دافع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن “سيادية” قرار بغداد بشأن تحديد موعد معركة الموصل التي تلوح وشيكة، ويأمل في أن تكون فاصلة في إنهاء وجود تنظيم داعش في العراق، قائلا إن المعركة “ستنطلق وفق جدولنا”.
غير أنّ كلام العبادي الذي كان يردّ على تقارير صحافية محلية وأجنبية حدّدت موعد انطلاق المعركة بالأسبوع القادم لا يمكن –وفق مراقبين- أن يحجب حقيقة وجود جهات كثيرة وعوامل متشابكة متحكمة بالمعركة وبأدق تفاصيلها بما في ذلك موعدها وخططها والقوات المشاركة فيها. وتُفسَّر حدّة الصراع الدائر حول معركة الموصل بأهميتها في تحديد ما بعدها، بما في ذلك توزيع خارطة النفوذ في العراق.
وعلى هذه الخلفية تلقي الأجواء السياسية المشحونة، محليا وإقليميا، بظلالها على خطط القادة العسكريين في العراق بشأن الاتفاق على تحديد ساعة الصفر لانطلاق عملية استعادة مدينة الموصل من سيطرة تنظيم داعش.
ففي الداخل، يتعاظم الجدل بشأن القوات التي ستشترك في هذه المعركة، ولا سيما بشأن الدور الذي سيلعبه الحشد الشعبي وقوات البيشمركة الكردية، فيما تحوّل الوجود العسكري التركي شمال الموصل إلى صداع لرئيس الوزراء حيدر العبادي.
وفي أحدث تصريح له، أكّد المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لدى التحالف الدولي بريت ماكغورك الانتهاء من الاتفاقات السياسية الخاصة بالمعركة، لكنه قال إن العراقيين هم من سيختارون موعد العملية، والتحالف الدولي سيدعمهم بعد ذلك. وأوضح ماكغورك أن من ضمن خطط المعركة إبقاء سكان الموصل في منازلهم وتحرير الأحياء بصورة تدريجية.
وقال أثيل النجيفي المحافظ السابق لمحافظة نينوى إن “هناك عددا من الجهات كانت تسعى إلى تأخير معركة الموصل حتى تكمل استعدادها لمرحلة ما بعد التحرير”.
وأبدى النجيفي في تصريح لصحيفة “العرب”، استغرابه من مساعي “معظم الأطراف لاستبعاد أهل الموصل من معركة تحرير مدينتهم”، في إشارة الى الجدل بشأن القوة التي شكلها النجيفي نفسه تحت مسمى “الحشد الوطني”.
وقال النجيفي إنّ “أطرافا مهمة راهنت على صياغة الوضع السياسي في الموصل وفقا لرؤاها، لا وفقا لقناعة أهل المدينة”. وأضاف “حتى الآن، والمعركة على الأبواب، بقيت العديد من النهايات سائبة دون تحديد لكيفية حسمها مما سيشكل خطرا في المستقبل”.
كما أكد من جهة أخرى ما ذهبت إليه التسريبات الصحافية أخيرا بشأن الاتفاق على إبقاء قوات الحشد الشعبي والبيشمركة خارج حدود مركز الموصل، لكنه قال إن “الجميع غير مطمئن لتنفيذ ذلك الاتفاق”.
ووفقا للنجيفي، فإن الجيش العراقي والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب ستشكّل قوة الاقتحام الرئيسيّة للموصل، وسيكون دور الحشد الوطني مساندا لها، ولكن بعد التحرير سيكون للأخير دور مهم في مسك الأرض.
مناطق تلعفر وسهل نينوى وشيخان قد تتحول إلى ساحات حرب بين مجموعات كل منها يحظى بدعم دولة ما في الإقليم
ولدى سؤاله عن مشاركة القوات الأجنبية، بما فيها التركية، في معركة الموصل، قال النجيفي، إن “قوات التحالف الدولي دورها الإسناد المدفعي والجوي وبعض العمليات الخاصة، ولكن رسميا سيكون الدور الرئيسي للقوات العراقية”.
وعن مدى قدرة تنظيم داعش على الصمود في وجه القوات المشاركة في استعادة الموصل، يقول النجيفي إن “التنظيم لن يصمد إلا إذا نجح في تحريض الأهالي ضد القوة المهاجمة”، مؤكدا أن “داعش يحاول فعل هذا الآن، وتساعده في ذلك التصريحات المتهورة لقيادات الحشد الشعبي”.
وعن تصوره بشأن مستقبل نينوى، يقول “أتوقع أن تتحول إلى إقليم من عدّة محافظات، فجميع الحلول الأخرى غير واقعية”.
وإذا كان النجيفي تجنب الحديث بشكل واضح عن الوجود التركي قرب الموصل حاليا، وتأثيره على مستقبل المعركة، فإن قيادات الحشد الشعبي تجد في هذا الأمر مشكلة كبيرة.
ويرى القيادي في منظمة بدر، والمتحدث باسم الحشد الشعبي، كريم النوري، أن ما يعيق التحرك نحو الموصل الآن هو “وجود الأتراك، ومطامع الآخرين بالضم وترسيم الحدود بالدم”.
ولم يجب النوري صراحة على سؤال بشأن طبيعة مشاركة الحشد الشعبي في معركة الموصل، لكنه قال إن “حسم المعركة سيبدأ من المحور الجنوبي”، وهو أقرب المحاور إلى مواقع انتشار قوات الحشد الشعبي في مناطق شمال صلاح الدين.
واعتبر النوري خلال إجابته على أسئلة “العرب” في مقابلة معه أنّ “الذهاب إلى الموصل يجب أن يسبقه تحرير الحويجة”، بجنوب كركوك، وهي العملية التي وصفها بـ”الصعبة والمعقدة”.
ويعتقد أكراد العراق، أن دورهم مركب في معركة الموصل، ففضلا عن مشاركة قوات البيشمركة عسكريا في هذه الحملة، سيكون إقليم كردستان المستضيف الأكبر لأي موجة نزوح ينتجها الهجوم العسكري المنتظر.
ويقول النائب في البرلمان عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني شوان داودي، في حديث لـ”العرب”، إن المناطق الكردية تحد الموصل من ثلاث جهات، لذلك فإن قوات البيشمركة ستلعب دورا كبيرا.
ويحذر داودي مما يعتبره “خطر إصرار تركيا على المشاركة في معركة الموصل”. ويرى أن “المشاركة العسكرية التركية ستغذي أطماع أنقرة التاريخية المعروفة في العراق”، مشددا من ثمّ على ضرورة قطع الطريق عن تركيا قبل بدء المعركة.
ولا يفصل السياسيون العراقيون الذين يتحدثون عن نينوى بين واقع معركة الموصل حاليا، والمستقبل السياسي للمحافظة. ويقول القيادي في جبهة الحوار الوطني حيدر الملا، إن الخطر الذي يتهدد مستقبل المحافظة في مرحلة ما بعد داعش، أشدّ من الخلافات الحالية بشأن الخطة العسكرية. ويعتقد الملا، أن نينوى قد تشهد صراعا قاتلا بين مجموعات محلية، مدعومة إقليميا، لتوسيع مساحة نفوذها، بعد القضاء على تنظيم داعش فيها.
ويقول في حديث لـ”العرب”، إن مناطق تلعفر وسهل نينوى وشيخان –وهي أقضية تتبع مدينة الموصل- قد تتحول إلى ساحات حرب بين مجموعات شيعية وسنية وكردية ومسيحية وإيزيدية كل منها يحظى بدعم دولة ما في الإقليم.
عمر الشاهر
صحيفة العرب اللندنية