نتانياهو في الكونغرس: حماقة وقصر نظر

نتانياهو في الكونغرس: حماقة وقصر نظر

20150122171206

ينبغي أن تخيفنا تبعات دعوة رئيس الكونغرس الأميركي الجديد جون بينير رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو كي يلقي خطاباً جامعاً في شباط (فبراير) المقبل أمام أعضاء مجلسيه، النواب والشيوخ. وهذا ليس لأن الضيف شخصية مثيرة للجدل في الغرب، بل الأهم لحساسية الموضوع الذي اختاره المضيف للتحدث عنه، وهو الملف النووي الإيراني.

فإذا كان من المتوقع أن يبرع الضيف في استعراض رعونته لدى الكلام عن الحرب والمواجهة، فإن المضيف يكاد يرتكب حماقة غير مسبوقة من ثاني أكبر مسؤول أميركي لقيامه باستضافةٍ نادرة لزعيم مفعم برؤى عنصرية وسياسات يمينية متطرفة، ولا تلتصق باسمه غير سلسلة المجازر والقتل غير المحدود وسياسة التوسع في أراضي فلسطين، كما أظهر القصف «الواسع غير الرحيم»، وفق تقارير منظمات دولية وإنسانية عدة، الذي شهده أخيراً قطاع غزة.

سبب الخوف هنا واضح ومباشر، إذ أن «تشريف» شخصية مثل نتانياهو في واحدة من أعلى مؤسسات الممارسة الديموقراطية في العالم ورأس التشريع في أهم دوله، للحديث (كما جاء في دعوة بينير) عن «تهديدات» إيران النووية والإسلام المتطرف «ضد أمننا»، يفترض من وجهة نظر الضيف والمضيف أن ثمة تهديدات حقيقية مؤكدة هدفها الرئيس «أمن إسرائيل واستقرارها»، وهي بالتالي يجب منعها بشتى الوسائل، بما في ذلك الضربة العسكرية.

يتم هذا من دون اعتبار لقيادة الإدارة الأميركية رأياً عاماً كونياً وتحالفاً عالمياً رسمياً يعبّر عنهما أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة، إضافة إلى ألمانيا، لعملية تفاوضية شاملة مع إيران حول ملفها النووي وكل ما يرتبط بها من مسائل متعلقة بأمن المنطقة، بما فيها بالتأكيد موضوع «أمن» إسرائيل.

إلا أن هناك ثمة مخاوف أخرى مرتبطة بما سيعكسه وقوف نتانياهو من على منبر الكونغرس على الوضع المضطرب في المنطقة ككل، لا سيما تصاعد التطرف الإسلامي وما يرافقه من عمليات وحشية تفوق كل التصورات. فاستضافة رئيس وزراء إسرائيل بالذات، وحصر خطابه في مناقشة «تهديدات» إيران والتطرف على بلاده وعلى الولايات المتحدة والغرب عموماً، من فوق هذا المنبر الأميركي المهم، هو تحدٍ مباشر للرئيس الأميركي وإدارته وكأن بينير يسير هارعاً نحو إسرائيل ساعياً وراء حمايتها لأمن بلاده وحلفائها. أي، باختصار، بينير ينتظر من نتانياهو أن يُخبر أعضاء الكونغرس عن «تهديدات» إيران لبلادهم وسبل مواجهة هذه التهديدات، بدلاً من التعرف عليها من رئيسهم. فنتانياهو في النهاية، كما قال بينير، «الأقدر على تقديم الموضوع إلى أعضاء الكونغرس».

