الاتفاق الأميركي-الروسي حول الوضع في سوريا كشف أربع حقائق: الحقيقة الأولى، أن روسيا هي التي تلهث وراء اتفاق مع أميركا في سوريا، إذ كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري قد تمنّع عن المجيء (الخميس الماضي) إلى جنيف للاجتماع مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بينما كان هذا الأخير في انتظاره، بل إن لافروف اضطر للتنازل إلى حدّ إجراء مكالمة هاتفية معه، تم خلالها تذليل بعض القضايا الخلافية، والاتفاق على لقاء الجمعة. وحتى في هذا اللقاء الذي استمر ساعات طويلة وتمخّض (فجر السبت) عن اتفاق، فقد تم تأخير المؤتمر الصحافي واضطر معه لافروف للانتظار طويلا، ريثما ينهي كيري مشاوراته مع المسؤولين الأميركيين في واشنطن. وللتذكير فقد جرى كل ذلك في الوقت الذي تعتبر فيه روسيا نفسها أنها باتت تمتلك أوراق قوة بعد معاودة حصار المعارضة في حلب.
الحقيقة الثانية، أن الولايات المتحدة ليست في عجلة من أمرها وأن لا شيء يثقل عليها في سوريا، وهي تكتفي بفرض صيغة لا غالب ولا مغلوب. هكذا حتى هذا اللاحسم لا يخدم روسيا، فهي لا تملك الوقت وهي تخسر خاصة في ظل تراجع وضعها الاقتصادي، وفي تخوّفها من زيادة التورط في سوريا من دون أي أفق منظور.
الحقيقة الثالثة، أن ثمة فارقا هائلا في القدرة والقوة بين الطرفين، إذ أن أميركا لا تخسر خاصة وأنها غير متورّطة في الصراع العسكري وأنها تستخدم قوتها “الناعمة” فقط ربما إلى حين تشعر بأن اللحظة قد حانت وأن روسيا استنزفت تماما، وأن هذين العنصرين تتحسب لهما، لا سيما بعد دخول تركيا على خط المعادلة مباشرة، خاصة بعد النجاح في التقليص من قوة “داعش” وأخوات “القاعدة”.
الحقيقة الرابعة، أن الولايات المتحدة في كل ذلك تحرص على صيغة أن حلب خط أحمر، لا يسمح بإنهاء المعارضة فيها، وأنه لذلك لا أكثر من الحفاظ على خطوط القتال على حالها، وفق صيغة لا غالب ولا مغلوب، علما وأنها لا تفعل شيئا أو لا تستخدم أوراق الضغط لديها حتى “الناعمة” أي من دون أي جندي على الأرض لفرض واقع جديد، لا لنصرة المعارضة ولا لهزيمة النظام ولا للضغط الجدي على روسيا. ومعلوم أن الولايات المتحدة، مثلما فرضت نزع السلاح الكيميائي، بإمكانها فرض قيام منطقة حظر جوي، أو فرض منطقة آمنة، أو إجبار النظام على إدخال المساعدات الغذائية إلى المناطق المحاصرة، أو السماح بتسليح الجيش الحر بمضادات الطائرات.
وفي الحقيقة، فإن البعض اعتاد التعامل بسذاجة ورغبوية وتسرّع في ما يخص موقف الولايات المتحدة مما يجري في سوريا، مع تأكيدنا على أنه موقف سياسي وأخلاقي عديم المسؤولية ويديم أمد الصراع ويفاقم من عذابات السوريين. السؤال الذي يفترض طرحه هو، ما هي مصالح الولايات المتحدة في سوريا أصلا؟ وهل ما يجري يؤثّر عليها، سياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا، سلبا أم إيجابا؟
واضح أن الولايات المتحدة لا تخسر لا جنديا ولا سنتا واحدا فيما تتفرّج على الآخرين (روسيا وإيران وتركيا ودول عربية) يستنزفون سياسيا واقتصاديا وأمنيا ويخسرون، بل إن هؤلاء كلهم يتطلّعون إلى الولايات المتحدة، بحكم قدراتها، على أن تحسم أمرها لانتشالهم من هذه الورطة، التي دخلها كلّ لغاياته. هذا يفسر اللامبالاة الأميركية ولهاث الأطراف لا سيما وأن روسيا كما ذكرنا، خلفها. وفي مقابل ذلك، فإن روسيا تصارع في سوريا لتعزيز مكانتها ومساومتها مع الولايات المتحدة على ملفات أخرى مثل أوكرانيا، والصواريخ في حديقتها الخلفية، وأسعار النفط وخطوط الغاز، ورفع العقوبات الأميركية عنها.
على أي حال، فإن الاتفاق الأميركي-الروسي الجديد، هو اتفاق مؤقت، وتقني متعلق بالصراع العسكري على الأرض في حلب، أي وقف القتال وتمكين المساعدات الإنسانية ومحاربة الإرهاب. ومن حيث التفاصيل، فهذا الاتفاق يعتمد على عدة أسس؛ وقف إطلاق النار، ووقف القصف الجوي والمدفعي، وتحديد خطوط التماس بين المتصارعين، بحيث لا يتم خرقها، وفتح طريق الكاستيلو لدخول شاحنات المساعدات الغذائية الدولية، وفرضه كمنطقة محظورة على المتقاتلين أو كمنطقة منزوعة السلاح، وعقد هدنة كفترة اختبار، والتركيز على محاربة داعش وأخوات القاعدة، وهي العناصر التي تؤدي في حال نجاحها إلى تشكيل خلية أميركية-روسية تراقب هذا الاتفاق وتحدد الأماكن التي يمكن استهدافها في إطار محاربة الإرهاب، وصولا إلى استئناف مفاوضات جنيف بين النظام والمعارضة لفتح الطريق أمام الحل الانتقالي.
ماجد كيالي
صحيفة العرب اللندنية