لم يكن الخطاب الدبلوماسي العربي في يوم ما موحداً أو متوحداً على مدى عقود مضت، فمنذ استقلال الدول العربية وهي تعيش تبايناً في المواقف طال القضايا المصيرية. ولم تتغير هذه الحالة بتغيّر الظروف وتعرّض القضايا المصيرية للخطر، بل وانتقال المجتمعات من حالة وعي متأخرة إلى حالة متقدمة، بل إن ثورة تكنولوجيا المعلومات وثورة الاتصالات وما تبعهما من تحالفات عالمية لم تجعلهم يفكرون ولو مرة واحدة بشكل جاد، بتوحيد مواقفهم في المحافل الدولية، ولا نقول وضع استراتيجيات قومية تخدم مصالحهم.
اعتقدنا أنه بعد أن انقلبت الأوضاع رأساً على عقب في دول عربية عديدة، وما أفرزه (الربيع العربي) من تطرف وتعصب وإرهاب، وبعد أن أصبحت كيانات بأكملها عرضة للتفكك والتقسيم، وربما الذوبان، اعتقدنا أن يجمع العرب كلمتهم في المحافل العالمية على الأقل، ليظهروا أمام العالم أنهم شعوب تربطها مصاير مشتركة، وتاريخ مشترك، وتعيش التحديات ذاتها، حتى إذا طلبوا المعونة أو النجدة من أي تحالف آخر، يستجيب لهم، لكنهم، ورغم كل ما ذكرنا، ذهبوا إلى الأمم المتحدة في اجتماعها الأخير يوم الثلاثاء الماضي، وهم يغنون كلٌّ على ليلاه، فظهروا أمام وسائل الإعلام كأنهم في أمسية شعرية يشارك فيها الشاعر الكلاسيكي والحداثي، أو أمام ندوة سياسية يشارك فيها الشيوعي إلى جانب الاشتراكي إلى جانب الرأسمالي، ويناقشون قضايا مختلفة وبأفكار ومنطلقات مختلفة، وبسياسات مختلفة.
لقد ظهر العرب سياسياً، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وبالصراع العربي- «الإسرائيلي» وكأنهم لم يقدموا في يوم ما مبادرة تحت عنوان (الأرض مقابل السلام)، ولا بد من المرور على بعض ما جاء في خطاباتهم، ولنبدأ بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي كان أكثرهم حدةً، وظهر كمن طفح به الكيل، فقد قال، إن الجانب الفلسطيني لا يمكنه الاستمرار بالالتزام بالاتفاقيات الموقعة مع «إسرائيل» ما دامت مصرة على عدم الالتزام بها وترفض وقف الاستيطان والإفراج عن الأسرى. وإن عليها أن تتحمل مسؤولياتها كافة كسلطة احتلال؛ لأن الوضع القائم لا يمكن استمراره. وهدّد عباس بأن السلطة الفلسطينية «ستبدأ بتنفيذ هذا الإعلان بالطرق والوسائل السلمية والقانونية، فإما أن تكون السلطة الوطنية الفلسطينية ناقلة للشعب الفلسطيني من الاحتلال إلى الاستقلال، وإما أن تتحمل «إسرائيل» «سلطة الاحتلال مسؤولياتها كافة». وتهكم من المنادين بحل الدولتين فقال: «إن من يقول إنه مع خيار حل الدولتين عليه أن يعترف بالدولتين وليس بدولة واحدة فقط، إذ لم يعد من المفيد تضييع الوقت في المفاوضات». وكرر ما نادى به مراراً فقال، إن «المطلوب هو إيجاد مظلة دولية تشرف على إنهاء هذا الاحتلال وفق قرارات الشرعية الدولية»، كما طالب بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وفقاً للقانون الدولي الإنساني. واتهم الكيان الصهيوني بالإرهاب، إذ إن جرائمه مرت من دون عقاب. وتساءل التساؤل ذاته الذي يكرره الساسة والشعب العربي وفي العالم أيضاً: «إلى متى ستبقى «إسرائيل» فوق القانون الدولي؟».
أما عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني فقد تحدث عن القدس كركيزة للسلام في المنطقة والعالم، وقال، إن هذا الأمر «على رأس أولوياتي شخصياً وألويات جميع المسلمين»، وقال: «بحكم موقعي كوصي على المقدسات الإسلامية، فسوف أواصل حماية هذه الأماكن والتصدي لكل الاعتداءات على قدسيتها بما في ذلك محاولات التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى..».
