عندما يكتب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لصحيفة نيويورك تايمز، كما فعل قبل يومين، ضمن أجواء إحياء الأميركيين ذكرى أحداث “11 سبتمبر”، لا يكتب باعتباره وزير خارجية جمهورية إيران الإسلامية، أو باسم “الثورة الإسلامية” في إيران، والتي يفترض أنها الحاكم الرئيسي في طهران منذ 1979، بل يكتب بالضبط ما يريد الجمهور الأميركي سماعه. يكاد أن يكون ما كتبه ظريف، أخيراً، مجرد صدى لأفكار الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في حواره الشهير مع صحيفة ذا أتلانتك.
من ناحية دبلوماسية، هذا مفهوم بين حلفاء، يشتركون في الأيديولوجيا نفسها، ووجهات النظر حول الأحداث. لكن، في حالة علاقة إيران مع “الشيطان الأكبر”، فإن ما يكتبه ظريف لا يتجاوز ما انتقده في المقال نفسه، أن تكون المقالة جزءاً من “حملة علاقات عامة” لتلميع إيران، ودعمها أكثر المليشيات الطائفية دمويةً في العراق وسورية، وذلك بمهاجمة السعودية، والوهابية.
ربما كان الحديث عن “التمييز ضد المرأة” الغائب الوحيد عن مقالة ظريف الذي لم يترك باباً لمغازلة “الشيطان الأكبر” إلا وطرقه. فتحدّث عن أهمية قيام تعاون دولي ضد الوهابية، لأنها “تستأصل الأقليات” و”تضيق على السنة” و”تنشر التطرّف”، وتُنتج “طالبان” و”الدولة الإسلامية” و”تمارس الإرهاب” في بروكسيل وباريس..إلخ. بل تحدث عن إزاحة صدام حسين، باعتباره حدثاً يُحتفى به، على الرغم من ادّعاء إيران أنها ضد الاحتلال الأميركي للعراق.
ومن المهم هنا، لظريف، التذكير بالتراجيديا الأميركية، وأحداث سبتمبر، في المقالة التي بدأها بحديث عن شركات العلاقات العامة التي تستخدم الـ “بترودولار” لتلميع الوهابية وجبهة النصرة والجماعات الإرهابية الأخرى … إلخ. وفي ذلك، لم يكتب الوزير الإيراني إلا ما هو سائد إعلاميا في الدوائر الإعلامية والأكاديمية الغربية، ومن السهل جداً إعلاميا تعزيز وجهة النظر الدارجة بين الناس. ومن هنا، تأتي مشكلة مواجهة الخطاب الإيراني، عموماً، فالسائد في مقاربة إيران إعلاميا الحديث عن قشور السياسات الإيرانية، داخلياً وخارجياً، من دون التطرق إلى الإشكاليات الحقيقية مع طهران. فعند الحديث عن إيران، يُذكر، على سبيل المثال، موضوع الطموحات النووية الإيرانية، أو التمييز ضد المرأة، أو فرض سماتٍ دينية على المجال العام، أو دعمها حزب الله ودعواتها لمسح إسرائيل من الوجود (وهنا التباين بين إيران أحمدي نجاد، وإيران حسن روحاني، على الرغم من أنهما تحت ظلال المرشد ذاته).
أما الاختلاف الحقيقي حول السياسة الإيرانية فلا يكاد أن يتطرّق إليه أحد في العالم. أي نشرها الطائفية والمليشيات في المنطقة، وتدميرها العراق وحكمه على أسس طائفي، عبر أحزابٍ دينيةٍ موالية لها، وجلبها المليشيات من دول عدة، لمساندة الأسد ونظامه، وجرائمه. بالإضافة إلى سياساتها القمعية في الداخل.
لا تشغل المجازر التي تدعم إيران ارتكابها في المنطقة أحداً في أوروبا والولايات المتحدة التي لا ترى المنطقة إلا بمنظور محاربة الإرهاب، ذلك الذي يستهدف “العالم الحر”، ويتمثل، منذ تسعينيات القرن الماضي، بـ “التشدّد السني”، أما الإرهاب الذي يطهر مدناً وبلدات عراقية وسورية، ويمارس التغيير الديمغرافي في دمشق وبغداد، فلا أهمية له، فبغداد ليست بروكسيل، ودمشق ليست باريس.
عندما يتحدّث أوباما عن المنطقة، لا يرى فيها أكثر من تنظيم الدولة الإسلامية، واستهداف الإيزيديين، وزحف “داعش” إلى أربيل، والذي كان إيذاناً ببدء عمليات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة، تحت قيادة الولايات المتحدة منذ 2014. لذا جاء تعليق أوباما على ما تفعله إيران في المنطقة، من باب “تقاسم حسن الجوار”، لا على أساس إخراج إيران من العراق وسورية، ووقف تمدّدها إلى اليمن، فتمدّد إيران في المنطقة، ودعمها مليشيات طائفية، ودكتاتوراً مستبداً، ومجازر طائفية، لا يعد ضمن ما يُصنف أميركيا “إرهاباً”.
أمام هذا كله، لا ينبغي التعويل على أحد لمواجهة جرائم إيران في المنطقة، ولا حتى انتظار التغيير في البيت الأبيض، فما يواجهه العرب هو مصيرهم وحدهم، وعليهم وحدهم مواجهته.
بدر الراشد
صحيفة العربي الجديد