشاعر المغيرة التميمي إلى التهكم والسخرية بالفرس الذين مارسوا الختان عندما أدركهم عجز الشيخوخة: «اختتن القوم بعدما هرموا / واستعربوا ضلة وهم عجمُ».
كان النبي العربي يؤمن بمكانة العقل في الإسلام: «لكل شيء دعامة. ودعامة المؤمن عقله. فبقدر عقله تكون عبادته». هل من أبلغ من هذا التصريح بمكانة العقل؟ فما أحوجنا نحن العرب والمسلمين إلى العقل. والحكمة، سواء في القرار. والولاء. والمعارضة.
هل كانت الدولة الدينية التي أنشأها الخميني على شيء من حكمة السياسة. وتدبير العقل. والحياء في الإسلام؟ خالف الخميني المواثيق والأعراف الدولية. فاعتقل دبلوماسيي السفارة الأميركية في طهران 444 يومًا بعدما اجتاحها.
خلعت أميركا الشاه واستقدمت الخميني من المنفى. تسلمته إيران. فردَّ الجميل بإعدام الجناح «الأميركي» في نظامه. فأين إرهابية السلوك الإيراني، من حكمة السلوك السعودي؟ لم يحدث أن انتهكت حرمة سفارة. أو قنصلية عربية وأجنبية في السعودية، منذ أن أعلن العاهل المؤسس عبد العزيز آل سعود استقلالها في عام 1933.
بات موسم الحج يثير أعصاب العنصرية الفارسية في كل عام. فتتصاعد الحملات الرسمية وغير الرسمية على المملكة العربية السعودية. ولعل وجود الأماكن المقدسة في أرض عربية يستحيل نقلها منها. وتولي العرب خدمة هذه الأماكن. ورعايتها. وتطويرها منذ فجر الإسلام. وتوجه الحجيج المسلمين للتبرك بها، متناسين مذاهبهم. وطوائفهم. وسياساتهم. وأجناسهم… كل ذلك يشكل غيرة حادة في نفوس الملالي الحاكمين، لبقاء العتبات الشيعية قاصرة على زيارة قوافل الشيعة لها فقط، دون غيرهم من المسلمين.
عندما أخفق النظام الإيراني في تسييس الحج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، توجه إلى استغلال حوادث الحج المؤسفة، للدعوة إلى نزع امتياز حماية الأماكن وأمن الحجيج من أيدي العرب. وتشكيل هيئة إسلامية لإدارتها، يكون لإيران دور بارز فيها.
هذه الدعوة اللئيمة اقتصرت على إيران. ولم تشارك فيها أية دولة أو هيئة إسلامية أو عربية، لاستحالة قبول السعودية بها، فهي تمس استقلالها. وسيادتها. وإسلامها. وعروبتها. الواقع أن حوادث المرور المؤلمة تعود إلى مخالفة مجموعات الحجيج للتعليمات الأمنية والمرورية السعودية. وأيد ذلك تحقيق واسع نشرته أخيرًا «نيويورك تايمز». وبالتالي، فارتفاع عدد الضحايا الإيرانيين راجع إلى كونهم من المجموعات المخالفة، نكاية بهذه السلطات لإرباكها.
المؤلم أن ممر منى حيث يجري رجم إبليس بالجمرات، هو المكان المناسب للشيطان، للإيقاع بالحجيج الإيرانيين. وفي الموسم الحالي، وقعت الدول الإسلامية باستثناء إيران اتفاقًا مع السعودية لتنظيم موسم الحج. واتخذت السلطات إجراءات صارمة لإلزام الحجيج بالتقيد بإجراءات الأمن والمرور. واقتصر عدد القادمين من الخارج على حوالي مليون و400 ألف حاج هذا العام.
عرفت الأماكن المقدسة توسعًا هائلاً في خدمتها في عهد كل مليك سعودي. وكان برنامج التوسعة في عهد العاهل الراحل فهد بن عبد العزيز هو الأضخم (توسيع المسجد الكبير في مكة ارتفع من 410 آلاف متر مربع إلى 773 ألف متر مربع. وفي مسجد النبي بالمدينة المنورة، استوعبت التوسعة 700 ألف مصلٍ. أو مليون حاج). وبلغت التكلفة 7 مليارات دولار.
الأرقام هي الحقائق الثابتة التي لا يستطيع ملالي إيران إنكارها. لكن النظام الإيراني ما زال يتبع التقية في التحايل. والإنكار. يكتب الوزير ظريف في الصحيفة الأميركية المشار إليها زاعمًا «إن أولويات السياسة الإيرانية الخارجية هي الصداقة مع جيرانها (العرب). والسلم. والاستقرار»… أليس من حسن الجيرة عند إيران، وجود جيش حقيقي إيراني من فيلق القدس. والحرس الثوري. و«حزب الله». والميليشيات الشيعية العراقية. والأفغانية، في سوريا ليرتكب المجازر مع النظام العلوي؟ وأليس من دلائل السلم تزويد الحوثيين بالصواريخ لتقصف المدن الحدودية؟
غسان الإمام
صحيفة الشرق الاوسط