أما رئيس مصر عبدالفتاح السيسي فذكّر الإعلام العربي والعالمي والدبلوماسيين بخطاب الرئيس الراحل أنور السادات، حين ذهب إلى الكنيست «الإسرائيلي»، ودعاهم للسلام، وقال أمام حضور الدورة 71 لجمعية الأمم المتحدة: «أطالب «الإسرائيليين» بفتح صفحة جديدة، والدخول في عملية سلام مع الفلسطينيين..»، وأشار إلى أنه «مع توفير الأمن للفلسطينيين، والأمن والمزيد من الازدهار «للإسرائيليين»!
أما بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء «الإسرائيلي» فقد انتقد كلمة الرئيس الفلسطيني وقال بكل عنجهية ووقاحة، إنه لا يمكن لحكومته مواصلة الالتزام بالاتفاقيات وأن كلمة الرئيس محمود عباس مخادعة وتشجع على التحريض والتدمير في الشرق الأوسط، وأشار إلى أنه أصبح لديه تحالفات مع دول عربية في المنطقة لمواجهة الإرهاب. وقال وكأنه يرد على كلمة ملك الأردن، إن «إسرائيل» تحافظ بشكل قوي على الوضع الراهن في جبل الهيكل (الاسم اليهودي للحرم الشريف) كما أنها ملتزمة بمواصلة ذلك، طبقاً لجميع التفاهمات بيننا وبين الأردنيين والأوقاف».
ولم يختلف موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن موقف نتنياهو حين قال: «الفلسطينيون سيكونون بحالة أفضل إذا رفضوا التحريض واعترفوا بشرعية «إسرائيل».. ولكنه قال أيضاً، إن «إسرائيل» تدرك أنها لا يمكن أن تحتل أرضاً فلسطينية إلى الأبد وتستمر في بناء المستوطنات».
صحيح أن كلمات الرؤساء والحكام العرب تحدثت عن القضية الفلسطينية، ولكن المواقف لم تكن متشابهة، فبينما تحدث آخرون عن القدس والتطبيع، فلم يتحدث أحد بمن فيهم الرئيس الفلسطيني بشكل واضح وقوي عن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم وبيوتهم التي طُردوا منها بقوة السلاح في العام 1948، في عملية هي الأكثر بشاعة في التاريخ المعاصر، وانطوت على مذابح وتطهير عرقي.
الخطاب العربي العالمي لم يكن في المستوى المطلوب، ولم يستغله الحاضرون ليطرحوا مشروعهم بشأن القضية الفلسطينية، وبشأن الاحتلال «الإسرائيلي» الذي جزأ الوطن العربي سياسياً وجغرافياً واقتصادياً، ولا يزال ينفذ سياساته التوسعية، بل إنه يتدخل بشكل سافر وتآمري إلى جانب المتطرفين والإرهابيين لبث المزيد من الفوضى في الجسد العربي.
اعتقدنا أنه بعد أن انقلبت الأوضاع رأساً على عقب في دول عربية عديدة، وما أفرزه (الربيع العربي) من تطرف وتعصب وإرهاب، وبعد أن أصبحت كيانات بأكملها عرضة للتفكك والتقسيم، وربما الذوبان، اعتقدنا أن يجمع العرب كلمتهم في المحافل العالمية على الأقل، ليظهروا أمام العالم أنهم شعوب تربطها مصاير مشتركة، وتاريخ مشترك، وتعيش التحديات ذاتها، حتى إذا طلبوا المعونة أو النجدة من أي تحالف آخر، يستجيب لهم، لكنهم، ورغم كل ما ذكرنا، ذهبوا إلى الأمم المتحدة في اجتماعها الأخير يوم الثلاثاء الماضي، وهم يغنون كلٌّ على ليلاه، فظهروا أمام وسائل الإعلام كأنهم في أمسية شعرية يشارك فيها الشاعر الكلاسيكي والحداثي، أو أمام ندوة سياسية يشارك فيها الشيوعي إلى جانب الاشتراكي إلى جانب الرأسمالي، ويناقشون قضايا مختلفة وبأفكار ومنطلقات مختلفة، وبسياسات مختلفة.