واضح أن بينير لا يثق بإيران على الإطلاق ولكن هناك كثيرين غيره داخل الولايات المتحدة وخارجها لا يثقون أيضا بها، بمن في ذلك الرئيس أوباما وبقية أعضاء الفريق الدولي المتفاوض مع طهران، إضافة إلى غالبية العرب. فهم أيضاً لا يثقون بإيران ولا بسياستها في الإقليم، لا سيما منطقة الخليج الأوسع والعراق وسورية واستخدامها العلني لميليشيا «حزب الله» كأداة تدخلية في المنطقة، فضلاً عن الملف النووي. إلا أن موضوع الثقة بإيران، من عدمه، لا يُحدده نتانياهو في ما يقدمه من دروس للمشرعين الأميركيين حول سياسة طهران، إذ أن كل ما سيقدمه في محاضرته المنتظرة في الكونغرس سيكون عبارة عن رأيه الشخصي ورأي حكومته، في أفضل الأحوال، في كيف يجب للولايات المتحدة أن تدير المواجهة مع إيران. فعنوان محاضرته سيكون «تهديدات الاسلام الراديكالي وإيران الموجهة ضد أمننا ونمط حياتنا»، وسيدعو في الوقت نفسه إدارة أوباما إلى تطبيق أقصى أنواع المقاطعة ضد طهران.

تأتي مبادرة بينير رداً على تأكيد أوباما في «خطاب الاتحاد» يوم الأربعاء الماضي، بأنه سيعلن «الفيتو» على مشروع الغالبية الجمهورية في الكونغرس لتشديد العقوبات ضد إيران ما دامت عملية التفاوض معها مستمرة. فالرئيس الأميركي قال في خطابه إن المفاوضات مع طهران وصلت الآن إلى نقطة حرجة وإن أي صفقة محتملة معها معرضة للفشل في ما لو تم تصعيد العقوبات في هذه المرحلة. وهذا هو موقف بريطانيا أيضاً وفقاً لرئيس وزرائها ديفيد كاميرون الذي جادل بعض أعضاء مجلس الشيوخ خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن في ضرورة تأجيل التصعيد مع إيران الآن لما يشكله من تهديد حقيقي للمفاوضات. أضف إلى ذلك أن تفاوض الدول الخمس الكبرى وألمانيا مع إيران يلامس مباشرة مصالح هذه الدول في منطقة ملتهبة وغامضة وفي جوار مضطرب غير واضح المعالم.

فإيران تطرح نفسها قوة إقليمية نافذة وقادرة على تقديم بديل أمني للولايات المتحدة يريحها من مسؤوليات كبرى عسكرية ومالية في العراق وإلى حد ما في أفغانستان، مقابل تصفية المسائل العالقة معها المؤدية في النهاية إلى رفع الحصار عنها ووضع حد لتدهور اقتصادها المنهك.

في المقابل، فحجة أن إسرائيل هي الحليف الأمثل والأضمن والأقرب بين دول المنطقة إلى الولايات المتحدة، وهي كذلك بالفعل، يجب أن لا تمنحها مسؤولية لعب الدور الأكبر في رسم سياسة أميركا في الشرق الأوسط الذي يشهد لأول مرة حالة من الغموض غير مسبوقة منذ مطلع القرن العشرين. فالمنطقة في غمار عملية لا يستطيع أحد الآن تخمين مداها ولا عمقها ولا نهايتها، كما تحمل في طياتها الكثير من الاحتمالات بما في ذلك رسم حدود جديدة وإعادة توزيع سكاني جديد وقيام كيانات جديدة حُرمت حقوقها لوقت طويل. وواضح أن أوباما في عاميه الأخيرين في الرئاسة بات يعتمد في سياسته الخارجية على الرأي العام الأميركي الأوسع أكثر من رأي الكونغرس الذي سيكون منحازاً بالكامل، كما نرى الآن، إلى إسرائيل. فمن الغباء البيّن أن يستند بينير على نتانياهو في رسم سياسة بلاده تجاه المنطقة، ولكن يبدو أن الوقت حان لتسديد فواتير انتخابات منتصف العام في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي التي أوصلت الجمهوريين إلى مجلسي الكونغرس، لمنظمات «اللوبي» اليهودية وبعض أصحاب رأس المال النافذين من يهود أميركا.

مصطفى كركوتي

نقلا عن الحياة