تبدو زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا سياسية بامتياز في سياق التوتر الحالي بين روسيا والولايات المتحدة، على الرغم من أن هدفها المعلن اقتصادي، متعلّق بالطاقة، وفي إطار المشاركة في مؤتمر الطاقة العالمي في إسطنبول.
واللقاء بين بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الاثنين في إسطنبول هو الثالث منذ أن قررت موسكو وأنقرة تطبيع علاقاتهما بعد الأزمة الخطيرة التي نجمت عن تدمير مقاتلة روسية فوق الحدود السورية-التركية.
وأعلن الرئيس الروسي من على منبر مؤتمر إسطنبول استعداد بلاده، الدولة غير العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، لتجميد أو خفض إنتاج النفط كوسيلة وحيدة للحفاظ على استقرار قطاع الطاقة وتسريع إعادة التوازن إلى السوق، معربا عن أمله في أن تكون الفكرة “مؤشرا إيجابيا للسوق والمستثمرين”، ما انعكس تحسنا في أسعار النفط في الأسواق.
ويتأبط الرئيس الروسي ملف الاقتصاد، لا سيما ذلك المتعلق بمشروع “السيل التركي” العزيز على قلب أنقرة، من أجل الولوج نحو هدفه الأساسي في ترتيب خارطة تحالفاته في المنطقة، واستباق أي ردّ فعل محتمل قد تقوم به واشنطن وحلفاؤها بعد فشل اتفاق الهدنة في سوريا، وبعد إفشال الفيتو الروسي لمشروع القرار المقدم من فرنسا وأسبانيا حول سوريا في مجلس الأمن السبت الماضي.
واعتبر الباحث الروسي ديمتري ميكولسكي والعضو في مجلس الاستشراق في موسكو في تصريح لـ”العرب” أن “الاقتصاد والطاقة موضوعان مهمان للبلدين، ولكن بالتأكيد الزيارة أكبر من ذلك، فالمباحثات ستكون شاملة وتغطي كل النقاط لجعل العلاقات الثنائية علاقة استراتيجية”.
ورأى ميكولسكي أن “الوضع تعقد في سوريا بعد التوتر الروسي الأميركي، مما جعل روسيا وتركيا تجدان فرصة للعمل المشترك والتقارب على أمل إيجاد خارطة طريق للحل في سوريا”، مضيفا أن “استياء روسيا وتركيا المشترك من الغرب وتحديدا أميركا سيكون عامل تقارب مفتوح الأفق”.
وقد أكد المدخل الاقتصادي لمحادثات الرئيسين تأكيد وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، الأحد، أن الاتفاق الروسي التركي بخصوص مشروع “السيل التركي”، سيرى النور قريبا. من المقرر أن يضخ خط “توركستريم” 31.5 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الروسي إلى أوروبا، ما يساعد موسكو في الحد من عمليات نقل الغاز عبر أوكرانيا.
وكشف عن هذا المشروع الاستراتيجي نهاية 2014 في الوقت الذي تم التخلي، في خضم الأزمة الأوكرانية، عن مشروع ساوثستريم في البحر الأسود الذي يعرقله الاتحاد الأوروبي.
ويلتقي المدخل الاقتصادي للمحادثات الروسية التركية مع سعي أنقرة إلى جعل “تركيا مركزا عالميا لتجارة الطاقة في العالم”، وفق ما قال رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، في افتتاح المؤتمر الأحد.
ويتحدث دبلوماسيون في أنقرة عن أن التوق الروسي لتطبيع العلاقات مع تركيا تقابله همّة تركية من خلال ما أعلنته الرئاسة التركية من أن زيارة بوتين تأتي تلبية لدعوة نظيره التركي، والتي من شأنها تسريع عملية التطبيع بين البلدين، والإسهام في تطوير التعاون الثنائي.
ولا تخفي مصادر روسية متخصصة الأهمية الكبيرة لمشروع “السيل التركي”، معتبرة أن الصراع حول سوريا سيؤثر سلبا على المشروع، لا سيما لجهة تدهور علاقات روسيا والاتحاد الأوروبي إزاء الأزمة السورية.
ونقل عن مراقبين في تركيا أن أنقرة تدرك حاجة موسكو إلى تطوير علاقاتها السياسية مع تركيا في إطار المواجهة الجارية حاليا بين روسيا والعالم الغربي.
وترى أوساط أوروبية أن مصالح مشتركة تتقاطع هذه الأيام بين موسكو وأنقرة، فروسيا تريد تحييد تركيا عن الشأن السوري من خلال دعم خطة الحكومة التركية في المضي قدما في حملة “درع الفرات” والتي تهدف، مواكبة للمعركة ضد داعش، إلى إبعاد الخطر الكردي في شمال سوريا.
وتعتبر هذه الأوساط أن روسيا تطلق يد تركيا في الميدان الشمالي لسوريا، طالما أنه لا يتقاطع مع ميدان العمليات الروسية في حلب ولا يعطل الخطط العسكرية الروسية هناك.
وتضيف أن روسيا تود أيضا تحييد تركيا عن تقديم أي تسهيلات ممكنة لأي “رد غير دبلوماسي” محتمل قد تلجأ إليه واشنطن. وفي المقابل تعتبر تركيا أن مهادنة روسيا في المسألة السورية باتت مصلحة اقتصادية، لكنها أيضا مصلحة استراتيجية تتعلق بخطط تركيا في سوريا، وعزم أنقرة الإدلاء بدلوها العسكري والسياسي في معركة الموصل إضافة إلى إيجاد توازن داعم في علاقاتها القديمة مع أوروبا والولايات المتحدة.