لقد ظهر العرب سياسياً، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وبالصراع العربي- «الإسرائيلي» وكأنهم لم يقدموا في يوم ما مبادرة تحت عنوان (الأرض مقابل السلام)، ولا بد من المرور على بعض ما جاء في خطاباتهم، ولنبدأ بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي كان أكثرهم حدةً، وظهر كمن طفح به الكيل، فقد قال، إن الجانب الفلسطيني لا يمكنه الاستمرار بالالتزام بالاتفاقيات الموقعة مع «إسرائيل» ما دامت مصرة على عدم الالتزام بها وترفض وقف الاستيطان والإفراج عن الأسرى. وإن عليها أن تتحمل مسؤولياتها كافة كسلطة احتلال؛ لأن الوضع القائم لا يمكن استمراره. وهدّد عباس بأن السلطة الفلسطينية «ستبدأ بتنفيذ هذا الإعلان بالطرق والوسائل السلمية والقانونية، فإما أن تكون السلطة الوطنية الفلسطينية ناقلة للشعب الفلسطيني من الاحتلال إلى الاستقلال، وإما أن تتحمل «إسرائيل» «سلطة الاحتلال مسؤولياتها كافة». وتهكم من المنادين بحل الدولتين فقال: «إن من يقول إنه مع خيار حل الدولتين عليه أن يعترف بالدولتين وليس بدولة واحدة فقط، إذ لم يعد من المفيد تضييع الوقت في المفاوضات». وكرر ما نادى به مراراً فقال، إن «المطلوب هو إيجاد مظلة دولية تشرف على إنهاء هذا الاحتلال وفق قرارات الشرعية الدولية»، كما طالب بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وفقاً للقانون الدولي الإنساني. واتهم الكيان الصهيوني بالإرهاب، إذ إن جرائمه مرت من دون عقاب. وتساءل التساؤل ذاته الذي يكرره الساسة والشعب العربي وفي العالم أيضاً: «إلى متى ستبقى «إسرائيل» فوق القانون الدولي؟».
أما عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني فقد تحدث عن القدس كركيزة للسلام في المنطقة والعالم، وقال، إن هذا الأمر «على رأس أولوياتي شخصياً وألويات جميع المسلمين»، وقال: «بحكم موقعي كوصي على المقدسات الإسلامية، فسوف أواصل حماية هذه الأماكن والتصدي لكل الاعتداءات على قدسيتها بما في ذلك محاولات التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى..».
أما رئيس مصر عبدالفتاح السيسي فذكّر الإعلام العربي والعالمي والدبلوماسيين بخطاب الرئيس الراحل أنور السادات، حين ذهب إلى الكنيست «الإسرائيلي»، ودعاهم للسلام، وقال أمام حضور الدورة 71 لجمعية الأمم المتحدة: «أطالب «الإسرائيليين» بفتح صفحة جديدة، والدخول في عملية سلام مع الفلسطينيين..»، وأشار إلى أنه «مع توفير الأمن للفلسطينيين، والأمن والمزيد من الازدهار «للإسرائيليين»!
أما بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء «الإسرائيلي» فقد انتقد كلمة الرئيس الفلسطيني وقال بكل عنجهية ووقاحة، إنه لا يمكن لحكومته مواصلة الالتزام بالاتفاقيات وأن كلمة الرئيس محمود عباس مخادعة وتشجع على التحريض والتدمير في الشرق الأوسط، وأشار إلى أنه أصبح لديه تحالفات مع دول عربية في المنطقة لمواجهة الإرهاب. وقال وكأنه يرد على كلمة ملك الأردن، إن «إسرائيل» تحافظ بشكل قوي على الوضع الراهن في جبل الهيكل (الاسم اليهودي للحرم الشريف) كما أنها ملتزمة بمواصلة ذلك، طبقاً لجميع التفاهمات بيننا وبين الأردنيين والأوقاف».
ولم يختلف موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن موقف نتنياهو حين قال: «الفلسطينيون سيكونون بحالة أفضل إذا رفضوا التحريض واعترفوا بشرعية «إسرائيل».. ولكنه قال أيضاً، إن «إسرائيل» تدرك أنها لا يمكن أن تحتل أرضاً فلسطينية إلى الأبد وتستمر في بناء المستوطنات».
صحيح أن كلمات الرؤساء والحكام العرب تحدثت عن القضية الفلسطينية، ولكن المواقف لم تكن متشابهة، فبينما تحدث آخرون عن القدس والتطبيع، فلم يتحدث أحد بمن فيهم الرئيس الفلسطيني بشكل واضح وقوي عن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم وبيوتهم التي طُردوا منها بقوة السلاح في العام 1948، في عملية هي الأكثر بشاعة في التاريخ المعاصر، وانطوت على مذابح وتطهير عرقي.
الخطاب العربي العالمي لم يكن في المستوى المطلوب، ولم يستغله الحاضرون ليطرحوا مشروعهم بشأن القضية الفلسطينية، وبشأن الاحتلال «الإسرائيلي» الذي جزأ الوطن العربي سياسياً وجغرافياً واقتصادياً، ولا يزال ينفذ سياساته التوسعية، بل إنه يتدخل بشكل سافر وتآمري إلى جانب المتطرفين والإرهابيين لبث المزيد من الفوضى في الجسد العربي.
عبدالله السويحي
صحيفة الخليج